قريبي رآني على ذنب

منذ 1 شهر 67

قريبي رآني على ذنب


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/10/2024 ميلادي - 2/4/1446 هجري

الزيارات: 33


السؤال:

الملخص:

شابٌّ قارف ذنبًا، وظل يتردد فيه بين الإقدام عليه، والتوبة منه، المشكلة أن قريبًا له رآه على ذلك الذنب، وهو يخشى أن تَفسُد سُمعته، ويسأل: ما النصيحة؟

التفاصيل:

قارفتُ ذنبًا، وأقلعت عنه، ثم عدت إليه، ثم أقلعت عنه، وأنا نادم على عودتي تلك، وأشعر أن الله عز وجل غاضب مني، وأخشى الفضيحة؛ فقد رآني شخصٌ قريب مني على هذا الذنب، وأنا معروف بسمعتي، وأخشى أن تفسد، مع أنه لم يقُل شيئًا، لكني أخشى تغيير نظرته إليَّ، فهل يمكنني أن أدعو الله أن يُنسيَه ذلك؟ ماذا أفعل؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

فنرحب بك أخانا العزيز، ونشكر لك ثقتك بموقع شبكة الألوكة، ونسأل الله أن نكون عند حسن الظن في تقديم ما يفيدك.

نهنئك بما تفضَّل به سبحانه وتعالى عليك من المسارعة إلى التوبة، وهذا فضل عظيم من الله امتنَّ به عليك، فقابِلْ هذا الفضلَ بالشكر والإنعام، وحافِظْ على هذه التوبة.

في بداية رسالتك، ذكرتَ أنك أذنبتَ ذنبًا، وأقلعتَ عنه، وعدت إليه مرة أخرى، وأنت نادم على هذا الذنب، فأنت إذًا تُبتَ توبةً صادقةً، فإن الله يمحو بها هذا الذنب، وإن رجعت غيرَ مرة فلا بد من العزم الصادق ألَّا تعود مرة أخرى؛ يقول سبحانه: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، وعندما يعود مَن يخاف الله، وبداخله بذرة صلاح، ويحب الله ورسوله إلى الذنب مرة أخرى، فإنه ينزعج انزعاجًا شديدًا، وهذا يدل على صفاء نيته، ونقاء فطرته، فعندما يعود إلى المعصية مرة أخرى، يكون أقسى على نفسه مما سبق؛ لشعوره بالضعف، وتظل هذه المعصية تنغِّص، وتكدِّر عليه صفوَ حياته، وهذا ما تعاني منه أنت أخي العزيز؛ فقد ذُقْتَ حلاوة الإيمان بعودتك من هذه المعصية، ولكنك رجعت إليها مرة أخرى، ولا بد أن نعلم أن الإنسان يغفُل دائمًا، وقد يستزِلُّه الشيطان ويدعوه إلى الوقوع فيما حرَّم الله؛ يقول سبحانه: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168]، ولقد أحسنتَ أنك سارعت إلى التوبة، وهذا هو الواجب عند الذنب، ومن الأمور التي ستُعينك بإذن الله على التوبة الصادقة النصوح معرفةُ أسباب ضعفك عند هذه المعصية، وبعد معرفة الأسباب اجتهد في تنحيتِها، ربما تكون هذه الأسباب في الخلوة، أو الصحبة، وقنوات التواصل الاجتماعي، وغيرها، فكن جادًّا في الأخذ بالأسباب التي تُعينك على الثبات على التوبة والاستمرار عليها، وأهم ذلك الصحبة الصالحة، فحاوِلْ أن تتعرف على عددٍ من الصالحين، تتواصل بهم، وتمضي أوقاتك معهم، فهم خيرُ مَن يُعينك على اجتناب المحرَّمات، وملء الأوقات بما يعود عليك بالنفع والصلاح.

وذكرت في رسالتك أيضًا: (أن الله غاضب منك)، يجب ألَّا تسمح لهذا الهمِّ أن يتسرَّبَ إلى قلبك، واجعل همَّك وهمتك في تحقيق التوبة إلى الله، واعلَمْ أن هذا القول من وساوس الشيطان، فهو يحاول أن يفسد علاقتك بربك ومولاك جل جلاله؛ للضغط عليك، أو لصرفك عن الطاعة، والعبادة، والتوبة، فهو يشغلك بهذه الفكرة السلبية غير الصحيحة في أن الله غاضب منك؛ حتى يجعلك تضيق ذَرْعًا، وتتمنى السوء لنفسك، والعياذ بالله، وهذا الإحساس الذي يصيبك بسبب خوفك من الذنوب هو دليل صريح على إيمانك وصدق يقينك، وأنت مأجور ومثاب - إن شاء الله - على هذا الهمِّ، وهذا الجهد الذي تبذله في دفع هذه الأفكار المؤرِّقة لك، فما دمت قد تبت من ذنبك، فأحْسِنِ الظن بالله سبحانه؛ ففي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان في بني إسرائيل رجلٌ قتل تسعةً وتسعين إنسانًا، ثم خرج يسأل، فأتى راهبًا فسأله، فقال له: هل من توبة؟ قال: لا، فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجل: ائتِ قرية كذا وكذا، فأدركه الموت، فنَاءَ بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقرَّبي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال: قِيسوا ما بينهما، فوُجِدَ إلى هذه أقرب بشبر، فغُفِرَ له))؛ [البخاري: 3470].

وهذا يفيد أن باب التوبة مفتوح، وأن المعصية وإن عظُمت، فعفوُ الله أعظم، وكرمه أكبر، فمن تاب، تاب الله عليه، وإن كان الذنب عظيمًا، فالقتل جريمة عظيمة، وأعظم منها الكفر بالله، فإذا تاب العبد من الكفر الذي هو أعظم الذنوب، تاب الله عليه، بشرط أن تكون توبةً صادقة، فهكذا الزنا وسائر المعاصي.

وإذا تبت إلى الله، فلا تخشَ الفضيحة، وينبغي أن تجتهد في مدافعة هذه الخواطر التي تنتابك، واستشعر الثقة بالله، وأنه سيحميك، ويُسبِغ عليك لِباسَ الستر، وابتعد عن التهويل والخوف، فالله خير حافظًا، ويحفظك من الفضيحة وغيرها؛ يقول سبحانه: ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64]، حتى وإن رآك من يكون، فالله سبحانه يراك، وهو أحقُّ أن تخشاه، وألَّا تخشى أحدًا غيره، فهو المستحق أن تخافه وتتوب إليه، وتعود إليه.

وعليك بالدعاء أن يصرف الله عنك هذا الذنب، ولا بد أن يكون الدعاء بتضرُّع، وخشوع، وإخلاص، حتى يتحقق لك ما تريد؛ قال تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ [الأعراف: 55]، وكذلك الدعاء بتذلُّلٍ، وتمسكُنٍ، وانكسارِ قلبٍ، فهذا له أثر في الاستجابة، ويستحسن توخي مواطن إجابة الدعاء؛ مثل: الوقت بين الأذان والإقامة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وغيرها.

وعليك - أخي العزيز - القيام ببعض الأعمال، علَّها تفيدك في البعد عن الذنوب؛ وهي:

المداومة على فعل الصالحات؛ قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].

ترك مجالسة أصدقاء السوء.

استشعار فداحة الذنب، والمساوئ التي تنتج عنه.

المداومة على ذكر الله تعالى حتى يطمئن قلبك؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

نسأل الله أن يغفر ذنوبك، وأن يستر عيوبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يوفِّقَك لتوبة صادقة نصوح، تبتعد فيها عن المعاصي، إنه جواد كريم.