الإجابة:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فان اسم العظمه والجلال الله أعظم أسماء الله تعالى، وأرفعها منزلة، وأصلها الذي ترجع جميع الاسماء إليه؛ قال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]، فاسم الجلال الله والرحمن هما أصل بقيه الأسماء؛ ولهذا وجاءت الشريعة الكاملة في العبادة باسم الجلال الله، فيقول المصلي والذاكر الله اكبر وسبحان الله والحمد لله ولا اله الّا الله، وكلمات الاذان الله أكبر الله أكبر، ونحو هذا.
قال شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله - في أثناء كلامه على اسم الله عز وجل الله والرحمن- كما في "جامع المسائل"(4/ 414): "قد عُلِمَ أن هذان اسمانِ من أسماء الله، ليسا اسمين لشيء من صفاته كالعزة والقدرة والحكمة، ولا اسمين لشيء سواه، وأسماء الله تعالى كلُّها متفقة في دلالتها على نفسه المقدسة، ولكل اسمٍ خاصَّةٌ ينفرد بها عن الاسم الآخر، فللرحمن الرحمة، وللحكيم الحكمة، وللقدير القدرة، وهكذا أسماء الرسول وأسماء القرآن، ليست هذه الأسماء مترادفة، ولا هي أيضًا متباينةٌ من كل وجه، بل هي باعتبار الذات مترادفة، وباعتبار الصفات غير مترادفة بل كالمتباينة، ولهذا يُسمى هذا النوع المتكافئة، كلُّ اسمٍ فإنه يدلُّ على ذاتِ الله وعلى خصوصِ وصفهِ بالمطابقة، ويدلُّ على أحدهما بالتضمن، ويدلُّ على الصفة التي للاسم الآخر بالالتزام، فإنه يدلُّ على الذات المستلزمة للصفة الأخرى، فبين كل اسمينِ اجتماعٌ وامتيازٌ، إلاّ اسم (الله)". اهـ.
وأيضًا فإن اسم الجلال الله متضمن لجميع المحامد، ويستلزم جميع صفات الكمال؛ "فإثباتُ المحامد المتضمنة لصفات الكمال تستلزم نَفيَ النقص، وإثباتُ وحدانيته وأنه ليس له كفوٌ، وذلك يَقتضِي أنه لا مثلَ له في شيء من صفات الكمال، فهو منزَّهٌ عن النقائص ومنزَّهٌ أن يماثلَه شي في صفات الكمال، كما دل على هذين الأصلين قولُه تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص: 1 - 4].
كما أن اسم الجلال "الله" تضمن الإلهيةَ المستلزمةَ لجميع المحامد؛ فإذا قيل: "لا إله إلا الله" تضمنت هذه الكلمة إثباتَ جميع المحامد، وأنه ليس له فيها نظير، إذ هو إلهٌ لا إله إلا هو، والشرك كلُّه إثباتُ نظيرٍ لله عز وجلِّ، وأعظم آية في القرآن آية الكرسي، أولها: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، فقوله " اللَّهُ ": هو اسمه المتضمن لجميع المحامد وصفات الكمال، وقوله: "لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ" نفي للنُّظراء والأمثال.
وكذلك أول الكلمات العشر التي في التوراة: "يا إسرائيل! أنا الله لا إله إلا أنا"، جمع بين الإثبات ونَفْي الشريك، فالإثبات لردّ التعطيل، والتوحيد لنفي الشرك"، قاله شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "جامع المسائل"(3/ 287-289).
أما معنى اسم الجلال الله: فهو الإله المعبود المستحق للعبادة وحده دون ما سواه، وهو االذي تألهه القلوب تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبة وتعظيما وخوفا ورجاء وإجلالا وإكرام؛ وهو المعبود الذي تألهه القلوب وترغب إليه، وتفزع إليه عند الشدائد، وما سواه فهو مفتقر مقهور بالعبودية فكيف يصلح أن يكون إلهًا.
جاء في "منهاج السنة النبوية" (3/ 335): "... ولهذا قال الله في فاتحة الكتاب: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، وقدم اسم الله على اسم الرب في أولها؛ حيث قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة: 2]، فالمعبود هو المقصود المطلوب المحبوب لذاته، وهو الغاية والمعين، وهو البارئ المبدع الخالق، ومنه ابتداء كل شيء، والغايات تحصل بالبدايات، والبدايات بطلب الغايات، فالإلهية هي الغاية، وبها تتعلق حكمته، وهو الذي يستحق لذاته أن يعبد ويحب ويحمد ويمجد، وهو سبحانه يحمد نفسه، ويثني على نفسه، ويمجد نفسه، ولا أحد أحق بذلك منه حامدا ومحمودا". اهـ.
أما ادعاء الكفار أن الله سبحانه وتعالى هو إله القمر الذي عُبد في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام - تعالى الله عما يقول الظالمون علوا عظيماً – وهو دعو النصارى الإنجيليين الأمريكان، وقد تم نشرها على نطاق واسع في الولايات المتحدة في التسعينيات، من خلال نشر كتيب روبرت موري بعنوان "إله القمر"-: فكل هذا محض خرص ودعاوى باطلة متهاوية، وافتراءات لا تقوم على دليل، ويظنون لفرط جهلهم وشدة حقدهم أن تلك الخرافة تشكك المسلم في إيمانه، وهيهات هيهات!
