♦ الملخص:
فتاة نشأت في بيئة صاخبة، يتنمر عليها أهلها لأنها سمينة، تشعر بالغربة وسط أهلها، وأنها على غير طبيعتها، أصبحت تلبس ما لا يريحها، وتأكل بحساب، وقد حسدتها إحدى قريباتها حسدًا قلب حياتها رأسًا على عقب؛ فتراجعت في تفوقها ونشاطها وتفاؤلها بالحياة، وهي تريد حلًّا ومخرجًا لحياتها تلك، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
أنا فتاة في الثانية والعشرين من عمري، نشأت في بيت يمتلئ صراخًا وعجعجة، وكان أثر تلك البيئة فيَّ أن كرهت علوَّ الصوت، أهلي يسخرون مني منذ صغري؛ لأني سمينة، إذا ما طلبت طعامًا، يقابلون ذلك بالسخرية؛ فأطلب من مالي الخاص، وفي يوم العيد لبست فستانًا مثل بنت خالتي، فما لقيت منهم غير السخرية؛ ومن ثَمَّ فقدت ثقتي بنفسي؛ إذ أصبحت أعيش في غربة وسط أهلي، لا أشعر أنهم أهلي، ولا أنني أنا، لا أصدق مشاعرهم، أشعر أن كل شيء فقط لأجل المصالح، أيضًا لم أعُدْ ألبس من الألوان إلا الغامق، وألبس مقاسات كبيرة؛ فلا أرتاح أبدًا، هذا الجزء الأول من المشكلة.
أم الجزء الثاني، فقد كنت فتاة نشيطة، متفائلة، أحب مساعدة الجميع، لا أخاصم أحدًا، متميزة في دراستي، حتى تعبت - في إحدى مراحل دراستي - نفسيًّا وجسديًّا، تعبًا شديدًا، ذهبت للطبيب، كل الفحوصات كانت سليمة، قال الطبيب: إنها عين، وذهبت إلى عدد من الراقين، وأجمعوا على أنها عين حاسدة، وهي امرأة من أقاربي، لا تذكر الله إذا مدحتني، رقيتُ نفسي، وادَّهنتُ بزيت الزيتون، وشربت ماءَ زمزم مقروءًا عليه، لكن محاولاتي لإصلاح نفسي باءت بالفشل، أُصبتُ بنوبات هلع في الجامعة؛ أوقفتني عن الأكل أيام الجامعة، فقط آكل يوم إجازتي، فبمَ تنصحونني غير أنني لا أستطيع الذهاب لعيادة نفسية؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد ابنتي الغالية:
فقد آلمني حالكِ كثيرًا؛ فأنتِ ضحية خلفيات فكرية عقيمة، يقيمون مظهرًا لا يدَ للإنسان فيه، ويتركون القلب خاويًا، ثم يتحولون إلى المشاعر بسهامهم فيخترقونها وهي أرقُّ من الهواء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، دعيني أولًا أتحدث مع الكبار:
أخواتي الأمهات والآباء وباقي الأرحام، تذكروا أنكم لستم في جمال يوسف ولا شيء من هذا، إنْ هو إلا سترُ الله غمركم ونجاكم من تنمر العين واللسان ممن حولكم، لا تكسِروا خاطر الشباب لا سيما المراهق منهم؛ فهو في مرحلة نمو، لا تضع سُمًّا في دمه، ينمو به ومعه، ويصعب تنقيته، تعامل معه كما أمرك ربك، لا تنظر لوجهه ولا لجسده، بل لقلبه وسلوكه، وانصياعه لأوامر الله ورسوله، لم يوكلك ربك بتقييم البشر، كذلك جامِلِ الصغير؛ فأنت تضع لَبِنات ثقته بنفسه، لماذا تجعله يعيش مجاملًا مهزومًا، يلازمه الشعور بالنقص بسبب لون بشرته أو زيادة وزنه أو طوله؟ ستُحاسبون، التنمر على مثل هؤلاء من سوء الخلق، ولا أبغض لله ورسوله من سيئ الخلق.
كذلك – لله – ابتعدوا عن الكُنى المهينة، التي تقولونها بمزاح ممجوج يحرِق الشخص، ولا يملك إلا أن يبتسم، دعكم من (يالدبة – يالبطة – يالسودة – يالشيكولاتة ...)، هذا مرفوض تمامًا، له اسم أو لها اسم قدَّره الله سبحانه، شكرًا لخفة دمك، لا تناديه إلا باسمه أو بما يسر خاطره، مهما كنت قريبًا منه، لا تُهِنْهُ لا جادًّا ولا مازحًا.
