♦ الملخص:
امرأة تزوجت مرة فلم تُوفَّق، ثم تزوجت مرة أخرى من رجل تَفرِضُ ظروفه أن يكون في هجرة، لكن أمورًا جعلت أمر هجرتها إليه متعثرًا، وهي تشكو سوء معاملته لها، ومعايرته إياها بالطلاق، كما تشكو سوء معاملة أهلها لها، وترغب في الطلاق للمرة الثانية، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ تفاصيل السؤال:
أنا امرأة تزوجت مرتين، أولاهما لم أوفَّق فيها بسبب تدخلات أهلي التي خربت ما بيني وبين زوجي، وبعد الطلاق عانيت الأمرَّيْنِ؛ فكنت أعمل وأنفق على نفسي وولدي، وبعد ثلاث سنوات من طلاقي تزوجت رجلًا جيدًا، لكن ظروفه كانت تجبره على الهجرة للخارج، فهاجر إلى دولة أوروبية، وبعد الهجرة كنا نتواصل بشكل مستمر، ثم إنه بعد مدة، أخبروه أن استقدام زوجته مرفوض، فقطع التواصل معي ثلاثة أشهر، حتى لا يتعلق بعضنا ببعض، وخلال تلك المدة لم يكن يرسل إليَّ مصروفًا، وبعد تلك الشهور الثلاثة أخبرني أنهم رفضوا لجوءه، وسألني إذا ما كنت قد خرجت خلال تلك المدة، فأجبته بالنفي، فلم يصدق، وكنت قد أخبرته بذهابي إلى البنك لفتح حساب، فلما ذهبت لبنك آخر غضب مني، وقال لي إنه سيجعل صديقه يراقبني في خروجي، فضايقني أسلوبه كثيرًا؛ فهو يدقق في كل شيء، ويعايرني بالطلاق، ويذكر دومًا عيوبي، وأنا مع ذلك أعامله بالحسنى، ولا يفكر إلا بمصلحته، هذا، مع معاناتي مع أهلي، فأنا أشعر أنهم لا يرجون لي الخير، حتى إنني أشعر أنهم السبب في وقوف مشروع الهجرة، فأنا لا أثق بهم، سيما بعد أن هدموا حياتي الأولى بغيرتهم وحسدهم وإيذائهم، وأحس أنهم يريدون زواجي فقط لينتفعوا من وراء زوجي، لا أستطيع السيطرة على حياتي، فقد أصبحت مجالًا لتدخل كل أحد، وأشعر بالظلم كثيرًا، ولا أستطيع التحمل، وأرغب في الطلاق بسبب سوء معاملة زوجي، وأريد أن أتفرغ لشؤون حياتي، وإذا كان الحقد والحسد سيدمران حياتي، فأود الابتعاد عنهم جميعًا، بمَ تنصحونني؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ هو:
١- تزوجتِ الزواج الأول ثم تم الطلاق بسبب تدخلات أهلكِ التي فسرتِها بالحقد والحسد.
٢- ثم تزوجتِ زوجًا آخر، وسافر لطلب الرزق، ثم أخبركِ أنه لا يستطيع إحضاركِ عنده بسبب أنظمة البلد الثاني، وأخبركِ أيضًا بأنه لم يقبلوا هجرته لديهم.
٣- قلتِ: إنه لا ينفق عليكِ، ومع ذلك يُضايقكِ كثيرًا، ويتعمد التشديد عليكِ والشكَّ فيكِ.
٤- تُفكرين بطلب الطلاق منه.
٥- تقولين: إذا كان الحقد والحسد سيلاحقكِ ويدمر حياتكِ، فستبعدين عنهم جميعًا؛ أي: أهلكِ، وزوجكِ.
٦- وأخيرًا تتمنين نُصحكِ وتوجيهكِ.
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: إن كنتِ صدقتِ في كل ما ذكرتِهِ بدون أي مبالغة ولا افتراء، فرائحة الحسد والحقد تفوح منه، لكن من الذي حسدكِ؟ أنتِ تقولين: إنهم أهلكِ؛ يعني: الوالدان، ولا أظنه أن يكون منهم، بل الأقرب أن الحسد وقع من غيرهم، وبسبب حسد الغير ساء تعامل أهلكِ معكِ.
فقد يكون بعض أقاربكِ أو جيرانكم يُعانون من مشاكل مالية أو اختلافات أُسرية، ورأوكِ في سعادة مع والديكِ، ومع زوجكِ الأول، فحسدوكِ، ومع ذلك لا يوجد ما يمنع من وقوعه أحيانًا من الوالدين لأبنائهم، والحسد أمر منتشر جدًّا وله آثار سيئة جدًّا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم مبينًا خطورته عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((العين حق، ولو كان شيء سابِقَ القَدَرِ لسبَقَتْه العين، وإذا اسْتُغْسِلْتُم فاغتَسِلوا))؛ [رواه مسلم].
