هل رفع الحرج عن المسلمين فقط

منذ 9 أشهر 216

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هل الآية الكريمة: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}تشمل جميع النفوس أي أن الله لا يكلف إنسانا سواءا كان مسلما أو كافرا فوق طاقته وهل يشمل ذلك الحيوانات أيضا بما أن لها نفوسا وأرواحا؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالذي يظهر أن الآية الكريم خاصة بالشريعة الإسلامية، وأنها واردة في صفة الرسالة المحمدية التي قال الله تعالى فيها:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر: 17]، وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّا كُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: 78]، وقال: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6]، فقد جاءت هذه الرسالة ميسرة في حدود الطاقة، لا تكلف الناس حرجًا ولا مشقة؛ فكان من الطبيعي أن يسرى هذا اليسر في روحها كما سرى في تكاليفها؛ {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].

وأيضًا فإن صفة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وصفة وظيفته التي جاء ليؤديها هي رحمة البشرية جمعاء، وميسرًا: يضع عن كواهل الناس الأثقال والأغلال التي كتبت عليهم، حينما شَددوا فشُدد عليهم؛ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: 107]،وقال:  {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157].

وحيثما سار الإنسان مع هذه العقيدة، وجد اليسر ومراعاة الطاقة البشرية، ومراعاة الأحوال المختلفة للإنسان، والظروف التي يصادفها في جميع البيئات، بعقيدة سهلة التصور.

والأحكام الشرعية كلها تنبثق من هذه العقيدة في تناسق مطلق لا عوج فيه ولا انحراف، وعلى المكلف أن يأتي منها بما في طاقته، بلا حرج ولا مشقة؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه"، والمنهي عنه لا حرج فيه في حالة الضرورة:؛ {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، فالشريعة في مبناها على: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 173]، فهذه هي السمة الأصيلة البارزة التي جاءها الرسول الميسر بالرسالة الميسرة؛ فاستحقت أن تكون الأمة الوسط، والأمة المرحومة الحاملة للرحمة، الميسرة الحاملة لليسر، تتفق فطرتها هذه مع فطرة هذا الوجود الكبير.

فما خير - صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما؛ كما روت عنه عائشة -رضي الله عنها- وقال - صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه؛ كما رواه البخاري، وروى أبو داود: قال: "لا تشددوا على أنفسكم، فيشدد عليكم؛ فإن قومًا شددوا على أنفسهم، فشدد عليهم"، وقال: "إن المنبتّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى"؛ رواه البخاري، وقال أيضًا كما في الصحيحين: "يسروا ولا تعسروا"، وكل هذا وغيره كثير هو من تأويل قوله تعالى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى: 8].

والحاصل أن قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، ذكرت في ختام سورة البقرة، وهي أطول سور القرآن، وذكر الله فيها قطاعاً ضخماً رحيباً من قواعد التصور الإيماني، وصفة الأمة الإسلامية، ومنهجها، وتكاليفها، وموقفها في الأرض، ودورها في الوجود، وموقف أعدائها المناهضين لها، وطبيعتهم، وطبيعة وسائلهم في حربها، ودفع غائلتهم عنها، كما حوت السورة الكثير من تكاليف الأمة المسلمة، وتشريعاتها في شتى شؤون الحياة، وورد فيها الكثير عن نكول بني إسرائيل عن تكاليفهم وتشريعاتهم، إلى آخر ما ذكر فيها.

ومن ثم كان ختامها المبين أن الله- سبحانه - لا يريد إعنات هذه الأمة ولا إثقالها، فناسب أن الختام قوله سبحانه وتعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ* لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [البقرة: 285، 286].

وهكذا يتصور المسلم رحمة ربه وعدله في التكاليف التي يفرضها الله عليه في خلافته للأرض، وفي ابتلائه في أثناء الخلافة، وفي جزائه على عمله في نهاية المطاف، ويطمئن إلى رحمة الله وعدله في هذا كله، فلا يتبرم بتكاليفه، ولا يضيق بها صدراً، ولا يستثقلها كذلك، وهو يؤمن أن الله الذي فرضها عليه أعلم بحقيقة طاقته، ولو لم تكن في طاقته ما فرضها عليه، وهذا كافٍ أن يستجيش عزيمة المؤمن للنهوض بتكاليفه.

وعليه، فالآية الكريمة نزلت في حق المسلمين فقط، أما الحيوانات فغير مكلفة،، والله أعلم.

  • 0
  • 0
  • 3