أخشى أن يكون زوجي ممن يشاهد الحرام

منذ 3 أيام 20

أخشى أن يكون زوجي ممن يشاهد الحرام


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/10/2024 ميلادي - 16/4/1446 هجري

الزيارات: 56


السؤال:

الملخص:

فتاة تابت إلى الله من ممارسة العادة السرية، لكنها تخشى إن تزوَّجت أن يعاقبها الله في زوجها، بأن يكون ممن يمارس العادة أو يشاهد الحرام، وتسأل: ما النصيحة؟

التفاصيل:

السلام عليكم ورحمة الله.

هناك شيء في نفسي يؤرقني؛ إذ كنت أمارس العادة السرية وأشاهد الحرام، ثم إنني تُبتُ، ولكني أخاف أن يعاقبني الله بسبب ذلك؛ بأن أُحرَم الزوج الصالح، أو يكون زوجي ممن يشاهد الحرام، حتى إنني حين أدعو بالزوج، لا ألمس فيه الإلحاح والصدق في الطلب؛ إذ أشعر أنني لا أستحق، وأُفكِّر في الإعراض عن الزواج، فما الحل لحالتي هذه؟ بارك الله فيكم.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ أما بعد:

وصلتنا استشارتكِ يا بنتي، وأهم ما فيها هو توبتكِ، فاللهم تقبلها واجعلها خالصةً لوجهك الكريم.

سأقسم الإجابة عن استشارتكِ إلى قسمين:

الأول: يتحدث عن أهمية التوبة إلى الله، والوسائل المساعدة للتثبيت، وعدم العودة إلى المعصية.

الثاني: يتحدث عن ضرورة الإيمان بمراتب القدر؛ ليثبت الإيمان بأن كل ما قدره الله عز وجل كائن.

فما تتحدثين عنه في المستقبل، وهو من علم الغيب، الواجب علينا الإيمان به إيمانًا جازمًا قطعيًّا بما قدر الله عز وجل، وبما هو كائن ومقدَّر من عند الله عز وجل، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

أما بالنسبة للقسم الأول:

قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [الزمر: 53، 54].

أما الآيات التي تذكر مغفرة الذنوب وإن عظُمت وكثُرت، وباب التوبة والرحمة واسع؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾ [التوبة: 104]، وقال تعالى في الذين أشركوا بالله - وهو ذنب عظيم - أنه يغفر الذنوب جميعها، إلا أن يُشرَك بالله، ومع ذلك إن عادوا عن شركهم يغفر لهم هذا الذنب؛ قال تعالى في سورة المائدة: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 73، 74].

أما في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي تتحدث عن الرجل الذي قتل تسعًا وتسعين نفسًا ثم ندم، وسأل عابدًا من عُبَّاد بني إسرائيل: هل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله وأكمل به مائة، ثم سأل عالمًا من علمائهم: هل له من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة...؛ [أخرجه البخاري 3470، ومسلم 2766].

وفي رواية مسند الإمام أحمد: حدثني أخشن السدوسي، قال: دخلت على أنس بن مالك، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((والذي نفسي بيده، لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله، لغَفَرَ لكم، والذي نفس محمد بيده، لو لم تخطئوا لجاء الله بقوم يخطئون، ثم يستغفرون الله، فيغفر لهم))؛ [مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه، حديث رقم: (13493)، صحيح لغيره].

وفي رواية للبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: ((أذنب عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلِم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلِم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلِم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت، فقد غفرت لك، قال عبدالأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة: اعمل ما شئت))؛ [رواه مسلم، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب، وإن تكررت الذنوب والتوبة، حديث رقم (2758)، رواه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 15]، حديث رقم (7507)]؛ قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث ونحوه من أحاديث الباب: "ظاهرة في الدلالة لها، وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر، وتاب في كل مرة، قُبِلت توبته، وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبةً واحدةً بعد جميعها، صحَّت توبته، قوله عز وجل للذي تكرر ذنبه: (اعمل ما شئت فقد غفرت له)، معناها: ما دُمْتَ تذنب ثم تتوب غفرت لك، وهذا جارٍ على القاعدة التي ذكرناها، قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))، ولا يختص قبولها بوقت"؛ [صحيح مسلم بشرح النووي، المجلد التاسع، 17، ص: 75، 76].

لذا التوبة النصوح مع عدم العودة، وكثرة الاستغفار، واستشعار قبح الذنب، والابتعاد عن كل شيء يقربكِ إلى المعصية؛ حينما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾ [الإسراء: 32]، وخصَّ بالقرب كل المسببات التي تؤدي إلى الزنا.

وكذلك المداومة على ذكر الله عز وجل، وكثرة الدعاء بأن يثبتكِ الله عز وجل، وكثرة الاستغفار، والمداومة على قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الآن نحن مقبلون على شهر رمضان، وهو شهر التوبة والمغفرة، فاستعيني بالله على طاعته وذكره وشكره، أنْ أنْعَمَ عليكِ بالتوبة.

