22 عاما على سقوط بغداد... هل يمرُّ النظام في العراق بأخطر مراحله؟

منذ 3 أيام 111

يلحظ من يزور بغداد انتشارا واسعا لألواح الطاقة الشمسية على أسطح المباني والبيوت. ويلحظ أيضا من يتابع أخبار العراق، الإعلانات المتزايدة عن قروض مصرفية، يصل بعضها إلى 20 مليون دينار عراقي (نحو 14 ألف يورو)، مخصّصة لشراء شبكات الطاقة المتجددة لاستخدامها منزليًّا.

وتعكس هذه الظاهرة عمق أزمة الكهرباء التي تعاني منها البلاد منذ سنوات طويلة. أزمة تفاقمت في السنوات الأخيرة، قبل أن تدخل مرحلةً حرجة جدًا مطلع العام، مع إصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارا بوقف الاستثناء من العقوبات، الذي كان ممنوحا للعراق من أجل شراء الغاز والكهرباء من إيران، ذلك ضمن سياسة "الضغوط القصوى" التي أعلنت إدارة ترامب أنها ستنفذها ضد طهران.

وفيما يحتاج الاعتماد على مورّدين آخرين للطاقة إلى سنوات، كي يملأ الفراغ الذي يسببه وقف التعامل مع إيران، لا يبدو أن أن هناك حلولا داخلية سريعة توجد قيد الإنجاز، لأسباب عديدة.

وليست أزمة توليد الكهرباء في العراق تقنية بقدر ما هي سياسية – إدارية، في انعكاس لنظام المحاصصة الطائفية الذي يحكم البلاد منذ الإطاحة بنظام صدام حسين. إذ بعد 22 عاما على سقوط بغداد وبداية الغزو الأمريكي للبلاد، تبرز معضلة الكهرباء كأحد الشواهد على تشابك الأزمات العراقية بين ما هو إقليمي وداخلي، وإداري وسياسي.  

ورغم التقدم الذي حققه العراق في السنوات الأخيرة في مكافحة الفساد، يشير أحدث تقرير لمنظمة الشفافية الدولية عن استفحال هذه الآفة في بلاد الرافدين، حيث حلّ العراق في المرتبة 140 عالميًّا، والـ8 عربيًّا بين أكثر الدول التي تعاني من الفساد.

وفي مشهد شبيه جدا بالحالة اللبنانية، يعزو المتخصّصون أسباب الفساد الإداريّإلى نظام المحاصصة الطائفية. فبعد أكثر من عقدين على نهاية النظام السابق، يصعب إيجاد من يقول بأن النظام السياسي الجديد تمكّن من تحقيق ما يصبو إليه العراقيون.

ويقول الباحث السياسي ماجد بدران إنّ المحاصصة السياسية لم يتم التعامل معها كأداة لحفظ وتنمية أوضاع المكونات العراقية بما ينتج تنمية شاملة.

ويرى بدران في حديث ليورونيوز أن "المحاصصة سرعان ما تحولت إلى سباق بين القوى السياسية للانقضاض على موارد مؤسسات الدولة نتيجة عدم الثقة بين هذه القوى".

أما الباحث المتخصص في الشأن العراقي في جامعة Kent البريطانية تامر بدوي، فيعتقد أنّ المحاصصة الطائفية جعلت من المحاسبة "عملية شبه مستحيلة"، وذلك لأن القوى السياسية في البلاد تشكل "جزءا من الفساد الذي تعاني منه المنظومة العراقية".

ويضيف بدوي قائلا: "مكافحة الفساد بشكل جدي وجذري أمر صعب جدا في ظلّ منظومة الحوكمة الحالية في العراق".

وعلى أعتاب صيف شديد الحرارة، يسود الترقّب المشهد السياسي، على وقع تظاهرات مطلبية متعددة آخرها إضرابات المعلمين. كما يستعيد مراقبون مشاهد التظاهرات التي أشعلها انقطاع الكهرباء الصيف الماضي، وإمكانية تكرارها هذا العام أيضا، وسط انقسامات سياسية حادة قد تؤدي بدورها إلى تكرار مشهد الاحتجاجاتالتي جرت في تشرين الأول / أكتوبر 2019.

ويطالب الإطار التنسيقي الذي يجمع أغلب القوى الشيعية الداعمة لرئيس الحكومة بعدم تأجيل موعد الانتخابات. أما زعيم "التيار الوطني الشيعي" مقتدى الصدر فما زال عند قراره بعدم المشاركة في الانتخابات المقبلة.

العراق في قلب اللحظة الاقليمية الملتهبة

بعد الغزو الأمريكي عام 2003، شكّل العراق منطلقًا أساسيًّا في التحوّلات السياسية والأمنية في الإقليم. واليوم، تجد بلاد الرافدين نفسها في قلب أزمة كبيرة، بسبب التطورات الأخيرة الناتجة عن الحرب التي شهدتها المنطقة بين إسرائيل والقوى التي تُعرف بـ"محور المقاومة" المدعوم من إيران كحركة حماس وحزب الله في لبنان، إضافة إلى سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

وقد شاركت في هذه المعارك قوى عراقية مسلّحة أعلنت مرارًا عن ضرب قواعد أمريكية في المنطقة فضلا عن استهداف نقاط في عمق إسرائيل بالصواريخ والمسيّرات.

ومنذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الرئاسية الثانية، برزت الأزمة في العراق مع مطالبة واشنطن بغداد بنزع سلاح الفصائل الخارجة عن سيطرة الدولة العراقية، والمقصود هنا هو الفصائل والقوى المدعومة من إيران والتي شاركت في المعارك الأخيرة ضد إسرائيل، ضمن ما يُعرف بجبهات الإسناد لغزة.

ويشكّل ملف نزع سلاح الفصائل وتحجيم وجود وتأثير الحشد الشعبي عنصر ضغط كبير على الحكومة، حيث تترقب الأوساط السياسية العراقية مآل الأمور في هذا الشأن، والصيغة التي يمكن أن يتم الاتفاق عليها بشكل لا يضع العراق في مواجهة مع الولايات المتحدة أو إيران.

ويشير بدوي إلى أنّ رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني "يحتاج إلى إرضاء الإدارة الأمريكية لتثبيت الوضع الاقتصادي في البلاد، وكلاعب سياسي ينوي الترشح في انتخابات 2025".

ويعتقد بدوي أنّ الفصائل العراقية تعيش تحوّلًا انتقال من الهجوم إلى الانكفاء قد يصل إلى حدّ "الاضطرار لتقديم تنازلات".

بدوره يقول بدران إنّ "النظام الرسمي المؤيد للوسائل الدبلوماسية، بدأت خياراته تضيق مع امتداد وتداعيات الحرب على غزة ولبنان"، ويخلص إلى أنّ هذا "النظام الذي تُعدُّ القوى الحليفة لطهران ركيزته الأساسية، يواجه اليوم اختبارا صعبا على المستويين السياسي والاقتصادي".

وتتحدّث مصادر عراقية عن جهود ومباحثات تجري لإيجاد صيغة يتم من خلالها "استيعاب المطالب الأمريكية بحلّ الفصائل المسلّحة"، من دون أن يؤدي ذلك إلى اشتباك داخلي أو أزمة عميقة مع إيران.

لكن كتائب حزب الله العراق نفت ما نقلته وكالة "رويترز" من تصريحات منسوبة لعدد من قيادييها عن قبول فصائل عراقية حليفة لإيران نزع سلاحها تجنّبًا لهجوم أمريكي على مواقعها في العراق". وأكدّت أن الحديث عن قبولها تسليم سلاحها "لا يمتُّ إلى ثوابتنا ومواقفنا بصلة" وفق تعبيرها.

العلاقات المتأرجحة مع إقليم كردستان

أزمات عديدة برزت في الأشهر الماضية بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، حول تصدير نفط الاقليم عبر ميناء جيهان التركي، ورواتب موظفي الإقليم، وغيرها. ومن خلال تصريحات مسؤولي الطرفين، والزيارات المتبادلة، من الواضح أنّهما يعتمدان الحوار لمعالجة هذه الأزمات.

لكن هذا الأمر لا ينفي وجود تطورات طرأت على مشهد العلاقة بين بغداد وأربيل ارتباطا بالتطورات الاقليمية الأخيرة. ويعود بدران بالذاكرة إلى عام 2017 حيث جرى استفتاء انفصال إقليم كردستان. فيقول: "حلم الانفصال يراود الكرد باستمرار".

ويشير إلى أن أكراد العراق "لا يفضلون البقاء تحت مظلة بغداد مهما كان فيدراليًّا، ومهما كان شكل الحكم الذاتي الذي يحظون به".

وينطلق بدوي من التطورات الأخيرة، ويقول: "حكومة بغداد والأحزاب الشيعية مضطرون اليوم إلى التعامل بمرونة أكثر مع حكومة إقليم كردستان لإرضاء الإدارة الأمريكية".

"اليوم، تبدو أربيل في موقع أكثر قوة" يضيف المتحدث، خصوصا وأن بوادر الانفراج في الحرب أنقرة وحزب العمال الكردستاني تعزّز من هذا التصوّر.

بعد 23 عاما، يتجه العراق إلى مرحلة جديدة ما زالت في طور التكوّن. وعلى أهمية الأزمات السياسية والأمنية المباشرة، فإن أزمات البلاد البيئية والمناخية لا تقل تعقيدا، إذ هي بدورها أزمات ذات طابع سياسي، وبدأ بعضها يظهر على شكل جفاف وشحٍّ في المياه نتيجة إجراءاتٍ مائية إيرانية وتركية، وسط قناعة عراقية بضرورة معالجة ذلك عبر الطرق الدبلوماسية والمصالح المشتركة قدر الإمكان، من دون وجود ضمانات لذلك.