وفهم كما وصفهم الله سبحانه: في {قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ • يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات:8ـ9]، والذكي والعاقل منهم يعلم أنه ليس هو فيما يقوله على بصيرة، ويعلم وأن حجته ليست ببينة وإنما هي كما قيل:
حجج تهافت كالزجاج تخالها ... حقا وكل كاسر مكسور
وكيف يليق بمثل هؤلاء أن يبطلوا ما استقر في الفطر والعقول، ويشغبوا على الذين هم أعظم الناس علما ويقينا وطمأنينة وسكينة، وهم بالحق يوقنون، ولا يشكون ولا يمترون، وما أوتيه علماؤهم وخواصهم من اليقين والمعرفة والهدى، فأمر يجل عن الوصف.
فهل يستوى من هذا حاله مع من جزم بغير دليل، وصمم بغير حجة، وإنما هو الهوى، والدفع بشبه لا تنطلي على صبيان الكتاتيب؛ والطعن في عقائدهم وثوابتهم، وهيهات هيهات، قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].
والحاصل أن دلالة العقول الصريحة، والفطر السليمة، واعتراف أهل الأرض مؤمنهم وكافرهم على أن اسم الجلالة الله ليس اسمًا لمعبود غير الإله الحق، حتى عباد الأصنام كانوا يقرون بذلك ومنهم عباد القمر، وإنما كان كفرهم لاتخاذهم شفعاء وشركهم في توحيد الإلهية حتى قالوا: { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]، مع اعترافهم بأن الله وحده هو الخالق لهم وللسموات والأرض وما بينهما، وأنه المنفرد بملك ذلك كله، والله سبحانه تعالى إنما أرسل الرسل لتذكرهم بما استقر فى فطرهم من الإقرار به من توحيده، وأنه الله الوحد لا شريك له، والاسم الدال على هذا المعنى هو اسم الله جل جلاله.
هذا؛ والمطالع لما دون في كتب العقائد القديمة أيقن بكذب تلك المقولة؛ جاء في كتاب "تاريخ الفكر الديني الجاهلي (ص: 265-566): "والإله القمر" هو الإله "المقه" عند السبئيين، وهو إله سبأ الكبير، وهو: "عم" عند القتبانيين، وهو: "ود" عند المعنيينن، وهو: "سين" عند الحضارمة، واتخذ "الثور" من الحيوانات رمزًا للقمر، ولذلك عد "الثور" من الحيوانات المقدسة التي ترمز إلى الآلهة.
ونجد: هذه الصورة مرسومة في النصوص اللحيانية، والثمودية، وعند غير العرب من الشعوب السامية؛ وقد نص على اسمه في الكتابات؛ إذ قيل: له "ثور". وقد ذكر الألوسي: أن عبدة القمر اتخذوا له صنما على شكل عجل وبيد الصنم جوهريعبدونه ويسجدون له، ويصومون له أياما معلومة في كل شهر؛ ثم يأتون إليه بالطعام والشراب، والفرح والسرور، فإذا فرغوا من الأكل أخذوا في الرقص، والغناء، وأصوات المعازف بين يديه؛ ولم يشر إلى اسم الجاهليين الذين فعلوا ذلك فعلَّه قصد عبدة القمر بصورة عامة من العرب وغيرهم". اهـ.
وقال أيضًا (ص: 420): "وذهب بعض المستشرقين إلى أن "هبل" هو رمز إلى الإله "القمر" وهو إله الكعبة، وهو الله عند الجاهليين وكان من شدة تعظيم قريش له أنهم وضعوه في جوف الكعبة، وأنه كان الصنم الأكبر في البيت، وقد ورد اسم "هبل" في الكتابات النبطية التي عثر عليها في الحجر، ورد مع اسم الصنمين: دوشرا: ذي الشرى. منوتو: مناة.
وقد تسمى به أشخاص وبطون من قبيلة كلٍّ؛ مما يدل على أن هذه القبيلة كانت تتعبد له، وأنه كان من معبودات العرب الشماليين، وباسم هذا الصنم سمي: "هبل بن عبد الله بن كنانة الكلبي". اهـ.
اما احتجاجهم بقوله عز وجل: {يس وَالْقُرْآنِ الْحكِيمِ} [يس: 1- 2]، فالصحيح أن يس بمنزلة حم والم، وليست أسماء من أسماء النبي؛ {حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الزخرف: 1، 2] وقوله { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ } [ص: 1]، {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] ونظائرها.
وقد ذكر الإمام الطبري في تفسير (20/ 488) في قوله (يس) ثلاثة أقوال: إنه قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله.
وقال آخرون: معناه: يا رجل، وروى عن ابن عباس، في قوله (يس) قال: يا إنسان بالحبشية.
وقال آخرون: هو مفتاح كلام افتتح الله به كلامه، ورواه عن مجاهد قال (يس) مفتاح كلام افتتح الله به كلامه.
وقال آخرون: بل هو اسم من أسماء القرآن، رواه عن قتادة، قال: كل هجاء في القرآن اسم من أسماء القرآن.
قال أبو جعفر، وقد بيَّنا القول فيما مضى في نظائر ذلك من حروف الهجاء بما أغنى عن إعادته وتكريره في هذا الموضع".
هذا؛ والله أعلم.