♦ الملخص:
امرأة متزوجة، منتقبة، ليس لديها أطفال، تدرس في سلك الماستر، تخصص لغة عربية، وهذا التخصص غير مطلوب في سوق العمل إلا في التدريس، وفي بلدها يفرضون نزع النقاب لقيام المرأة بالتدريس، ومن ثَمَّ اتجهت للعمل عبر الإنترنت، في كتابة المقالات، لكن الأجر كان زهيدًا جدًّا، وهي تريد عملًا يتناسب مع التزامها بالنقاب، ولا يستغرق وقتها كله، ويكون العائد منه جيدًا؛ لتساعد أمها وزوجها، وتسأل: ما العمل الذي يناسبني؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم، أنا طالبة في سلك ماستر السنة الأخيرة، تخصص نحو، متزوجة منذ خمس سنوات برجل يكبرني بسبع عشرة سنة، ليس لدينا أطفال، حاولنا كثيرًا، لكنَّ الله لم يرزقنا بعدُ، مع العلم أننا لا نملك أيَّ مشكلة على الإطلاق، تربَّيتُ منذ صغري على ألَّا أتخذَ قرارًا وحدي، في الثانوية العامة كنت علمية التخصص، ودرست سنة ونصف في تخصص علمي بالجامعة، لكني هربت منه؛ لعدم تمكُّني من اللغة الأجنبية التي كانوا يدرِّسون لنا بها، وقد كنت في ذلك الوقت أبحث عن تخصُّصٍ سهل يسيرٍ، دون النظر إلى سوق العمل، ولأنني أحب قراءة الروايات والقصص، فقد توجَّهت مباشرة إلى تخصص اللغة العربية، بعد زواجي بمدة، علمت أن هذا التخصص ليس له أي مستقبل في بلادي، إلا مهنة التعليم، وبحكم أنني منتقبة، فلا يتم السماح لي بالعمل هنا إلا بنزع النقاب، وهو الأمر الذي أرفضه بشدة؛ لذلك ارتأيت العمل من المنزل عبر الإنترنت، وعمِلت لمدة ستة أشهر مع شركة ناشئة للخدمات، أكتب مقالاتٍ متنوعة، ولكنَّ الأجرَ فيها زهيدٌ جدًّا، حتى إني أخجل من التصريح به، مع ما يأخذ مني من وقتٍ وجهدٍ، لا يساوي الجهد المبذول في الكتابة، لا أدري ما هي مهاراتي، وماذا أريد، وقد سألت الناس حولي، فأجمعوا على أنني غير متميزة بمهارة ما؛ فأُصبتُ بالكآبة، لكن بعدها رجعت لنفسي وقلت: عليَّ فقط أن أشغَلَ وقتي بعمل من المنزل يكون دخله جيدًا، ويكون مناسبًا لظروفي؛ من حيث كوني امرأةً ملتزمة منتقبة، وألَّا يشغل هذا العمل يومي كله، وأن تكون إيراداته المالية جيدة؛ لأني أرغب في أن أُسْهِمَ شهريًّا بمبلغ ماليٍّ أعطيه لأمي، ولأن زوجي دخلُه متوسط، وهو يعطي من دخله لعائلته؛ حيث إن أباه أُصيب بالخَرَفِ، فأصبح هو من يعول أهله، كما أريد الإشارة إلى أن تخصصي هذا أدرسه من أجل الدراسة فقط، ولست مستمتعة به؛ فقد كنت أظنُّ أنه سيحرك فيَّ شيئًا، وسأكون متحمسة له، لكن ذلك لم يحدث، فأنا أنتظر بفارغ الصبر أن أُنهيَ دراستي وأبدأ أعمل؛ لأني حقًّا تعبت من الدراسة؛ فهلَّا تدلونني على عمل عبر الإنترنت يناسب ظروفي، وجزاكم الله خيرًا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فأعتذر أختي الكريمة عن دلالتكِ على عملٍ مناسب لكِ؛ ذلك أنه عليكِ القيام بنفسكِ بأمور كثيرة في حياتكِ، وأن النفس ترغب في سهولة الوصول إلى أهدافها، وهذا مغاير لطبيعة الحياة ونظامها، واعتذاري كذلك عن دلالتكِ على العمل المناسب؛ لأن الظروف والاحتياجات مختلفة من شخص إلى آخر، ومن بلد إلى آخر، ولكني سأدلُّكِ على ما يعينكِ على التفكير في شؤونكِ، بطريقة إيجابية تحسِّن من تعايُشِكِ مع الحياة بإذن الله.
