بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ:
١- هو تعاملكِ مع رجلٍ دجَّال مشعوِذ، وساحر وكاهن.
٢- وتصديقكِ له، ومن ثم تزويده بصور لأجزاء من جسمكِ، مع معلومات عنكِ وعن أسرتكِ.
٣- ثم تهديده لكم بالمصائب والمس وتعطيل حياتكم، إن لم تستمروا معه.
٤- ونتج عن ذلك كله خوف شديد لديكِ من أن يُصيبكِ بضرر، أو يزود أخاكِ بصور جسمكِ.
وأخيرًا تقولين: ردُّوا عليَّ في أقرب فرصة؛ لأنكِ تعيشين في حالكِ لا يعلمها إلا الله سبحانه.
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: لا شكَّ أنكِ أخطأتِ خطأً عظيمًا بتعاملكِ مع هذا الدَّجَّال، فهؤلاء لا خير فيهم أبدًا، ولا عافية تُرجى من ورائهم، بل ليس عندهم إلا زرعُ الأوهام والخوف، وابتزاز أموال الناس، والجن لا يتعاملون معهم إلا بعد أن يكفروا بالله سبحانه، فأكثري من التوبة والاستغفار من هذه الذنوب، وتأملي الأحاديث الآتية لتعلمي عِظَمَ معصيتكِ، ثم تتوبي ومن تابَ، تابَ الله عليه، ولِتحذري مستقبلًا من التعامل معهم؛ والأحاديث النبوية هي:
روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء، فصدقه، لم تُقبَل له صلاة أربعين يومًا)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه أبو داود].
وللأربعة والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما؛ عن أبي هريرة: ((من أتى عرَّافًا أو كاهنًا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))، ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله موقوفًا.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعًا: ((ليس منا من تطيَّر أو تُطيِّر له، أو تكهَّن أو تُكهِّن له، أو سحَر أو سُحِر له، ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه البزار بإسناد جيد، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن، من حديث ابن عباس دون قوله: ومن أتى... إلى آخره].
ثانيًا: واضح جدًّا أنه كاهن وساحر، وذلك من طلباته الغريبة (صور لأجزاء من جسمكِ ومعلومات عنكِ وعن عائلتكِ...).
ولكن مع ذلك كله، اطمئني فلن يستطيع إصابتكِ بأي ضرر ما دمتِ محافظةً على واجباتكِ الشرعية، خاصة الصلاة في أوقاتها، وأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وصدق التوكل على الله سبحانه، والثقة به عز وجل؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
ثالثًا: اطمئني؛ فكل الأمور بيد الله سبحانه، وبقضائه وقدره لا بيد البشر؛ قال سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].
وقال تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].
رابعًا: الدعاء سلاح رباني عظيم جدًّا، لا يستطيع أحدٌ مقاومته، وخاصة دعاء المظلوم، فهو مستجاب، فادعي الله كثيرًا بصرف أذاه عنكم، وكذلك أذى غيره من شياطين الجن والإنس؛ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
لكن لكي يكون الدعاء أكثر فائدة، فلا بد من الآتي:
الصدق.
اليقين.
قوة الثقة بالله سبحانه.
إطابة المطعم.
صدق التوكل عليه سبحانه.
خامسًا: ومما يُسليكِ ويطمئن قلبكِ أكثر التأمُّلُ كثيرًا في الحديث الآتي عن أبي العباس عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: ((كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعنْ بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ، لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيحٌ].
وفي رواية غير الترمذي [رواية الإمام أحمد]: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرَّفْ إلى الله في الرخاء يعرفكِ فـي الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يُسرًا)).
سادسًا: اعلمي - حفظكِ الله من كل سوء - أن الله سبحانه هو وحده الشافي والكافي لعباده من الشرور؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107].
ولذا؛ فمستقبلًا لا تلجئي لغير الله عز وجل في تفريج كربكِ، مع جواز بذل بعض الأسباب الجائزة شرعًا، وعدم الاعتماد عليها.
سابعًا: أؤكد مرة أخرى على المحافظة على أذكار الصباح والمساء؛ فهي حصن حصين مانع من شرِّ الأشرار، وكيد الفجار.
ثامنًا: والخلاصة هي أن تقوِّي ثقتكِ بالله سبحانه، ويقينكِ بأنه لن يصيبكِ شيء لم يقدِّرْه الله عز وجل، وقوِّي إيمانكِ بالإكثار من العبادات؛ من صلاة، وتلاوة للقرآن، وصدقة وصيام، وذكر لله سبحانه، وبهذا سوف تطمئنين وتسعدين، وتُصرف عنكِ شرور الأشرار.
حفظكِ الله، وصرف عنكِ شرَّ كل من به شرٌّ، ورزقكِ قوة الإيمان والتوكل على الله عز وجل، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.