سوء الظن بالله والخوف الزائد

منذ 9 أشهر 151

سوء الظن بالله والخوف الزائد


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/1/2024 ميلادي - 15/7/1445 هجري

الزيارات: 42


السؤال:

الملخص:

فتاة تعاني مرض الخوف الزائد على أهلها، وتخشى على أختها التي تدخن الشيشة أن تُصاب بالأمراض، وتسأل: هل ذلك الخوف نابع عن سوء الظن بالله؟

التفاصيل:

السلام عليكم.

أنا فتاة في الثانية والثلاثين من عمري، أنا مريضة، أعاني الخوف الزائد على أهلي، خاصة أختي الكبرى؛ فهي تشرب الشيشة، وقد نصحت لها كثيرًا أن تتركها، وحصلت خلافات بيننا لأجل هذا الأمر، وقد طلبت مني ألَّا أتدخل في حياتها؛ لأنني جعلتها تخاف من كل شيء، ترادوني أفكار سيئة باستمرار بأنها ستُصاب بمرض خطير بسبب الشيشة، فماذا أفعل للتخلص من هذا الخوف الزائد؟ وهل منعي لأختي من شرب الشيشة خوفًا من إصابتها بالمرض، هو سوء ظنٍّ بالله، وعدم توكل عليه؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ محمد صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد أختي الفاضلة:

فبِناءً على المعلومات التي تقدمت بها لطرح مشكلتكِ؛ ألَا وهي: أنكِ مُدرسة، ومستواكِ التعليمي جيد، وأنكِ تعانين من مرض نفسيٍّ، وأنكِ بسبب استسلامكِ للأفكار السلبية (وساوس، وشيطان)، ومحاولتكِ للتخلص من هذه الأفكار، وبعد هذه المعلومات التي تقدمت بها لشرح مشكلتكِ وتشخيصها؛ من الخوف الزائد الذي انصب على أختكِ، وخوفكِ من تأثرها بشرب الشيشة، فقبل البدء بطرح الحل لهذه المشكلة جذب انتباهي قولكِ: هل مَنْعِي لأختي من شرب الشيشة هو عدم حسن الظن بالله وعدم التوكل عليه؟

أُخَيَّتي!

لقد وضعتِ إصبعكِ على المشكلة الحقيقية؛ ألا وهي: سوء الظن بالله وعدم التوكل عليه، التي قادتكِ إليها الفطرة السليمة التي فطرنا الله عليها، ولأنكِ سألتِ هذا السؤال، فهل خوفكِ الزائد هو لهذين السببين؟

الإجابة:

أولًا: أبدأ الكلام معكِ بسرد حديثين؛ يقول الله تعالى: ((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرَّب إليَّ شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)).

وفي حديث للنبي صلى الله عليه وسلم عن جابر بن عبدالله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثٍ يقول: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل)).

اعلمي - أُخيتي - أن أول مدخل من مداخل الشيطان هو الجهل؛ لأن الجاهل لا يعرف مداخل الشيطان فيَسُدُّها، ولا مكائده فيبطلها؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104].

ومداخل الشيطان من باب الجهل كثيرةٌ، فعليكِ العودة إلى المصادر التي تعينكِ على هذا الأمر وهي كثيرة، المهم العودة إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإلى سيرته العطرة وسيرة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم؛ لنتعلم منها كيف نواجه هذه المشاكل.

ثانيًا: يرشدنا هذا الحديث القدسي إلى أن أعظم الذنوب عند الله إساءةُ الظن به.

لن ندخل هنا بشرح الحديث لعدم الإطالة، وننطلق معًا إلى كتاب "الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي"، ويرشدنا إلى أن أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به؛ فإن المسيء به الظنَّ قد ظنَّ خلاف كماله المقدس، وظن به ما يناقض أسماءه وصفاته، ولهذا توعد الله سبحانه الظانين به ظنَّ السَّوء بما لم يتوعد به غيرهم؛ كما قال تعالى: ﴿ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [الفتح: 6].