أما الأبوان، فعليكما وضع حدٍّ مع العم والخال والخالة سرًّا أو جهرًا بعدم إهانة ابنك، لا تصريحًا ولا تلميحًا، فكم من فتاة تحطمت حياتها بسبب هذه الترسبات من الطفولة، تعيش مهزومة، لا تتوقع أن ينظر إليها أحد، أو يحبها أحد، تعيش خادمة لأصحابها ليقبلوها، مع أنهم يقبلونها أكثر منكم، لكن الشعور بالقلة سارٍ في دمائها من كلماتكم الممجوجة الساخرة!
أما أنتِ يا بُنيتي:
فلا تضخِّمي الموضوع أكثر من اللازم، فعلاجات السِّمنة كل يوم في تطور، ومشكلتكِ ليست السمنة بل الحساسية المفرطة، ما يمكن قبوله، فاقبليه وامزحي معهم، وما يؤذيكِ فلا تسكتي عنه أبدًا، ارفضيه بأدب وبلباقة، ومن يمزح معكِ معقبًا على جسمكِ، نبِّهيه أن ذلك مرفوض، أو رُدِّي عليه بأبرز عيوبه وأنتِ تبتسمين مثله، أوجعيه كما أوجعكِ ليكُفَّ.
وإن تعذَّر ذلك؛ لكونه عمًّا أو خالة، فوكِّلي والديكِ بالردع فورًا وبإلحاح، هما أولياؤكِ وسيُحاسبون عنكِ.
أما عامة الناس، فلا تهتمي لأمرهم، فشغلتُهم الكلام، لو كنتِ ملكة جمال العالم لَما تركوكِ من حسد أو من طعن في شرف، لا تعيشي في دائرة المهزومة، بل والله الرشيقة الجميلة تعاني أكثر منكِ؛ حسدًا وافتراء؛ لذلك لا تُسقِطي الجدار في التعامل مع أحد حتى لا ينالكِ أذاه، لا أقول لكِ اعتزلي، لا، كوني اجتماعية، واستمتعي بحياتكِ، واستمري في نشاطكِ وتفوقكِ الدراسي، ولا لا تسمحي لأحد بإيذائكِ.
ولكي نخرج من هذه الدائرة، فعليكِ أولًا حفظ كثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالحديث يقوي الحجة، ويبث الثقة في النفس، ويبني لكِ هيبة في النفوس، شاؤوا أم أبَوا.
ثانيًا: لا تتحملي نفقات نفسكِ، سواء في طعام أو ملبس أو أي شيء، إذا كان لكِ دخل فجمِّعي مالًا وعالجي السمنة، وهناك كثير من الجراحات الناجحة، أو غير ذلك، كما يقرر لكِ الطبيب.
أما عن حالات الرهاب، فسوف تختفي بإذن الله؛ لأنها ناتجة عن التوتر الدائم الذي تعيشين فيه، بل إن زيادة الوزن قد يكون سببها التوتر؛ لأنه يرفع الكورتيزون فيزيد الوزن؛ كما أقر ذلك التغذويون.
وفي العموم لا بد من خطوات عملية للإسراع في التخلص منه:
أولًا:
• حللي غدة وفيتامينات، ثم خذي المكملات الغذائية المناسبة، سيُحسِّن ذلك من مزاجكِ، ويمنع الرهاب.
• أكْثِرِي من المشروبات التي تهدئ الأعصاب؛ مثل: البابونج، واللافندر، اسألي والديكِ إذا كان الرهاب وراثيًّا في أحد الأجداد أم لا، وأبلغي الطبيب الذي ستذهبين إليه.
عفا الله عنكِ وطمأن فؤادكِ، تعلمي التجاهل، والرضا بنفسكِ؛ فأنتِ جميلة؛ لأن الله صانعكِ وحاشاه أن يجعلكِ عبرة لأحد، كل الموضوع أنكِ سقطت بين جماعة محدودة النظر، وهي مرحلة وستمر، وغدًا تتذكرين نفسكِ وتبتسمين وتقولين: كيف كنت أفكر بهذه الطريقة؟
• نصل للنقطة الأولى التي بدأتِ بها مشكلتكِ؛ وهي الأهون (بيتكم دائمًا في صراع وخلاف وصوت عالٍ)، هذا أمره سهل، خذي منهم الطيب، وانبِذي شرهم، لا تكوني طرفًا في صراعهم، وأنتِ ذكية، وأنا واثقة أن الجميع يحبكِ، ولا يطيقون البيت دونكِ، فعند صياحهم ادخلي غرفتكِ، التزمي برنامج حفظ أو دراسة أو تعلم شيء جديد يبعدكِ عنهم، وكلما ضاقت نفسكِ، فخُذِي أخاكِ، واذهبي للعمرة، الخلوة بالله ستجدد نفسكِ وتسعدكِ، وتجعل الدنيا والناس في حجمهم الطبيعي من الدنيا، فسوف ينشرح صدركِ، وتكملين رحلة حياتكِ، وقريبًا بإذن الله تتزوجين وتبدئين حياة طيبة، تنتفعين فيها من كل هذه التجارب.