أختي الكريمة: لا داعيَ لهذا التشتُّت والارتباك؛ فالطريقة الْمُثْلى لخوض غِمار الحياة هي الحفاظ على سَكِينة النفس، وطمأنينة الروح قبل أي شيء، وهذه تبدأ بمعرفة الإنسان ما له وما عليه في هذا الوجود، بدءًا من صلته بالله تبارك وتعالى، ثم حقوق نفسه عليه من القيام بما يجب عليه تجاه نفسه من رعاية نفسية وصحية، وغذائية واجتماعية، ثم حقوق الزوج والأبناء، والوالدين وبقية الأسرة، وهكذا.
وأود لفت انتباهكِ إلى مشكلة في التفكير متكررة لدى البعض؛ وهي التركيز على جزئية معينة وتفخيمها والتعظيم من شأنها، حتى يشعر الإنسان بشعور المعاناة والفقد رغم أنه بخير، وأن الذي فَقَدَهُ لا يُشكِّل هذا الحيِّز الكبير الذي يتصوره؛ فاحتياجات الإنسان تبدأ بعد القيام بحقِّ الله تعالى بحاجته إلى الغذاء والصحة، والمأوى والأمن، وهذه جُمِعت في هذا الحديث الشريف؛ يقول رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا))؛ [رواه الترمذي].
وأنتِ متزوجة ومستقرة وفي اكتفاء مادي، وترغبين بالتوسعة على نفسكِ وأسرتكِ، وتحقيق ذاتكِ كذلك، وهذا جميل، ولا شكَّ أن رحلة البحث عن الذات والدخل الجيد تحتاج إلى بذل السبب بعد التوكل على الله سبحانه، وها أنتِ تبذلين ما في وسعكِ عبر الدراسة، والبحث عن عمل.
ولا بد أن تعلمي أن الإنسان بعد بذل السبب وما في وسعه من جهد، عليه أن يرضى بما كتب الله له من نتائجَ؛ فالذي بيد الإنسان هو بذل السبب، أما النتيجة فهي فضل من الرزاق سبحانه.
وأوصيكِ بتحرِّي أوقات إجابة الدعاء، وسؤال الله تبارك وتعالى أن يهيئ لكِ الأسباب، وأن يسخِّرَ لكِ الظروف، وأن يعينكِ ويسددَّكِ.
ثم أوَدُّ منكِ أن تراجعي طريقة التفكير في جلسة هادئة، تكتبين فيها موضعكِ بالتحديد في هذه الحياة، وما الذي تستطيعين من أسباب، واحذري من شعور العجز، واتهام النفس بالكسل؛ فإنه في مثل حالتكِ لا أعتقد وجود الكسل، بدليل هذا الحماس في الوصول إلى أهدافكِ، ولكن عليكِ تأمُّل أدواتكِ المهنية واكتشاف ما يناسبكِ؛ فقد تكون السُّبُلُ المتاحة من حولكِ لا تناسب ميولكِ وتوجُّهكِ، حتى لو سلكها الذين مِن حولكِ؛ فالله سبحانه قد وزَّع المواهب ونوَّعها.
أختي الكريمة: لا تطرحي استفساركِ بشأن مهاراتكِ إلا على مختصٍّ يعي دوره تجاهكِ، وابتعدي عن استشارة كل من لاقيتِ، فالكثير يجيد الحديث دون وعي لمآلاته، لا سيما أن هناك اختباراتٍ لتحديد الشخصية، ويوجد مختصون لتحديد الميول المهني، وتوجد طرائق للتفكير عديدة تعينكِ على توسعة الآفاق، والخروج عن الطرق التقليدية في البحث عن الوظائف، وفي الأعمال المهنية كذلك.
ولنفرض أنه بالفعل لا توجد لديكِ مهارات تؤهلكِ لسوق العمل، ما الحل إذًا؟ هل نختصر الحل في الانزعاج والانكفاء على الذات، والدخول في موجات من الضيق والحزن، وربما الاكتئاب، أم أن المفترض هو الوثوب على الفور لصَقْلِ مهارة جديدة، ولو تطلَّب الأمر وقتًا طويلًا؟!
ولذلك أوصيكِ بأخذ الأمر بجدية والبحث عما تميل إليه ذاتكِ، ويتوافق بالفعل مع قدراتكِ، والبحث عن مكامن قوتكِ، وإبرازها، والعمل على تنميتها بالفعل الجادِّ، وليس بمجرد التمني.
وبالإمكان التعلُّم وصقل المواهب عبر برامج تُقام عن بُعْدٍ وعبر وسائل التواصل.
أسأل الله للجميع التوفيق والسعادة، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.