♦ الملخص:
أمٌّ تشكو حال ابنها المراهق، الذي أدمن - في وقت أزمة كورونا - ألعاب القتل الإلكترونية، وأفلام الرعب، واستحوذت على وقته كله، وأصبح منعزلًا عن أسرته، مكتئبًا، غير مبالٍ بدراسته، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
أنا أمٌّ لي من الأبناء اثنان، الأكبر منهما تزوج منذ خمس سنوات، ابني الأصغر في الرابعة عشرة من عمره، منذ أزمة فيروس كورونا، منذ ثلاث سنوات، أصبح يجلس طويلًا أمام الكمبيوتر؛ حيث يستغرق ذلك 90% من وقته، فأدمن الألعاب الإلكترونية، والأنيميشن، التي محتواها كله قتلٌ ورعبٌ وحربٌ، وقد حاولت مرارًا أن أبعده عنها لكن كل محاولاتي ذهبت أدراج الرياح، لم يعُد يستمع إليَّ، ولا يكلمني إلا إذا أراد شراءَ شيء متعلقٍ بالكمبيوتر، أصبح منغلقًا على نفسه، لا يحضر أي اجتماعات أسرية، مكتئبًا، متشائمًا، محتقرًا كل شيء يأتي مني، غير مبالٍ بما يوجهه لي أو لوالده من ألفاظ معيبة، لا يهتم بشيء في حياته إلا بهذه الألعاب وأفلام الرعب، وفيديوهات اليوتيوبرز، لا يصلي إلا بشق الأنفس، لا يسمع لأحدٍ إلا ويثور ويكسِر، لا يذاكر؛ فحصل على "ريتيك" في أكثر مادة، لا أشترك له في كورس أو درس أو نشاط إلا تذمَّر وغضِب، حاولت أن آخذه إلى طبيب نفسي تربوي، فرفض بشدة، ابني يضيع مني، كيف أمنع عنه الكمبيوتر؟ وكيف أجعله مهتمًّا بدراسته؟ أشعر بالمسؤولية؛ لأنني تركته حتى وصل إلى هذا الحدِّ، بمَ تنصحونني؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فكم هو عظيمٌ ما تقوم به الأم تجاه أبنائها! وكم ينتظرها من ثواب الدنيا والآخرة على ما تبذله من جهود ممزوجة بمشاعر الود والحب والخوف على الأبناء! وكل هذا السعي هو رجاء لسلامة أحوالهم، وصلاح أمورهم واستقامتها.
ومن كانت هذه نيته وتلك غايته، فليجعل مقصده رضا الله سبحانه أولًا، وليتعبَّد بدعائه وسؤاله العونَ والسداد؛ فإن الاستعانة بالله سبحانه، والتوكل عليه، فيها من الراحة النفسية والطمأنينة، وتخفيف الأوجاع الشيءُ العظيم، وبيده تعالى التوفيق والتيسير، فلنطلبه منه؛ لأنه لا مانعَ لِما أعطى، ولا مُعطِيَ لِما منع جَلَّ وعَلا.
ثم لنركِّز على ما آتانا سبحانه من أسباب متاحة بين أيدينا، سنُحاسَب على تقصيرنا في الاستفادة منها.
واسمحي لي أختي الفاضلة أن أبسُطَ الحديث حول المشكلة، ليس من أجل اللوم والعتاب، وإنما لتحديد موضعها بشكلٍ دقيق، وتوضيح طُرُق العلاج للخلاص منها بإذن الله تعالى؛ فأقول:
أولًا: انسحاب الأب من شؤون التربية، ورمي ثقلها على كاهل الأم أمرٌ خاطِئ، يُوهِن عزمها ويقلل من قدرتها على التنشئة، وتقويم سلوك الأبناء.
ثانيًا: وجود الأب ومشاهدته لِما يحصُل دون تدخُّل، أو حتى دعم ومساندة الأم، يُعطي الأبناء وخصوصًا في مرحلة المراهقة انطباعًا بمشروعية ما يفعلون من أخطاء، بل وربما اعتبروا وللأسف تدخل الأم نوعًا من التجاوز على حدودهم الشخصية.
ثالثًا: على الأم أن تحاور الأب حول شؤون الأبناء، وأن تُطلِعَه على ما آلَت إليه الأمور، وأن تتحرى الوقت المناسب لهذا الحوار، بعيدًا عن أوقات الانفعال، أو حينما يكونُ الأب تحت وطأة الضغوطات؛ كي يتعاونا جميعًا في إصلاح ما فَسَد.
رابعًا: أزمة وباء كورونا طالت أضرارها الجميع، وتركت آثارًا ينبغي المسارعة في التخلص منها، واستعادة النشاط والحيوية، والتفاعل الإيجابي مع المجتمع، والبُعد عن العُزلة والانطواء.
خامسًا: هناك أخطاء لا بد أن نتحمَّل آثارها، وأن نُضاعف الجُهد في استدراك ما فات بسببها؛ كي نخلي مسؤوليتنا أمام المولى سبحانه وتعالى؛ ولذلك لا بُد من الصبر على مرارة العلاج، وتحمُّل المشاق في سبيل انتشال الابن من هذه الممارسات الخاطئة والمؤذية على المدى البعيد.
سادسًا: ترك الابن في هذه السن إلى هواه ورغباته نوعٌ من التدمير لشخصيته؛ فخبرته ناقصة ورغبات نفسه تغلِبُه؛ فلا بُد من إعانته على نفسه، وتعويده على فِعل الحسن، واجتناب القبيح؛ لأن تركه على هذه الحال يزيد من ضرره على نفسه وأسرته، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
سابعًا: تغيير العادات السيئة يحتاج إلى الانتقال وبتدرُّج إلى عاداتٍ إيجابية بديلة شيئًا فشيئًا، ويُستخدم في ذلك الحزم الممزوج برِفقٍ ولِين.
ثامنًا: لا بُد من إيجاد بدائلَ جاذبةٍ له تُشعِل فيه جذوة الحماس، وتُشعره بقيمته، وتُمكِّنُه من تحقيق ذاتِه، فلكل مشكلة حلٌّ بإذن الله تعالى، المهم ألَّا نيأس.
تاسعًا: استخدام التعزيز مُفيدٌ في التربية، وهو يُعرَّف في علم النفس السلوكي بأنه: عملية تدعيم السلوك المناسب، أو زيادة احتمالات تكراره في المستقبل، بإضافة مثيرات إيجابية، أو إزالة مثيرات سلبية بعد حدوثه.
عاشرًا: يمكنك الاستفادة كذلك من وجود أخيه الأكبر بأن يقترب منه ويحتويه، حتى يساهم بدور إيجابي في تصحيح سلوكه.
أسأل الله للجميع التوفيق والسعادة، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.