لا أستطيع الصبر على كآبة زوجتي

منذ 1 سنة 214

لا أستطيع الصبر على كآبة زوجتي


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/8/2023 ميلادي - 26/1/1445 هجري

الزيارات: 18



السؤال:

الملخص:

شاب تزوج من فتاة من دولة أخرى، ومنذ أن تزوجها، تقضي أيامها في حزن وكآبة؛ لبعدها عن أهلها، ومجتمعها، وتجرحه بكلامها إذا غضبت، وهو على شفير اليأس من إصلاح حالها، ويسأل: ما النصيحة؟

التفاصيل:

تزوجت المرأة التي أحبُّ، بعد سنتين من وجود علاقة بيننا، هي من دولة أخرى، وكانت على اطلاع باختلاف المجتمع والعادات، وبُعْدِها عن أهلها ومجتمعها، فلما تزوجنا منذ ثلاثة أشهر، أصبحت تقضي أيامها في حزن وكآبة، حتى إنها تتمنى الموت، وأنا أحاول جاهدًا أن أصبرَ وأُعينها على تقبُّلِ حياتها الجديدة، ولكنها تجرحني أحيانًا في نوبات غضبها، هي عاطفية جدًّا، وحساسة جدًّا، تبكي لأتفه الأمور، وتحيط نفسها بالذكريات؛ ما يزيد تألمها، وهي شديدة التعلق بأهلها، لا أنكر أن هذه الأمور تستفزني داخليًّا، رغم أني شخص شديد التهذيب، بيدَ أن الصراع في داخلي كبير، وأُحِسُّ أنني على شفير اليأس منها، وعلى وشك النفور منها ومن كل ما يتعلق بها، وما يمنعني إلا خوفي من الله فيها، فهل من اقتراح؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتك هو:

1- أحببت فتاة من دولة أخرى لمدة عامين، وكنتما على علاقة ما.

لم تفصح عن كيف تعرفت عليها، هل هو عن طريق الإنترنت؟ وما مستوى هذه العلاقة التي كانت بينكما؟

2- ثم تزوجتها قبل ثلاثة أشهر، ووجدتها امرأة حساسة جدًّا وعاطفية، تبكي لأتفه الأمور، وكئيبة جدًّا، بل وتتمنى الموت.

3- تقول: إن مما يزيد من حزنها وتألمها الشديد تعلقها القوي بأهلها.

4- تقول: إنك مهذب في تصرفاتك معها، ولكنك في صراع داخلي كبير، وتحس بأنك على شفير اليأس وعلى وشك النفور منها، ومِن كل ما يتعلق بها، وما يمنعك إلا خوفك من الله؛ يعني في تطليقها.

5- وأخيرًا تسأل: هل من اقتراح لحل مشكلتك؟

فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: يبدو أنك أخطأت طريقة اختيار الزوجة، فاخترتها عن طريق رؤية الصورة بوسائل التواصل، وعن طريق الدردشات البراقة، فسلبت لُبَّك، "وما هكذا تورد الإبل".

فكم تصلني من مشاكل واختلافات زوجية مزعجة جدًّا، تصل إلى حد الطلاق بسبب الزواج عن طريق هذه الوسائل، وما فيها من خداع الصورة والكلام الرومانسي الجذاب جدًّا، والمقلِّب لقلوب أقوى الرجال والنساء.

ثانيًا: كان الأولَى أن تتزوج من بنت بلدك التي تربت على عاداتكم، والتي تستطيع معرفة أخلاقها وأخلاق أهلها، ولو كانت أقل جمالًا ومالًا.

ثالثًا: من الطبيعي أن المرأة إذا بعدت عن أهلها، وعاشت في دولة لا تعرف فيها إلا زوجها أن تتألم ويزيد الحزن والألم، بحسب حساسية المرأة وهيجان عاطفتها، كما هو حال زوجتك.

رابعًا: ومع ما سبق وما دمت تزوجتَ هذه المرأة، فلعل في هذا الزواج خيرًا لكما؛ ولذلك أوصيك ألا تستعجل بخطوة قد تندم عليها، فما يدريك لعل ما أصابها أمرٌ مؤقت؛ بسبب ألم الغربة ووحشتها التي ينبغي لك كرجل عاقل تقدير آثارها المؤلمة على زوجتك.

