مكيافيللي لم يكتب «الأمير»!

منذ 23 ساعة 13

لم يسلم المفكر السياسي الإيطالي الشهير نيقولو مكيافيللي، من نسب بعض التعبيرات والمقولات إليه. ليست المفاجأة فيما «تواتسوه» (أي تداولوه عبر «واتساب») ودبجوا من مقالات أن مكيافيللي ينصح «الأمير» لورينزو دي مديتشي في القرن السادس عشر الميلادي -وكل «أمير» بعده- بحشو حاشيته بالمنافقين.

اسبحوا مع مبالغات أولئك السابحين في محيطات التواصل الاجتماعي حتى تبلغوا معهم ضفة القول: «إن مكيافيللي لم يكتب كتاب (الأمير)؛ لا سيما أن الكتاب نُشِرَ بعد وفاته بعقد ونيف!»... ما المانع ألا يُقال هذا بعدما نُعِتِ الكاتب بنعوت سيئة صوَّرَته على غير حقيقته، بلسان رجال الدين يومذاك، والقراء بعدهم حتى يومنا، عزّزتها مقولات رائجة أكثر من الكتاب.

المفاجأة أن مكيافيللي لم يكتب قط العبارة الشهيرة «الغاية تبرر الوسيلة».

أرأيتم، كيف يتناقل أكثر الناس ما لم يُقَل، وأقل منهم بكثير يتبيّن صحة ما يُقال.

لا أدّعي أن الحدس أو الشك الذاتي لدى محدثكم هو السبَّاق إلى اكتشاف عدم ورود تلكم العبارة ضمن كتاب «الأمير»، لكن البحث المستمر قادني إلى اكتشاف موقع مختص بتمييز سمين الحقائق عن غث الأوهام «حقيقة - خرافة» factmyth.com سبق فيه صانع المحتوى والخبير الاستراتيجي الأميركي توماس ديميتشل إلى التحقق من عدم قول مكيافيللي هذه «العبارة التي أعدمت الكتاب»، حسب تعبير الأكاديمي والدبلوماسي العراقي ياسر عبد الحسين في تقديمه للطبعة الصادرة عن «دار الرافدين».

إحدى الدراسات عن «مطارحات مكيافيللي» فسّرت تفسيراً إيجابياً الفعل السياسي الذي أراده من وراء توجيه رسالته الشهيرة تلك؛ وبمطالعة رسائله ومطارحاته تتكشّف صورة ذهنية مختلفة عن مفكر ومؤرخ ودبلوماسي سليلِ أسرةٍ سياسية ومستشار عهودٍ جمهوريةٍ إيطالية ورمز للوحدة القومية هناك، عاش مهتماً بجوانب أخلاقية كثيرة، ويحثّ على اكتساب المناقب والتخلي عن عارِ معايب لا تحفظ الدولة. كما يمقت آثام الخيانة والقتل قائلاً: «إن سهلت هذه الآثام نيل الملك، فإنها لا تنيل صاحبها مجداً»... أي إنه ضد البطش وما يحض عليه كما فهم البطاشون وبطشوا باسم «المكيافيللية»!

لكنه يبرر إمكانية خلف بعض الوعود إذا كان تحقيقها جالباً للضرر العام.

ومما «تواتسوه» تجديفاً وتحريفاً وتخريفاً، أنه دعا «الأمير» إلى أن يحشو «حاشيته بالمنافقين والمتملقين»، في حين هو يطالبه أصلًا بعزلِ المنافقين أو «إقصاء المتملقين»؛ إذ ينبغي له «بصفته أميراً حذّر أن يجعل حوله رجالاً عقلاء لهم حق القول بالصدق فيما يسألهم عنه ليس إلا، وحينئذ يسألهم عن كل شيء ليعرف آراءهم، ثم يمعن النظر في أقوالهم وآرائهم، وعليه أن يسلك مع هؤلاء الرجال سلوكاً يدلهم على أنهم كلما ازدادوا في قول الحق ارتفع قدرهم في نظر الأمير وعلت مكانتهم، وعليه ألا يسمع من أحد غير هؤلاء الرجال».

الجميع مدعوٌّ إلى القراءة المتمعنة والبدء بما ثبتته «مطارحات مكيافيللي» من قواعد أساسية أهمها:

- «أميران فاضلان يخلف أحدهما الآخر ويقومان بعمل مآثر عظيمة... تحتم الضرورة أن تنتج عن تتابع الفاضلين مكاسب ونتائج عظيمة»، و«قد يستطيع الأمير الضعيف الذي يخلف بارزاً، الحفاظ على إمارته، لكن إذا خلف الضعيفَ ضعيفٌ آخر فلا يستطيع الحفاظ عليها».

- «من الضروري أن يكون كل من يرغب في إقامة حكومة جديدة أو إصلاح حكومة قائمة، أن يكون صاحب سلطة مطلقة».

- «الشعب الفاسد لا يستطيع الحفاظ على الحرية التي اكتسبها إلا بشق الأنفس».

وفيما يخص السلام يؤكد مكيافيللي لصاحبه «الأمير» أن «القوة تمنح السكينة للبلاد وتوحّدها وتجلب إليها السلام والأمن».