♦ الملخص:
فتاة خُطبت إلى شخص لا تشعر معه بالراحة، ولا تجد نفسها معه، وما خُطبت إليه إلا لأن أختيها – وهما أصغر منها – خُطبتا، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا مخطوبة، لكنَّ ثمة شعورًا بالضيق وانعدام الراحة، فأنا لا أتخيل نفسي زوجة له، وكلما تخيلت نفسي زوجة له، أصابني ضيق شديد، وقد وافقت على الخِطبة إليه؛ لأن أختيَّ اللتين أصغر مني سنًّا إحداهما متزوجة من أحد الأقارب، وأنا لا أحب زواج الأقارب، والأخرى مخطوبة، وأنا لا أريد أن يتحدث الناس أن ثمة خطبًا بي، ولأسباب أخرى، ولأن جريان الأمور كان دافعًا للموافقة، المهم أنني الآن خائفة من أن أتزوجه، لا أريده، وأخشى ألَّا يخطبني شخص آخر، أعلم أن الرجل يُختار لدينه وخُلُقه، وهم يقولون: إنه شخص جيد، لكن لا أدري هل كلامهم صحيح أو لا؟ أريد رجلًا أُكمل معه حياتي في حبٍّ وسعادة وراحة، لكني لا أجد نفسي مع هذا الشخص، وكلما تذكرت نظراته في الرؤية الشرعية، أجدني غير مرتاحة، أشعر بالذنب لقولي هذا، وأرجو أن يسامحني الله على ذلك، أفيدوني؛ فأنا في حيرة شديدة من أمري، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ هو:
1- يتضح من رسالتكِ أنكِ مصابة بالترددات الكثيرة المصحوبة بالتخوفات، وذلك عند اتخاذ القرارات المصيرية.
2- تقولين: إنكِ تأخرتِ عن أخواتكِ في الزواج؛ بسبب رفضكِ الزواج من الأقارب، وهذا مما يؤكد سيطرة الترددات والتخوفات عليكِ، ورفضه لن يمنع مرضًا ولا مشاكل قد كتبها الله على الإنسان.
3- تقولين: إنكِ مخطوبة لرجل مذكور بالخير، لكنكِ لا تجدين معه ارتياحًا، وتتذكرين نظراته أثناء الرؤية الشرعية فلا ترتاحين له أبدًا.
4- تقولين: إن هناك أسبابًا دفعتكِ للموافقة عليه؛ منها زواج أختكِ الصغرى، وخطبة أختكِ الأخرى، وخشيتكِ من لوكة ألسنة الناس فيكِ؛ بسبب تأخر زواجك.
5- تقولين: إن هناكِ شيئًا بداخلكِ يقول: إنكِ غير مرتاحة له أبدًا، ولا تريدينه، ولا تتخيلين معيشتكِ معه، وكلما تخيلتِها، أصابكِ ضيق شديد، وتقولين: إنكِ خائفة حقًّا من الزواج منه، وتخشين ألَّا يأتي خاطب آخر غيره.
6- تقولين: إنكِ في حيرة شديدة من أمركِ، مع أنه يقال: إنه رجل جيد، ولكنكِ لا تدرين هل هو جيد أم لا؟
7- تريدين رجلًا تكملين معه حياتكِ في سعادة وحبٍّ وراحة، وهذا الخاطب لا تجدين أي ارتياح له، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: واضح جدًّا وضوح الشمس في رابعة النهار تسلُّط الوساوس والتخوفات والترددات عليكِ، ويبدو أنها قديمة معكِ في أغلب شؤونكِ أو فيها كلها؛ ولذا لا بد من علاج حاسم تتخلصين به منها، وبدون معالجتها قد لا تصلحين للزواج، بل قد تسيئين لنفسكِ ولزوجكِ ومستقبلًا لأبنائكِ.
