استشارات متعلقة
تاريخ الإضافة: 22/4/2024 ميلادي - 13/10/1445 هجري
الزيارات: 20
♦ الملخص:
شابٌّ مستقيم محافظ على دينه، أصابه ضيق وحزن لِما يراه في مواقع التواصل من شهرة الكثيرين، وإحاطتهم بالمعجبين، وهو يريد أن يكون مشهورًا يُشار إليه بالبنان، ويسأل: كيف يتخلص من هذا الشعور؟
♦ التفاصيل:
أنا شابٌّ مستقيم، أحافظ على الفرائض والنوافل، والأذكار وتلاوة القرآن وحفظه، لكني أعاني مشكلة نفسية كبيرة جدًّا؛ حيث أشعر بضيق وحزن في قلبي حالَ مشاهدتي الآخرين صغارًا وكبارًا يظهرون في برامج التواصل الاجتماعي أو على التلفاز، أو عندما أرى مشهورًا محاطًا بالمعجبين، وأصبحت أقارن حياتي بحياتهم، وأريد أن أكون مشهورًا يلتفت إليَّ الناس، ويذكرونني في مجالسهم، لا أدري كيف صرت كذلك، مع أنني لم أكن أرغب في الشهرة؛ لأنها تقصم الظهر، فما نصيحتكم لي؟ وجزاكم الله خيرًا.
أخي الكريم: المشكلة التي تعاني منها ليست مشكلتك وحدك، بل هي مشكلة عامة لدى الجميع ويعاني منها صغار السن بشكل أكبر؛ حيث تشكِّل عليهم ضغطًا شديدًا؛ لكونهم ما زالوا في طور تكوين شخصياتهم، وتحديد مسار حياتهم.
ويظهر من سؤالك أنك نشأت نشأة سليمة وتلقَّيتَ تربية صالحة كما ذكرت عن نفسك، وهذا ما جعلك تشعر بنوع من الصراع بين ما يجب أن تفعله وتلتزم به، وبين ما هو شائع من سلوك في وسائل التواصل الاجتماعي.
وهذا الشعور هو مكان الابتلاء والاختبار الذي يعاني منه كل شاب مسلم، يعلم أن الدنيا تتعرض له بمفاتنها، وأن الخير ورضا الله في تجنُّب الانكباب عليها.
وقد قمت أنت بتحديد المشكلة بشكل واضح، كما أنك ذكرت الأسباب التي تجعلها تؤثِّر فيك، وكما أنك وصفت الداء بدقة، فقد وصفت الدواء بشكل واضح، وما عليك إلا أن تعمل به، وهو قائم بدرجة كبيرة على الصبر، وعلى التجنب ومخالفة الهوى، وهذا ما يزعجك، لكنه هو الحل الصحيح، والعلاج السليم لهذه المشكلة.
مع التذكير بأن ما تراه في وسائل التواصل الاجتماعي وما يعرضه المشاهير، هو الجانب المضيء من حياتهم، وهو الأقل مساحة، أما أكثر حياتهم فمظلمٌ، ولو اطلعت عليها، لحمِدتَ الله على العافية مما يعانونه، كما أن ما يعرضه المشاهير ويظهر أمام الكاميرات هو غالبًا مشاهد تمثيلية يمارسون فيها تزييف حياتهم ومشاعرهم؛ حتى يحصلوا على الأرباح التي يجنونها من عروضهم التمثيلية أمام الكاميرات، وهذا ما تكشفه الأيام من حياة كثيرٍ من المشاهير.
وهم يبذلون كثيرًا من كرامتهم حتى يحافظوا على بقاء بريق شهرتهم، وكلما خَفَتَتْ شهرتهم، قاموا بتصرفات أكثر غرابة وسوءًا حتى يلفتوا الأنظار إليهم؛ ليحافظوا على مستوى شهرتهم، وغالبيتهم لا يهمهم كيف يحافظون على بريق الشهرة، بل الأهم لديهم أن يبقوا دومًا في "الترند"، وهذا ما يقودهم من سقوط أخلاقي إلى سقوط أشدَّ.
وقد عبَّر بعض المشاهير عن سرعة تحول الشهرة بقوله: الشهرة كالمرأة البغي كل يوم مع شخص، وأما ما تراه من زينة الحياة الدنيا التي تظن أنهم يتمتعون بها؛ فقد دلنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى علاجه بقوله: ((انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ، وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَلَّا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ))؛ [متفقٌ عَلَيْهِ]، وهذا لفظ مسلمٍ، وفي رواية البخاري: ((إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ، فلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ)).
كما حذرنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن حال مَن كانت الدنيا همَّه، حتى تستوليَ على مجامع قلبه؛ فقَالَ: ((تَعِسَ عبْدُالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَالقَطيفَةِ وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ))؛ [رواه البخاري].
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم بيان لسبب الداء؛ وهو التعلق والنظر إلى ما في أيدي الأغنياء مما يفتقده الإنسان، وفيه وصف الدواء بأن ينظر الإنسان إلى من هو أقل منه، حتى يعرف قيمة النعمة التي يرفُل فيها، بينما يفتقدها الملايين غيره حول العالم.
وهذا لا يعني ألَّا يسعى المرء لتحسين وضعه والازدياد من الخير، لكنه يعني ألَّا يُفتَنَ الإنسان بالدنيا أثناء سعيه فيها.
والشهرة التي يسعى الإنسان إلى تحصيلها قد تكون سببًا في تعاسته أو تقييد حريته، كما يشتكي من ذلك كثير من المشاهير، لكن الشهرة التي تأتي بدون قصد من الإنسان، فربما تكون خيرًا له إذا وظَّفها كمورد من موارده في عمل الخير والازدياد من الحسنات.
أما ما ذكرته عن الدونية، فليس دونية في حقيقته، بل هو مجرد أمنيات خاطئة ناتجة عن مقارنة نفسك بمشاهد تمثيلية لأشخاص من المشاهير، ولو اطلعت على واقعهم، لَعَرَفتَ أن واقعك خير من واقعهم.
فعليك دومًا بدعاء: اللهم ألهمني رشدي وقِني شرَّ نفسي، فهو من خير ما يدعو به الإنسان، نسأل الله أن يلهمنا وإياك رُشْدَنا، وأن يقينا شرور أنفسنا.