خامسًا: ينبغي عليك أن تُعرض نهائيًّا عن معاتبتها على حزنها وألمها، وأن تسعى محتسبًا الأجر من الله في تفريج كربة زوجتك بالأمور التالية:

الأول وهو الأهم: الشفقة عليها والدعاء لها بصدق وإخلاص.

الثاني: محاولة دمجها في المجتمع بزيارات ورحلات، وتعريفها على قرينات لها في العمر، وإن تيسر تعريفها على متزوجات سعيدات مغتربات عن أهلهن من بلدها، فهو أولى.

الثالث: محاولة شغل فراغها بعمل أو وظيفة ما.

خامسًا: لا تنسَ أن نفسية المغتربة واضطراب تصرفاتها تحتاج منك لجهادٍ وصبر في حسن التعامل معها، والتودد لها، وكسب قلبها بالكلام اللطيف، والهدية، والثناء على جمالها وأخلاقها، ولعلك بذلك تكسب قلبها فتنسى ألم غربتها، أو على الأقل يخف؛ فالحياة الزوجية الصحيحة لا تُبنى على كثرة المعاتبات، وضعف الصبر، وإنما تُبنى على المودة والرحمة والسكن؛ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

سادسًا: يبدو أنك صُدمت من تصرفاتها التي قد تكون طبيعية مع عدم استيعابها لألم الغربة، ويبدو أنك كنت تحلم بحياة مخملية رومانسية خالية من المشاكل والعقبات، والحياة الزوجية ليست كذلك؛ بل هي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه: ((المرأةُ كالضِّلَع، إنْ أقمْتَها كسرْتَها، وإن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وفيها عِوجٌ))، وفي رواية أخرى للبخاري كذلك: ((استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّهنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلع أعلاه، فإنْ ذَهبتَ تُقِيمه كَسَرْتَه، وإنْ تركْتَه لم يزلْ أعوج، فاستوصُوا بالنِّساء خيرًا)).

وكما في الحديث عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أُرِيت النار فإذا أكثر أهلها النساء، يكفُرْنَ، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خير قط))؛ [رواه مسلم].

سابعًا: يبدو من قولك أنك تحس أنك على شفير يأسٍ أن بك عَجَلَةً في تصرفاتك وقراراتك، وأنك ضعيف الصبر على مصائب الدنيا، فاسألِ الله أن يرزقك الصبر والأناة والرفق، وأن يصرف عنك العَجَلَةَ المذمومة؛ وتأمل في الأحاديث الآتية:

عن عائشة رضي الله عنها أَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ))؛ [رواه مسلم].

وعنها: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ))؛ [رواه مسلم].

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: ((بَال أَعْرَابيٌّ في المسجِد، فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْه لِيَقَعُوا فِيهِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: دَعُوهُ، وَأَرِيقُوا عَلى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِن مَاءٍ، فَإِنَّما بُعِثْتُم مُيَسِّرِينَ ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ))؛ [رواه البخاري].

وعن أَنسٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّروا، وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا))؛ [متفقٌ عَلَيْهِ].

وعن جرير بن عبداللَّه رضي الله عنه قالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقُولُ: ((مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرمِ الخيْرَ كُلَّهُ))؛ [رواه مسلم].

ثامنًا: لعل من المستحسن توسيط عقلاء من عائلاتها وعائلتك؛ لمناصحتها بالحكمة؛ قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35].

تاسعًا: فإن صبرت وصبرت وجاهدت نفسك على الصبر، ونصحت بحكمة، ونصحها العقلاء، ثم لم تجد بعد ذلك إلا مزيدًا من الإعراض، فليس أمامك إلا خيار واحد؛ وهو الاستخارة في هل تبقيان معًا أم تتفرقان؟ قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 130].

أقول هذا لأنك رجل تريد تحقيق أهداف الزواج؛ وهي السكن والمودة، والرحمة والاستعفاف، فإذا تعطلت هذه المصالح النبيلة من الزواج، فلا بد من الفراق، ولعله يكون خيرًا للزوجين، وليس في ذلك ظلم للزوجة.

عاشرًا: لا تنسَ الأخذ بأعظم الأسباب الشرعية لتفريج الكرب؛ وهي: الدعاء، والاسترجاع، والصدقة، والاستغفار.

فرج الله كربتكما، وشفى الله زوجتك، ويسر لكما اليسرى، وجنبكما العسرى.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.