♦ الملخص:
شابٌّ جامعي ابتُلي بفقد صديقه المقرب، وقلة دوائر الأصدقاء من حوله، حتى غدا وحيدًا فلا يكاد يخرج من بيته، حتى الجامعة، أصبح التعليم فيها عن بُعد، ويسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي أنني لا أعلم هل أنا لا أجيد اكتساب الصداقات أم أنني وُجدت في بيئة لا تناسبني، لكني أعلم أنني خرجت من المرحلة المتوسطة بعدد جيد من الأصدقاء، وما إن اجتزتُ المرحلة الثانوية حتى أصبح لديَّ عددٌ أقل من الأصدقاء؛ إما بسبب ظروف الحياة، أو مشاكل كشفت البعض لي، وقد كان لديَّ ذاك الصديق العزيز جدًّا على قلبي، وهو أول صديق لي، وأكثر صديق أقضي وقتي معه، كان مكانه عندي مكانَ أخٍ عزيز، لا تغيره الظروف والمواقف، لكن قدَّر الله وتُوفِّيَ هذا الصديق، والآن - ومنذ مدة طويلة جدًّا – أنا وحيدٌ، لا أكاد أخرج من المنزل؛ إذ ليس لدي أصدقاء، ولا أبناء عمومة سنُّهم قريبة من سنِّي، والذي زاد الأمر سوءًا أني أدرس في جامعة عن بُعْد؛ ما جعلني أمَلُّ البقاء في المنزل، والنوم والاستيقاظ في نفس المكان، لا شيء أفعله اللهم إلا لعب البلايستيشن، أشعر أنني في طريق مسدود، لا أعرف كيف أغيِّر حياتي؟ كيف أتغير للأفضل؟ كيف أصبح شخصًا أفضل على المستوى النفسي والاجتماعي؟ لقد تعبتُ من هذا الوضع؛ فأفيدوني، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتك هو:
1- في المرحلة المتوسطة كان لك عدد جيد من الأصدقاء، ولما تخرجت من المرحلة الثانوية قلَّ عدد أصدقائك، وتعزو ذلك إما بسبب ظروف الحياة أو بسبب مشاكل كشفت البعض منهم لك على حقيقتهم.
2- ثم لم يبقَ لك أصدقاء إلا صديقًا واحدًا، كان وفيًّا جدًّا تُوفِّيَ رحمه الله.
3- ثم تقول: مما زاد حالتك سوءًا أنك تدرس في الجامعة عن بُعْدٍ، فمللتَ من بقائك بالبيت دائمًا بدون أصدقاء، ولا حتى أقارب في عمرك.
4- وتقول: إنك تقضي وقتك بالبيت مع البلايستيشن.
5- وتقول: إنك تشعر أنك في طريق مسدود لا تستطيع تغيير حياتك.
6- ثم تقول: إنك مللت وتعبت نفسيًّا من وضعك، وتتمنى لو أن لك حياة اجتماعية.
7- ثم أخيرًا تسأل: كيف تستطيع التغير للأفضل؟ وكيف تصبح شخصًا أفضل نفسيًّا واجتماعيًّا؟
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: يبدو أنه قد تكون عندك مشكلة في الاحتفاظ بالأصدقاء، قد تكون في عدم تحمُّلك لأخطائهم، أو سوء تفسيرك لبعض تصرفاتهم، ومن ثَمَّ سوء الظن بهم وتضخيم مواقفهم، فلا بد أن تجتهد في التخلص من هذه السلبيات؛ فالناس بطبيعتهم لا يتحملون الشخص كثير النقد والمعاتبة، بل ينفرون منه جدًّا.
ثانيًا: ربط صداقتك بشخص واحد فقط هو الذي تحمَّلك وتحمَّلته ربما دلَّت على أن صبرك ضعيف على تحمُّل أخطاء الناس المعتادة، فلا بد من معالجة هذا الضعف بالمجاهدة والتغاضي عن بعض الأخطاء.
ثالثًا: الناس كلهم يخطؤون ويحتاجون لمن يُبصِّرهم بأخطائهم، بالنصح الحكيم الرفيق، والموعظة الحسنة، بدون تسفيه ولا تعيير.
رابعًا: ربطُك صداقتك بشخص واحد فقط ربما دلت على أنك صعب المراس، وصعب التعامل، وصعب التحمل، وتريد الناس أن يكونوا كلهم في مستوى هذا الشخص، وربما جعلتك تقارنه بغيره؛ فتحتقرهم وتنفر منهم؛ وتذكَّر الحديث الآتي عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم))؛ [أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن، وهو عند الترمذي]، وتذكر الحديث الآتي، وهو وإن كان ورد في العلاقة بين الزوجين، إلا أن معناه يشمل الصداقة أيضًا، وهو: عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: ((لاَ يَفْرَك مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَة إِنْ كَرِه مِنْهَا خُلُقًا، رَضِيَ مِنْهَا آخَر، أو قال: غَيرُه))؛ [رواه مسلم].
خامسًا: حاول أن تلتمسَ لك أصدقاءَ صالحين، يعينونك على الطاعة، وعلى اجتناب المعاصي، أما بقاؤك هكذا بدون صداقات ولا علاقات اجتماعية، فقد يضرك، ويسبِّب لك مشاكل نفسية؛ قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجِدَةَ
مَفْسَدةٌ للمرء أيُّ مَفسدة
سادسًا: اجتهد في ملء فراغك بما ينفعك؛ مثل: الإكثار من تلاوة القرآن، وطلب العلم النافع.
سابعًا: ومما تملأ به فراغك ممارسة رياضة تنفعك نفسيًّا وجسديًّا مثل رياضة المشي؛ لأن بقاءك هكذا في جلوس مستمر ربما ضرَّ بك ضررًا شديدًا صحيًّا ونفسيًّا.
ثامنًا: احرص على حضور المناسبات الأسرية ولا تنقطع عنها أبدًا، حتى لو لم تجد بها من يهتم بك؛ فهي أولًا صلة قربى واجبة، وهي أيضًا تساعدك ولو بعد حين في اكتساب علاقات اجتماعية، وهي أيضًا تدفع عنك مقالة السوء فيك؛ مثل: فلان منعزل، فلان ليس اجتماعيًّا، فلان مُعقد، فلان كذا وكذا...
تاسعًا: بقاؤك وقتًا طويلًا مع البلايستيشن أو حتى مع وسائل التواصل خطأ تربوي، ربما أدى بك للصمت وعدم القدرة على الكلام مع الناس، والرهبة من الحديث معهم؛ لأنك تتعامل مع آلات وليس مع البشر.
عاشرًا: عليك بالأسباب الشرعية المهمة جدًّا؛ وهي:
1- الصلاة بالمسجد؛ ففضلًا عن وجوبها، يكفي ما فيها من طمأنينة وسكينة؛ كما قال سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]، وأعظم الذكر هو الصلاة؛ ففيها خيران عظيمان؛ ديني ودنيوي؛ بكسب صداقات وعلاقات مع أهل الحي.
2- الدعاء.
3- الاستغفار.
4- الاسترجاع.
5- الصدقة.
6- مجاهدة نفسك على الخروج من المنزل والتعامل مع الناس.
حفِظك الله، وفرَّج كربتك، ورزقك أصدقاء صالحين.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.