ثانيًا: عالجي نفسكِ بالأسباب الآتية:
١- تقوية الإيمان بالقدر والصبر على أقدار الله سبحانه.
٢- اجتهدي في إخفاء النعم التي أنعم الله بها عليكِ - الحسية والمعنوية - عن كل الناس.
٣- حافظي على الصلوات في وقتها، وأكْثِري من تلاوة القرآن، وحافظي على أذكار الصباح والمساء؛ فهي مجتمعة سدودٌ منيعة على الحاسدين.
٤- أكثري من الدعاء بإلحاح مع قوة الإيمان واليقين بقدرة الله سبحانه على تفريج كربكِ، واختاري أوقات الدعاء الفاضلة؛ مثل: السجود، وآخر الصلاة، وثلث الليل الأخير؛ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
٥- ارقي نفسكِ بنفسكِ بالرقية الشرعية.
٦- الذين تشكِّين في حسدهم لكِ، خذي من آثارهم شيئًا واغتسلي به؛ فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: ((مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل، فقال: لم أرَ كاليوم ولا جلد مخبأة، فما لبث أن لُبِط به، فأُتي به النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: أدركِ سهلًا صريعًا، قال: مَن تتهمون به؟ قالوا: عامر بن ربيعة، قال: علام يقتل أحدكم أخاه؟! إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه، فَلْيَدْعُ له بالبركة، ثم دعا بماء فأمر عامرًا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره، وأمره أن يصب عليه))؛ [رواه ابن ماجه وأحمد ومالك].
ثالثًا: يبدو أن الأعذار التي ساقها زوجكِ عن عدم جلبكِ في بلد المهجر قد لا تكون صحيحة تمامًا، بل قد يكون مصروفًا عنكِ بسبب الحسد، ولذلك علامات أخرى؛ مثل: سَبِّهِ لكِ، وتشديده عليكِ، وعدم إنفاقه عليكِ، وتعييره لكِ؛ إذ لا يُتصَوَّرُ أبدًا صدور كل هذه الأفعال من زوج محبٍّ، إلا ولها أسباب أخرى ربما تكون خارجة عن إرادته، وأحيانًا بعض الرجال يفعلون ذلك لمضايقة الزوجة لتطلب الخلع وتفتدي نفسها بالمال.
رابعًا: النفقة عليكِ واجبة شرعًا عليه وعلى أبنائكِ منه، فلكِ الحق في المطالبة بها.
خامسًا: لا تُزَكِّي نفسكِ، وتفقدي علاقتكِ بالله سبحانه، ثم علاقتكِ بوالديكِ؛ فقد تكونين ارتكبتِ ذنوبًا – مثل: العقوق وغيره – سبَّبت لكِ هذه المشاكل؛ قال سبحانه: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].
سادسًا: ولذا أكْثِري من علاج عظيم؛ وهو الإكثار من الاستغفار؛ قال سبحانه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [سورة نوح: 10 – 12].
سابعًا: أما تفكيركِ بطلب الطلاق، فلا أنصحكِ بالاستعجال فيه، وبدلًا منه أكثري من العلاجات السابقة؛ لعل الله سبحانه يفرج كربتكِ.
ثامنًا: وكذلك تفكيركِ بالبعد عن أهلكِ غير سائغ، بل الاجتهاد في برهم ولو أخطؤوا هو الصحيح، وهو سبب عظيم لتفريج الكرب؛ فحقوق الوالدين ليست مجالًا للمقايضات، ولا للمساومات، بل هي واجب عظيم لا يسقط بأي حال؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].
تاسعًا: لا تنسَي علاجًا مهمًّا جدًّا؛ وهو الاسترجاع، كلما أصابتكِ مصيبة أو هم وغم؛ فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها، إلا أجره الله تعالى في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها، قالت: فلما توفي أبو سلمة، قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأخلف الله لي خيرًا منه؛ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه مسلم].
عاشرًا: مما يُسليكِ أن تعلمي يقينًا بأن كل ما أصابكِ قَدَرٌ كتبه الله عليكِ لتكفير خطاياكِ، ورفع درجاتكِ في الجنة، إذا صبرتِ؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].
حادي عشر: يجب على من يعرفون زوجكِ وعظُه ومناصحتُه بحسن الخلق معكِ، وتذكيره بالحقوق الزوجية.
ثاني عشر: كذلك يجب على العقلاء من أعمام وأخوال مناصحة والديكِ بالإحسان إليكِ.
ثالث عشر: وأنتِ أيضًا تفقدي أساليب تعاملكِ مع والديكِ، وحاسبي نفسكِ، وتلطفي لهما حتى ولو أساؤوا إليكِ.
رابع عشر: الذين تشكِّين في حسدهم لكِ، قللي من الاحتكاكِ بهم، وأخفي عنهم كل ما عندكِ من نعم حسية أو معنوية.
حفظكِ الله، وفرج كربتكِ، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.