♦ الملخص:
شاب يشعر بضعف شديد في نفسه، وعدم القدرة على اتخاذ أي قرار، أو تحديد أي هدف، أو التعامل مع الناس، ويسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شخص لا أملك هدفًا واضحًا في حياتي، كلما بدأت في أمر، زلَّت به قدمي، فأتوقف، وإرادتي رخوة، وتفكيري سلبي، كأني مقهور عليه، أحس أن كل الناس يكرهونني، ويقللون من شأني؛ لأني شخص حساس إلى أبعدِ الحدود، ومن ثَمَّ أحس نفسي قليلًا مقارنة بغيري من الناس، وأحب أن يهتم الناس حولي بي، لا أستطيع اتخاذ قرار، وليست لي كلمة، ولا أملك مبادئ ولا أولويات، سريع الغضب وسريع في إصدار الأحكام، أشعر أني ضعيف جدًّا، حتى إنني لا أحسن أتحدث إلى الناس، مع العلم أني عقدت قراني، وأشعر أنني فاشل في تعاملي مع زوجتي، فهي مرحة وأنا أغضب سريعًا، لكني أعود فأعتذر سريعًا أيضًا، أرجو مساعدتكم على علاج نفسي، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتك هو:
أنك محطم نفسيًّا من قبل نفسك باعتقادات باطلة بأنك عاجز عن كل شيء، وربما أيضًا محطم من غيرك بتعييرهم ولمزهم لك؛ ولذا فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: من الضروري جدًّا حتى تبدأ حياة جديدة ملؤها النشاط والتفاؤل، بأن تنسى تمامًا كل ما حدثتك نفسك به من احتقار لذاتك، وتنسى كذلك كل ما قد قيل فيك ولك من نبز ولمز وسخرية، أما ما دمت تتذكر ذلك كله وتقتنع به، فلن تخطو خطوة واحدة للأمام.
ثانيًا: وهناك سبب شرعي مهم جدًّا قد يغفل عنه البعض، وهو علاج ناجع جدًّا لحل كثير من المشاكل؛ ما هو؟
هو قوة الاستعانة بالله سبحانه + قوة الثقة به عز وجل + قوة التوكل عليه عز وجل + قوة الإيمان بالقدر؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
ثالثًا: أيضًا كثرة الاستغفار والاسترجاع لهما آثار عظيمة جدًّا في تيسير الرزق، وفي كشف الكرب؛ كما قال سبحانه في الرزق: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كشف الكرب عن أم سلمة رضي الله عنها: ((ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها، إلا أجره الله تعالى في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها، قالت: فلما توفي أبو سلمة، قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيرًا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه مسلم].
رابعًا: الفشل في الحياة وفي طلب الرزق له أسباب كثيرة، بعضها نص الشرع في التحذير منه؛ مثل: المعاصي، والتفريط في الواجبات الشرعية خاصة الصلاة، ومثل اليأس وضعف التوكل على الله سبحانه، وضعف الإيمان بالقدر والصبر على الأقدار المؤلمة، وبعضها بشري بحت؛ مثل: العجلة وعدم التأني في اتخاذ القرارات، وضعف الخبرة والقدرة الإدارية، واستعجال النتائج والربح، وضعف الهمة والنشاط والصبر، وكذلك الآثار السيئة لمقارفة بعض المعاصي التي تمحق بركة الرزق؛ ومنها: الربا، والغش، وعقوق الوالدين.
خامسًا: ومن الأسباب التي ترفع الهمة والعزيمة - بعد الاستعانة بالله سبحانه - القراءة في سير الأثرياء الناجحين، وكيف بدؤوا حياتهم من الصفر، وكم تعثروا من مرات! وكم خسروا من مرات! ولكنهم صبروا وكابدوا المشاق فظفروا.
سادسًا: ومما يعينك على نفسك ويؤسس لنجاحك، وينتزع فكرة الفشل من رأسك نهائيًّا: مطالعة نعم الله الكثيرة عليك، وشكرها، والعمل على تنميتها، وعدم التطلع دائمًا لمن هم فوقك؛ حتى لا تزدري نعمة الله عليك، وتأمل كثيرًا في الأحاديث النبوية الآتية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألَّا تزدروا نعمة الله عليكم))؛ [متفقٌ عليه]، وهذا لفظ مسلم، وفي رواية البخاري: ((إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه)).
وعنه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعس عبدُالدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أُعطي رضي، وإن لم يعطَ لم يرضَ))؛ [رواه البخاري].
سابعًا: كيف تقول: (ليس لدي أهداف واضحة)، كل مسلم لديه هدف واضح؛ وهو الوصول لرضا الله سبحانه، والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض، فإذا رضي الله عنك، سددك في أمور دينك؛ وهي الأهم، ثم في أمور دنياك.
ثامنًا: لا يليق بالمؤمن أن يشابه الذين جعلوا الدنيا أكبر همهم، يفرحون لأجلها، ويحزنون لأجلها، ونسَوا الهم الأعظم؛ وهو الفوز بالنعيم الأبدي في الجنة؛ قال سبحانه: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [البقرة: 200 - 202].
تاسعًا: من العلاجات العظيمة لحالتك محاسبة نفسك على الأخطاء باعتدال، دون أن تصل لازدراء نفسك وتحطيمها، ومن ثَمَّ مجاهدة نفسك على التخلص من هذه السلبيات؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].
عاشرًا: أعود وأكرر محذرًا لك من استمرارك في جلد ذاتك، واحتقارك لنفسك، واعتقادك بأنك سلبي وفاشل، ولا تعرف أهدافك؛ لأن بقاء هذه القناعات لديك هي المرض العضال الذي يحجبك عن التقدم والرقي، والعزم والحزم، والسمو للمعالي؛ فاطرحها جانبًا وانسَها تمامًا، وكرر المحاولات، ولو منيت بمئات العثرات، فستنجح بإذن الله سبحانه نجاحًا باهرًا، وتحمد ربك سبحانه على النعم المترادفات.
حادي عشر: من باب الفائدة أسوق لك هذا الموقف البسيط:
قابلت شابًّا قدم من بلدكم للعمل ببلدنا، وكان يعتقد في نفسه أنه غبي وينسى كثيرًا، ولا يحسن عملًا، فتحاورت معه وشجعته، وبينت له أن علته هي تحطيمه لنفسه، وتأثره السلبي بتحطيم الناس له، وأن لديه قدرات كثيرة، وأن ينسى هذه القناعات السلبية وفقاعات ما يلوكه الناس عنه، وبعد ذلك تحسن كثيرًا جدًّا، وأصبح رجلًا نشيطًا ذكيًّا ناجحًا.
حفظك الله، ورزقك الهمة والتوفيق.
وصل اللهم على نبينا محمد ومن والاه