إحباط من جميع النواحي

منذ 17 ساعة 13

إحباط من جميع النواحي


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/4/2025 ميلادي - 25/10/1446 هجري

الزيارات: 81


السؤال:

الملخص:

طالبة جامعية، تشعر بالأذى والتعب من كل شيء حولها؛ من تخصصها الجامعي الذي لا تريده، وأسرتها التي تقسو عليها، وعلاقتها العاطفية الفاشلة، وخلو حياتها من الصداقات الحقيقية، وهي تريد أن تشعر بمن يرفق بها، ويعينها، وتسأل: هل يجوز أن تتمنى الموت؟

التفاصيل:

أنا طالبة جامعية، أشعر بالوحدة والتعب، والحزن والانكسار؛ ففي حياتي التعليمية أدرس تخصصًا لا أريده، وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية تكاد تخلو حياتي من الصداقة؛ فلا أجد من يشبهني ويعينني على ما أريد، أما علاقتي بأسرتي فكلها إحباط وسلبية؛ فأبي – رغم أنه لا يقصر معنا – قاسٍ جدًّا، وكلامه يؤذيني، وأختي الكبرى تنثر سلبيتها في وجهي، وتنتظر مني أن أواسيها، أما أمي فأحبها، لكنها تريدني مثالية، ومن الوجهة العاطفية أحببتُ ابن خالتي، ولما وجدته يبتعد عني، ابتعدت أيضًا عنه، ودعوت الله كثيرًا أنْ يُخْرِجَه من قلبي، لكن حبَّه يزيد في قلبي يومًا بعد يوم؛ ولذلك كله، أشعر بوحدة شديدة، وأعاني من عدم الرفق بي، وتعبت ممن حولي، وأريد أن أبقى وحدي، وفقدت الشغف في الحياة، وأدعو ربي أن يأخذ روحي فأنا أود لقاءه، فهل هذا يجوز؟ قمت بأشياء كثيرة لأشغل نفسي؛ فاشتركت في حلقة تحفيظ القرآن، وفي الجيم، لكن بلا جدوى.

الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فقد قرأت هذه المشاعِر الملتهبة التي أوصلتكِ - أختي الكريمة - إلى اليأس والهمِّ والوحدة، والرغبة في الموت من أجل الخلاص من هذا الشعور؛ ولذلك أوصيكِ:

أولًا: باعتياد التضرع إلى الله سبحانه ومناجاته، وبثِّ الهموم إليه تبارك وتعالى، فلا أرحم منه على خلقه، ولا ألطف من تدبيره وعنايته جل في علاه، فاحرصي على ذلك، واجعليه ديدنك في الرخاء والشدة.

يقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام في وصيته للصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: ((إذا سألْتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعتِ الأقلام وجفَّتِ الصحف))؛ [رواه الترمذي].

أختي الكريمة:

لماذا هذا الانهزام السريع، والرغبة في القفز من الحياة، والهروب منها، وقد هيأ لنا ربنا تبارك وتعالى أسبابًا للعيش الكريم، ومنحنا فُرصًا للتعلم؟!

وفي الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعِنْ بالله ولا تعجِزْ))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم أعْظَمُ أجرًا من الذي لا يخالطهم، ولا يصبر على أذاهم))؛ [رواه أحمد].

المؤثرات المحيطة بنا كثيرة، ومتفاوتة بين الضعف والشدة، وهذه هي طبيعة الحياة؛ ولذلك على الإنسان اعتياد التحمل والتعايش مع هذه المؤثرات، ومحاولة تخفيف حِدَّتِها على النفس، والبعد عن التحسس من تصرفات الآخرين؛ ولذلك إن أردنا أن نعيش حياة سعيدة مطمئنة، فلنُقْبِل على ما ينفعنا، ولننشغل به، ونبتعد عن الفراغ الذي يجعل اهتمامنا منصبًّا على طريقة تعامل الآخرين معنا، وحتى نتعايش ونتعامل باتزان بين حقوقنا وحقوق الآخرين؛ لا بد من بناء وعي بذواتنا والبيئة المحيطة بنا كذلك.

هناك مهارات للتواصل مع الآخرين أدعوكِ لتعلُّمها عبر الدورات والكتب، ووسائل التواصل المتنوعة، طوِّري مهاراتكِ في التواصل، ومهاراتكِ كذلك في إدارة ذاتكِ، وكلها علوم وخبرات موجودة وسهلة، تسلَّحي بها بدلًا من اليأس والقنوط، واستعيني بالله سبحانه على ذلك.

ولماذا الدعاء بالموت والله سبحانه هو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما؟ فاطلبي منه الرحمة، واسأليه العافية، وعاملي والدكِ بالبر والإحسان، واحتسبي الأجر في الصبر على الأذى، وتحمُّل الإساءة، وقابليها بالإحسان؛ يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].

واحذري - أختي الكريمة - من الْمَيلِ العاطفي، والتعلق المذموم في العلاقات الآثمة؛ فهو من آثار الفراغ العاطفي.

أسأل الله للجميع التوفيق والسعادة، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.