ثانيًا: انظري في عدم ارتياحكِ للخاطب هل هو نُفرة قلبية حقيقية وجدتِها بعد الاستخارة، وبعد النظرة الشرعية، أو هو نتيجة مثاليات زائدة ونتيجة تخوفات ملازمة لكِ؟ إن كان هو النفرة الحقيقة، فلا يصلح أبدًا الإقدام على هذا الزواج، وفيه مخاطرة غير محمودة العواقب لكِ وللخاطب، وربما ينتهي بالتذمر ثم الطلاق، وإن كان نتيجة مثاليات زائدة وهواجس لا حقيقة لها، فاطرديها واطرحيها أرضًا، فإنها إن استمرت معكِ ستُمرضكِ، ولن تفلحي في زواجكِ منه ولا من غيره، ولا في أي شأن آخر من شؤونكِ، وقد تصيبكِ بالاكتئاب والحزن الملازم.
ثالثًا: لا يصلح أبدًا ربط قرار زواجكِ من هذا الخاطب أو من غيره بزواج أخواتكِ أو بخشية كلام الناس، هذا زواج، وهو أمر عظيم وليس بضاعة تُباع وتُشترى وتُرد بسهولة.
رابعًا: أنصحكِ بأن تكثري من الدعاء بشفائكِ من الترددات والتخوفات، والهواجس المزعجة؛ فهي لا تُمرض من ابتُلي بها، بل تقتله من الوريد إلى الوريد.
خامسًا: قد تحتاجين لأحد أمرين، أو لهما معًا:
1- عرض نفسكِ على طبيب نفسي.
2- رقية نفسكِ بالرقية الشرعية.
سادسًا: مما يعينكِ على طرد التخوفات والترددات تذكُّرُ الآيات الآتية:
قوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].
سابعًا: من العلاجات لكِ أن تُجاهدي نفسكِ على صدق التوكل على الله سبحانه، بعد أن تدعي الله كثيرًا، وتستخيريه سبحانه.
ثامنًا: لعلكِ تتخيلين حياة زوجية مخملية، تحفها الرومانسيات والعواطف والحب الجارف، بدون أي مشاكل زوجية، وهذا وهم وخيال؛ لذا وطِّني نفسكِ من الآن لحياة زوجية طيبة إن شاء الله، ولكن تتخللها اختلافات زوجية معتادة، ولو سلم من هذه الاختلافات بيتٌ لسلِم منها بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
تاسعًا: المرأة إذا لم ترتَحْ للخاطب، أحاطته بعيوب الدنيا كلها الحقيقية والمتوهمة، أو أحاطت نفسها بالنفرة الشديدة منه، وإذا ارتاحت له، قالت: هذا فارسي المنتظر، وانتظرتُه على أحرِّ من الجمر.
عاشرًا: أعود فأقول: استخيري الله كثيرًا، متجردة من كل هوًى، مستحضرة أن الخير ما يختاره الله سبحانه؛ متذكرة قوله سبحانه: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].
حادي عشر: أكْثِري من العلاجات الشرعية المهمة جدًّا؛ وهي:
1- الدعاء.
2- الاستغفار.
3- الاسترجاع.
4- الصدقة.
5- والعزم والحزم.
6- ونبذ التردد.
7- وصدق التوكل.
ثاني عشر: لعلكِ رفضتِ الزواج من الأقارب؛ خضوعًا لمقولة كاذبة تقول: (الأقارب عقارب)، أو خوفًا من المشاكل، أو من الأمراض الوراثية، فأقول: في هذه القضايا مبالغات لا داعي لها، والزواج من الأقارب ليس شرًّا مطلقًا، كما يصوره البعض، بل فيه خير كثير، بل قد يكون أفضل من غيره بكثير، وقد تنفر المرأة منه أو الرجل، فيقعون فيما هو أسوأ منه، ورفضه لن يمنع مرضًا ولا مشاكل قد كتبها الله على الإنسان؛ قال سبحانه: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].
حفظكِ الله، ودلكِ على رشدكِ، وشفاكِ مما بكِ من ترددات وتقلبات.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.