♦ الملخص:
طالب في كلية الطب، كان من المتفوقين في السنتين الأوليين، ثم فقد شغفه، وتلاشت همته في تحصيل الطب، فجعل يرسُب سنة بعد سنة، ثم إنه عنَّ له أن يحفظ القرآن، ويدرس العلم الشرعي؛ طلبًا للاستقامة، لكن بقي له أهم سنتين في تخصص الطب، وهو يسأل: هل يستمر في الطب أم يغير تخصصه إلى تخصص شرعي؟
♦ التفاصيل:
أنا طالب في السنة الرابعة في كلية الطب البشري، في السنتين الأوليين كنت من الخمسة الأوائل، ثم أُصبتُ بالاكتئاب وتعثرت وتوالت سقطاتي، وتلاشى شغفي، وفترت همَّتي، ولم أعُد أستطيع إنجاز أيسر الأشياء في التخصص، وأصبحت أصارع على النجاح في كل مادة، رسبت سنةً بعد أخرى، حتى كرهت التخصص وحالتي النفسية ازدادت سوءًا، دفعتي تخرجت، وأنا ما زلت متعثرًا، والحمد لله أن مكنني من النجاح هذه السنة، وقد زرت الأطباء، وتحسنت حالتي نسبيًّا، والحمد لله منَّ الله عليَّ بالاستقامة وأنجاني من نفسي وسوئها، الآن نفسي تَتُوقُ إلى حفظ كتاب الله، وطلب العلم الشرعي؛ ابتغاء رضا الله، والقرب منه سبحانه، وأصبح ذلك الأمر أحبَّ إليَّ من أي شيء، لكن ما زال أمامي سنتان كي أتخرج وأصبح طبيبًا كما يرجو أبي، وهاتان السنتان هما أهم وأصعب سنتين في التخصص، وحصيلتي العلمية الآن قليلة جدًّا، فهل أترك الطب وأتحوَّل إلى تخصص شرعي؛ طلبًا لمرضاة ربي، واطمئنانًا لنفسي، وتحقيقًا لمرادها، ولأستفيد في الدارين، أم أستمر في الطب مجاهدًا؛ لعل في الأمر خيرًا؟ أرشدوني، وجزاكم الله خيرًا.
مناقشة المشكلة واقتراح الحل:
1- احمَدِ الله تعالى أنْ مَنَّ الله عليك بالهداية والاستقامة على طاعة الله، واسأله الثبات على ذلك.
2- كرِّرِ الحمد والشكر بأن عافاك الله وشفاك مما أصابك من اكتئاب وسوء حال، وهمٍّ وغمٍّ.
3- أخي الكريم، أنت تتمتع بذكاء عالٍ، وتحصيل علمي مميز، والدليل على ذلك - كما ذكرت – أنك كنت من الخمسة الأوائل على دفعتك.
4- الحالة النفسية التي مرت بك حالة عارضة قدَّرها الله عليك، وليست معيارًا على عدم قدرتك على الإنجاز والمواصلة والتفوق، بل بالعكس يُفترَض أن تكون دافعًا لك على العودة بقوة لسابق عهدك بحلاوة التفوق والإنجاز.
5- لتعلَمْ علم اليقين أن الاستقامة، وطلب العلم الشرعي، وطلب حفظ القرآن، لا تتعارض مع إكمال دراستك الجامعية في تخصصك (الطب)، بل هي حافز قوي، للتركيز والجد والاجتهاد، فقط المطلوب الترتيب والجدولة المنطقية للجمع بين حفظ شيء من القرآن، وطلب العلم الضروري للعبادة المفروضة، وجعل أكثر الوقت للتحصيل الدراسي الجامعي بغية التفوق، وما هي إلا مدة محددة وتنتهي، وتفرح بتخرجك، ومزاولة مهنتك التي قررت تحقيقها أنت ووالدك.
6- أخي الكريم، لقد قطعت شوطًا كبيرًا في مجال تخصصك، ولم يبقَ إلا القليل، فلا تفرِّط في ذلك، بل استَعِنْ بالله، وأكمل دراستك، وأكْثِرْ من الدعاء بالتوفيق والسداد.
7- راجع نفسك في الحدث الذي أصابك، وجعلك تتراجع عن المستوى العالي الذي كنت تتمتع به؛ لربما يكون بسبب معاصٍ أفرطت فيها، أو فرائضَ أهملتها أو تركتها، أو أصدقاء محبطين انهزاميين غير منتجين، انخرطت في شِباكهم، ما الذي حدث بالضبط؟
أو مصيبة اعترتك وغيَّرت مجرى حياتك؛ لذا عُد لسالف عهدك، وجِدِّ، ونشاطك، ومثابرتك، وسوف تحقق النجاحات.
8- قلت: إن السنتين الأخيرتين من أصعب المراحل في التخصص، أبدًا هذا الشعور لا يَرِد على أهل العزائم والهمم العالية، ليس هناك شيء يصعب إذا توفرت العزيمة، والإصرار، ومواجهة التحدي، والمثابرة والتركيز، وعدم الانهزامية، والتوكل على الله، والتخطيط السليم للمذكرة، وطلب المساندة والمساعدة، والتلخيص الجيد، وتوفر الإمكانيات المادية والنفسية والاجتماعية.
9- تخصصك هذا لا يتعارض أبدًا مع أمنياتك لطلب العلم الشرعي، بل يمكنك الجمع بينهما بكل سهولة، وفي النهاية ستفوز بأمرين؛ طبيب ولديه مع مهارات الطب الحصيلة الشرعية الجيدة، فهو خير على خير.
10- أخيرًا: نسأل الله أن يوفِّقك لِما تحب وتهوى، وأن ييسر لك الخير والفلاح أينما حللت، ويثبتنا وإياك على الحق المبين.
ووصيتي لك وصية النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقِ الله حيثما كنت)).