أحدث روبوت الدردشة الذكي الصيني "ديب سيك" ضجة كبيرة في عالم الذكاء الاصطناعي، بعدما حقق انتشارا واسعا في وقت قياسي منذ إطلاقه قبل بضعة أشهر، ليتربع على صدارة التطبيقات الأكثر تحميلا على متجر "آب ستور" لأجهزة آيفون، متجاوزا منصات عالمية منافسة.
ويرى محللون أن هذا النجاح السريع يعود إلى عاملين رئيسيين: انخفاض التكلفة التشغيلية، وفعاليته العالية في استهلاك الطاقة، ما دفع مراقبين إلى التكهن بإمكانية منافسته الجدية لعملاقالذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" التابع لشركة "أوبن إيه آي" الأمريكية، بل وربما تفوقه عليه في المستقبل القريب.
"مسيّر لا مخيّر"
لكن تجربة أجرتها "يورونيوز" كشفت عن جانب آخر لهذا الروبوت، إذ ظهر أن لهذا "الذكاء" حدودا عندما يتعلق الأمر بالمواضيع الحساسة المرتبطة بالصين. فقد بدا جليا أن التطبيق يخضع لقيود صارمة يفرضها الخطاب السياسي، ويتجنب التطرق إلى أي محتوى قد يعتبر مضرّا بصورة بكين.
وفي اختبار بسيط، طلبنا من "ديب سيك" ترجمة مقال من الإنجليزية إلى العربية يتناول قرار السلطات الصينية منع نائبة بريطانية من دخول هونغ كونغ، في واقعة أثارت انتقادات واسعة في المملكة المتحدة.
ورغم أن الطلب اقتصر على ترجمة حرفية للنص دون أي تعديل، امتنع التطبيق عن الاجابة، مكتفيا بالقول: "عذرا، هذا خارج نطاقي. لنتحدث عن أمر آخر".
ولم تؤد محاولات التكرار إلى نتائج أو إجابات مختلفة.
المقال الذي امتنع "ديب سيك" عن ترجمته، كان يسلط الضوء على قرار بكين بمنع النائبة البريطانية عن حزب الديمقراطيين الأحرار، ويرا هوبهاوس، من دخول هونغ كونغ في رحلة كانت تهدف فيها لزيارة ابنها وحفيدها حديث الولادة. وقد وصفت النائبة القرار بأنه "قاس"، ولاقى الحادث تنديدا سياسيا واسعا في بريطانيا.
هذه التجربة، تعزز ما كشفه تحليل سابق أجرته وكالة "أسوشيتد برس"، أظهر أن "ديب سيك" يتبع نهجا متشددا في التعامل مع القضايا السياسية الشائكة، بخلاف "تشات جي بي تي" الذي يقدم مقاربات متعددة ورؤى تحليلية أوسع.
ففي الاختبارات التي أجرتها الوكالة، قدم "ديب سيك" إجابات تتطابق حرفيا مع الروايات الرسمية الصينية بشأن العلاقات الأمريكية الصينية، وأحداث ميدان تيانانمن، ومسألة تايوان.
وفيما وصف العلاقات مع واشنطن بأنها "من أهم العلاقات الثنائية عالميا" باستخدام عبارات مألوفة في الخطاب الرسمي مثل "الاحترام المتبادل"، تجاهل تماما الأبعاد الخلافية أو التوترات الراهنة.
في المقابل، تناول "تشات جي بي تي" العلاقات الصينية الأمريكية من زاوية أكثر توازنا، مشيرا إلى الأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية والأمنية، كما قدم شرحا تفصيليا لأحداث تيانانمن عام 1989، بما يشمل الخلفيات، الأعداد المحتملة للضحايا، والتأثير السياسي للواقعة.
تايوان في عيون ديب سيك وتشات جي بي تي
أما فيما يخص تايوان، فقد التزم "ديب سيك" بالسردية الرسمية لبكين، مؤكدا أن الجزيرة "تُعدّ منذ القدم جزءًا لا يتجزأ من الصين"، في حين عرض "تشات جي بي تي" وجهات النظر المختلفة، بما فيها مواقف تايبيه والمجتمع الدولي.
هذا وفيما يعد إخفاقا آخر للتطبيق، أظهرت دراسة حديثة أجرتها شركة "إنكريبت إيه آي" الأمريكية المتخصصة في أمن وامتثال الذكاء الاصطناعي، أن تطبيق "ديب سيك" يولد محتوى ضارا بمعدل 11 ضعفا مقارنة بنموذج "تشات جي بي تي".
وكشفت نتائج الدراسة، أن 83% من الاختبارات أظهرت مخرجات تتضمن تمييزا على أساس العرق والجنس والصحة والدين.
كما تبين أن "ديب سيك" تجاوز بروتوكولات السلامة في 45% من الحالات، مما أدى إلى إنتاج محتوى يتضمن أدلة على تخطيط إجرامي، معلومات عن الأسلحة غير المشروعة، ودعاية متطرفة.
وتسلط هذه الواقعة الضوء على المعضلات التي تواجهها تطبيقات الذكاء الاصطناعي في دول تخضع المعلومات فيها لرقابة حكومية مشددة. وهو ما يثير تساؤلات عميقة حول جدوى هذا "الذكاء" عندما يُقيَّد بضوابط سياسية صارمة، ويبقى السؤال: هل لا يزال منصفا أن نطلق عليه صفة "الذكاء"؟