♦ الملخص:
فتاة وقعت في علاقة محرمة، علِم بها أهلها، ونشروا الأمر بين أصدقائها المقربين، ووشَوا بها عند أساتذة الجامعة، ووضعوها في خيار بين حياتها الجامعية، وبين حياتها الشخصية، لحد أنهم يضعون كاميرا مراقبة في غرفتها، وهي تخشى أن يتطور الأمر لمساءلة قانونية، يضيع على إثرها مستقبلها، وتسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة في منتصف العشرينيات، مشكلتي تنقسم بين البيت والجامعة، وما دفعني للسؤال حَيرتي في طريقة التعامل معها بما يوافق الشرع والأخلاق، وقد بدأت مشكلتي في الجامعة؛ حيث كانت لديَّ صديقة مقرَّبة ولها مكانة كبيرة في قلبي، ولم تكن صداقتي بها صداقة مصلحة، بل كنت أخاف عليها، وأنصحها كأختٍ لي، وأقوم بواجبي كصديقة، وكأي إنسان مررت بفترة عصيبة بسبب أمور شخصية معينة، وخلال هذه الفترة اتضحت لي أشياءَ كثيرة؛ فهذه الفتاة شاركَتْ كل معلوماتي الخاصة مع أهلي ومع بعض الزميلات، واكتشفت أن أمي كذلك تشارك كل ما أُخبرها به من المعلومات الخاصة للآخرين، وكنت حديث الساعة عندهم في غيبتي، وكانوا يحوكون الخطط من خلف ظهري لإيقاعي فريسة لمشاعري تجاه شاب، والقيام بمصارحته بأمور عاطفية وغيرها، فشعرت أن خصوصيتي غير محفوظة بأدق تفاصيلها، حتى في غرفتي الخاصة، وحين أعاتب أو أسأل عن السبب، لا أجد أي إجابة سوى الاستمرار بالأذى، فكيف يمكن لإنسان كرَّمه الله أن يقبل بإهانة كهذه؟ إنهم يتحججون بأخطاء ماضية ارتكبتها وصححتها كأي بَشَرٍ، ويلومونني عليها، ويخبرون بها الناس، وأساتذتي في الجامعة، وأصدقائي المقربين، حتى بدأت آخُذُ كل ما يقوله الناس بشكل شخصي، ولا أعرف كيف أتخلص من هذا الأمر.
مشكلتي الأخرى - وهي أكبر - أنني أعتقد أن ثمة كاميرا موجودةً في غرفتي الخاصة من قِبَلِ أخي وزوجته، وطريقة معرفتي لهذا الأمر أترفَّعُ عن ذكرها في هذا الموقع، وأعلم أيضًا أن وجودها بعلمٍ من والدي، إنهم يقومون بنقل صورة سيئة جدًّا عني أمام الناس، وهذا لا ينطبق عليَّ، فيحاولون جَعْلِي أكرهُ الأجواء الجامعية، أنا في مرحلتي الأخيرة من كلية الطب، وقرار كهذا سيكون جريمة بحقِّي، إنهم يُخيِّرونني بين الطب وبين حياتي الشخصية، والمشكلة تمت بموافقة من أساتذة الجامعة، فأنا الآن لا أعرف ماذا يحصل، وأريد مشورتكم، فليس لديَّ مشاكل في الجامعة سوى المشاكل الشخصية، وأخاف مستقبلًا توريطي في أمر قانوني، إنهم لا يستجيبون لأي تساؤل بهذا الخصوص، وأخشى أن أهلي يكذبون عليهم بأمور لم تحدث أساسًا، ولا أستطيع المبادرة بإنكارها؛ لأنه لم يصارحني بها أحد.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياكم الله أختي، أسأل الله أن يفرِّجَ كربك، وأن يلهمكِ الصواب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدمَ خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون)).
خير القرون هم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ووقع منهم أخطاء.
من الصحابة رضي الله عنهم مَن شرِب الخمر؛ كأبي محجن رضي الله عنه، وجُلِدَ على هذا، ومن خاض في حادثة الإفكِ؛ كحسان بن ثابت وأُقيم عليه حد القذف، ومنهم مَن تخلَّف عن الغزو؛ ككعب بن الربيع، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك، ثم تابوا وتاب الله عليهم، ومن وقع في الزنا كالغامدية وأُقيم عليها الحد؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم عنها لما سبَّها خالد بن الوليد: ((مهلًا يا خالد، فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغُفِرَ له)).
فالشاهد أن الأخيار ليسوا معصومين من الخطأ والزَّلَلِ.
والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا كيف نتعامل مع هذا، فما وقع فيه بعض الصحابة من كبائر وأخطاء لم يكن جزاؤهم التشهير بهم أو فضحهم وتَعْيِيرهم.
من أخطأ أَخَذَ جزاء خطئه، ومن تاب وأناب إلى الله سبحانه وتعالى، فالله هو التواب الرحيم، يغفر ولا يُعيِّر سبحانه.
أما الذين يسعَون لهتكِ ستر الناس، فهؤلاء الله لهم بالمرصاد.
فالواجب على الناس – لا سيما الأهل والعائلة - إن صدر من أحد خطأ أن يقوِّموه ويُعينوه على التوبة، أما أن يُعيِّروه ويستغلوه، فهذا نهج إبليسي، وليس نبويًّا.
ونعوذ بالله أن نكون مفاتيحَ شرٍّ، مغاليقَ خيرٍ.
أقول لكِ أختي: أنتِ صدقتِ مع الله سبحانه وتبتِ إليه مما كان من علاقة محرمة، فلا تلتفتي لكلام أي أحد، وسَلِي الله باسمه الحفيظ أن يحفظكِ من مكرهم وكيدهم، ولا تخافي أنتِ في حفظ الله.
بالنسبة لكاميرا التجسس التي في حجرتكِ، وهي تحت علم الوالد، وأنا لا أعرف كيف يكون هذا؟ وكيف للأخ وللأب أن يتجسسوا عليكِ بطريقة كهذه؟ فأقول لكِ: اتخذي الإجراءات القانونية اللازمة لهذا الأمر، وعمل محضر لهم بعدم التعرض لكِ، ومن قبل ذلك تكلَّمي مع أحد العقلاء الثقات في العائلة، الذين لهم تأثير على أهلكِ، هداهم الله.
بالنسبة للجامعة، فأرى لو أمكن النقل لجامعة أخرى تكملي فيها ما تبقى لكِ، إن تيسر هذا، فهو خير.
أعلم أن ابتلاءكِ شديد، لكنه خير، وفي كل محنة منحة، ولعل الله أرادكِ أن تقترب منه أكثر، وفرَّغ قلبكِ لمحبته، توكلي عليه، ولا تقلقي، ولا تخافي، ولا تحزني؛ مريم عليها السلام وهي في أشد الظروف وأحلكها قال الله لها: ﴿ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ﴾ [مريم: 26].
اهتمي بدراستكِ نريدكِ طبيبة ماهرة تتقي الله في عملها، تنفع الإسلام والمسلمين، فرَّج الله كربكِ حبيبتي.