وأنصحكِ نصيحةً لوجه الله ألَّا تشاهدي أي برامج تثير الشهوة، وأيضًا المسلسلات التي تبيح الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وعدم الاستماع إلى الموسيقى، فهي باب من أبواب مداخل الشيطان، ومما يعينكِ على الاستمرار في التوبة هو مجاهدة نفسكِ الأمَّارة بالسوء، وعدم صحبة رفقاء السوء، وآخرها قيام الليل؛ حيث ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملكُ، أنا الملك، مَنِ الذي يدعوني فأستجيب له؟ من الذي يسألني فأعطيه؟ من الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر))؛ [أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758)].

ندعو الله عز وجل أن يتوب علينا، ويغفر لنا ذنوبنا، ويثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، أما القسم الثاني من استشارتكِ؛ وهو الإيمان بمراتب القدر؛ لكي تعلمي أن كل ما قدره الله كائن، فالإيمان بالقدر خيره وشره هو الركن السادس من أركان الإيمان، والأحاديث التي تؤكد ذلك كثيرة؛ ومنها الحديث الطويل الذي رواه مسلم حينما جاء جبريل يعلمهم دينهم، ويجب أن تؤمني بأن: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة))؛ [رواه مسلم، كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، حديث رقم (2653)].

قال ابن القيم رحمه الله: "مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها، لم يؤمن بالقضاء والقدر أربع مراتب:

الأولى: علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها.

الثانية: كتابته لها قبل كونها.

الثالثة: مشيئته لها.

الرابعة: خلقه لها؛ [شفاء العليل لابن القيم، ص 29].

فأما علم الله عز وجل، فقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أن تقدير أمور الخلائق تمَّ بعلم الله عز وجل، قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة، ولن أستفيض في الشرح هنا، والمهم عليكِ أن تعرفي أن علم الله عز وجل، وما سطر في اللوح المحفوظ، لا يعلمه مَلَكٌ مقرَّب ولا نبي مرسل، وهو غيب لا يعلمه إلا الله؛ قال ابن كثير: "وهو تعالى العالم بما كان وما يكون، وما لم يكن، لو كان كيف كان يكون، فيعلم الشيء قبل كونه، ومع كونه على ما هو عليه، لا إله إلا هو، ولا رب سواه، ولا رادَّ لِما قدره وأمضاه، وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة"؛ [تفسير القرآن العظيم لابن كثير 341/2].

وقال ابن القيم: "عالم بكل شيء، يعلم السر وأخفى، ويعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب ولا يابس ولا متحرك، إلا وهو يعلمه على حقيقته"؛ [هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم، ص 159].

أما كتابة المقادير باللوح المحفوظ؛ فقد روى البخاري من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء))؛ [رواه البخاري في التوحيد، حديث رقم (6982)].

والأحاديث الواردة في ذكر الكتابة في اللوح المحفوظ أكثر من ستة.

المهم من الشاهد: أنه لو قدر لكِ الزواج وعلمه الله عز وجل بعلمه الأزلي، وسطَّره في اللوح المحفوظ؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].

تلك المرتبة الثالثة من القدر مشيئة الله، فكل ما قدره كائن؛ فالحديث رواه الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام وجفَّت الصحف))؛ [رواه الترمذي: حديث رقم: 2516].

فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فعليكِ أن تؤمني بأن ما قدره الله لكِ من زواج أو عدمه لستِ أنتِ من تقررينه، حتى تفكري أن إعراضكِ عن الزواج هو بأمركِ أنت، حاشا لله فإنْ قدَّر الله عز وجل شيئًا، قال له: كن فيكون، فما عليكِ إلا أن تؤمني بالله عز وجل، وبأن الله عز وجل قائم بالقسط والتدبير، ومنفرد بالمشيئة والتقدير، يتولَّى شؤون العالمين، وهو أحكم الحاكمين، وخير الرازقين، لا يُطمَع في سواه، ولا يُرجى إلا إياه، ولا يُشهَد في العطاء إلا مشيئته، ولا يُرى في المنع إلا حكمته، ولا يُعايَن في القبض والبسط إلا قدرته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأيضًا هنا لن ندخل بتفاصيل المشيئة، فقط الشاهد هو أنه لو قُدَّر لكِ أن تتزوجي، فسيُيَسِّر الله لكِ هذا الزواج، والأهم من ذلك الإعراض عن الزواج ليس من السنن الكونية، فالنكاح مأمور به شرعًا؛ ففي حديث متفق عليه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا، كأنهم تقالُّوها فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أُفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أمَا والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأُفطِر، وأُصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغِب عن سُنَّتي فليس مني)).

فنصيحتي لكِ بما منَّ الله عليكِ بالتوبة ألَّا تجعلي للشيطان من سبيل يدخل عليكِ من هذا الباب، واستغفري الله، وتوبي إليه، واتقي الله، ولا تفكري بهذه الأفكار السوداوية.

نسأل الله عز وجل أن يثبتكِ على طاعته، ويصرف عنكِ السوء، وأن يتقبل توبتكِ.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.