♦ الملخص:
شابة في منتصف الثلاثينيات، تشعر باليأس والإحباط وضياع عمرها هباءً؛ لأنها لم تستقر في وظيفة، وتريد العمل في أماكن معينة تتطلب خبرة كافية، وهي من دون خبرة، وتسأل: هي يمكن أن يكون الاستغفار سببًا في التوفيق إلى هذه الوظائف، من غير سعي؟
♦ التفاصيل:
أنا شابة في منتصف الثلاثينيات، ضاعت حياتي هباءً بسبب الأفكار الغريبة التي منعتني مزاولة أمور كثيرة، أعيش كالأطفال لا أستطيع تدبُّر أمري، وليس هناك هدف محدد في حياتي، أريد كل شيء، ولا أعمل أي شيء، حصلت على العديد من الوظائف، وكنت أعمل بجدٍّ وإخلاص، وأسمع عبارات المدح والثناء من المسؤولين، لكني لم أكن أستمر؛ إذ لا أشعر أنني أعمل في المكان المناسب، وفي الوقت نفسه لا أملك الخبرة الكافية التي تؤهلني للعمل في الأماكن التي أريدها، أيضًا تخصصي ليس مطلوبًا في سوق العمل إلا في مجال التعليم، تعبت من نفسي، وأشعر بالإحباط واليأس؛ فجميع من حولي وصلوا إلى أهدافهم، وأنا لم أزل في الدائرة نفسها، وذهب عمري سُدًى ولم أتذوق طعم النجاح، وقد أدى بي الألم النفسي والفراغ إلى أن أُهْمِلَ كل شيء في حياتي، وتسلطت عليَّ أفكار انتحارية؛ لسوء معاملة من حولي ورؤيتهم لي على أنني فاشلة، وأنا حقًّا كذلك، لا أريد إلا أن أعمل، فهل يمكن أن يجلب لي الاستغفار والدعاء العملَ دون سعيٍ؛ لأنني لا أملك الثقة للتقديم على الوظائف؛ لأنني دون خبرة؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فإن التعامل مع هذه الحياة يحتاج تأمُّلًا ووعيًا بقيمة وجودنا فيها؛ ولذلك حينما نتلو كتاب الله سبحانه، وننتقل بين سور القرآن الكريم يلفت الانتباه كثرة سرد القصص، وأحيانًا تتكرر القصة ولكن من زاوية أخرى ولحكمة وسبب آخر؛ ذلك أن الله سبحانه وتعالى يريد إرشادنا للتعامل مع الحياة بفهم لأبعادها؛ فالحياة الدنيا ليست فقط للكسب والإنجاز، وتحقيق الطموحات، وتحقيق الذات، الحياة الدنيا دار ابتلاء وممرٌّ ومعبَرٌ إلى الحياة الباقية في الآخرة.
أختي الكريمة، تدبَّري القرآن جيدًا، وتأملي سيرة المصطفى محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، وانظري إلى مسيرة حياته الحافلة بالإنجازات، هل كانت على طريقة ونمط واحد؟ لا، إنما تخللها نكبات وفواجع، تأملي قصة عام الحزن، اقرئي سيرته عليه الصلاة والسلام وما مرَّ به من غزوات بصحبة الكرام من الصحابة رضوان الله عليهم، اقرئي قصة غزوة بدر وأُحُد والخندق وحُنين، توقفي كثيرًا عند غزوة الخندق وتحزُّب الأحزاب على المسلمين، وكيف كان شعورهم بالخوف والوحدة وقلة الناصر من البشر، تأملي كيف اجتمعت القبائل، وتحالفوا لاستئصال شأفة المسلمين، حتى اضطروهم إلى حفر خندق يحول بينهم وبين اقتحام الأحزاب للمدينة، واستباحتها، حتى اغتمَّ عليه الصلاة والسلام هو وأصحابه، ورابطوا عند الخندق يحمون أنفسهم وأهاليهم وذراريهم؛ يقول الله سبحانه في وصف ما حدث: ﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 11]، ولم يتحقق النصر إلا بعد صبرٍ ومجاهدة للعدو وللنفس حتى تثبُت.
ولذلك - أختي الكريمة - هذه النفس تحتاج إلى مجاهدة وتهذيب للطبائع؛ حتى يستقيم أمرها، وتَقْوَى على تحمُّل الصعوبات؛ لأن الحياة مليئة بالتحديات، وحينما نضعُف عن مواجهتها ونستسلم عند أدنى تحدٍّ، فلن نصل إلى أهدافنا، ولن نحقق أي شيء ملموس يُشعرنا بقيمة ذواتنا.
ولذلك أوصيكِ - أختي الكريمة - بعد الاهتمام بأمر تدبر كلام الله تبارك وتعالى، والاطلاع على سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، بأن تُقبلي على تطوير مهاراتكِ الشخصية، اقرئي واحضُري الدورات، وتابعي الطرح المتميز في مواقع التواصل عبر المختصين، واستفيدي مِن تجارِب مَن صنعوا أنفسهم، وحققوا طموحاتهم، فاللقاءات مع الكثير من الناجحين مسجَّلة بالصوت والصورة في القنوات، ومواقع التواصل، وتم تضمينها كذلك في مؤلفات عديدة، تأملي حالهم وهم في زماننا، وقد مروا بصعوبات مشابهة لظروفكِ، كيف تعاملوا معها بالصبر والحكمة، ووضع الخُطَط الفعالة لتجاوز هذه العقبات.
ابتعدي عن اليأس والتفكير بالهروب من مواجهة التحديات، وتسلَّحي بسلاح الإيمان بالله سبحانه، والتقرب إليه، واعتياد مناجاته، والتعبُّد له سبحانه بالدعاء بتضرُّع وتذلُّل.
أسأل الله للجميع التوفيق والسعادة، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.