ففي هذا الحديث القدسي ذَكَرَ الله تعالى العباداتِ التي يتقرب بها المسلم إلى ربِّه، ويشمل جميع العبادات التي أمرنا الله عز وجل بها أن نتعبده من غير واسطة ولا زيادة ولا نقصان، وفيه أيضًا العلاج الشافي لكيفية سدِّ جميع مداخل الشيطان ليوسوس، فرجاءً العودة إلى شرح هذا الحديث.

لذا نجد أن سوء الظن بالله هو عدم اليقين بما وعد الله عز وجل لعباده الذين يتقربون إلى الله عز وجل ليجازيهم على أعمالهم.

ففي حالتكِ هذه هل خوفكِ على أختكِ هو من باب حرصكِ على صحتها، أو من باب عدم يقينكِ أن الله عز وجل هو القادر على حفظها ورعايتها، والقادر على إجابة دعائكِ لها بأن يصرفها عن شرب الشيشة؟

صدِّقيني، صلاة ركعتين في جوف الليل مع دعاء نابع من القلب كافٍ كي يصرف الله عنكِ هذا البلاء.

وإن كان من باب خوفكِ على صحتها، فهناك على صفحات التواصل الاجتماعي تحذيرات كثيرة عن أضرار الشيشة، التي توصَّل إليها الطب اليوم، ويمكنكِ الاطلاع عليها، وبيان حُكْمها بهدوء لأختكِ، والأهم بيان حكمها الشرعي، وهذا من باب أولَى.

أما عن عدم التوكل الحقيقي على الله عز وجل، فلنشرح معنى التوكل على الله.

التوكل في الدين هو أن يفوِّض الإنسان أمره إلى ربه، ويكتفي به؛ لذلك كان معنى التوكل بلفظ التفويض في القرآن الكريم: ﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [غافر: 44].

التوكل فضيلة إسلامية مفروضة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]، وأيضًا قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 122]، تكررت ست مرات، في سورة آل عمران مرتين، ومرة في كلٍّ من المائدة، والتوبة، والمجادِلة، والتغابن.

والتوكل الحقيقي الصادق يجعل كل ما يسوقه الله إلى عبده طيبًا وطاهرًا وكريمًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23].

والتوكُّلُ على الله هو من أعظم العبادات تعلُّقًا بالأسماء والصفات التي يتعلق القلب بها، والدعاء باسمه الوكيل دعاء مسألة، فدعوات المكروب باسمه الوكيل؛ فعن أبي داود من حديث أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تَكِلْني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت)).

وفي المستدرك من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: ((ما يمنعكِ أن تسمعي ما أوصيكِ به؛ أن تقولي إذا أصبحتِ وإذا أمسيتِ: يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، وأصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدًا؟)).

أما دعاء عباده لاسم الله الوكيل يقتضي أنْ يُوقِنَ العبد أنَّ الله سطَّر في اللوح المحفوظ كل ما كان وما سيكون، وما لو كان كيف كان يكون، فيجب على العبد الإيمان بمراتب القَدَرِ؛ ألا وهي:

الإيمان بعلم الله الأزليِّ.

الإيمان بالكتابة في اللوح المحفوظ.

الإيمان بمشيئة الله.

الإيمان بخَلْقِ الله للأشياء.

فهذه مراتب القدر الأربعة يجب الإيمان بها، وأن كلَّ شيءٍ مُقدَّر من عند الله.

ففي حديث ابن عباس قال: ((كنت رِدْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالْتَفَتَ إليَّ فقال: يا غلام، احفَظِ الله يحفظْكَ، احفظ الله تجدْهُ تُجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام وجفَّتِ الصحف)).

وعن ابن عباس قال: ((كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إليَّ فقال: يا غلام، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة، قد جفَّ القلم بما هو كائن، فلو أنَّ الخَلْقَ كلهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يَقْضِهِ الله لك، لم يقدِروا عليه، أو أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله عليك، لم يقدروا عليه، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفَرَج مع الكَرْبِ، وأن مع العسر يسرًا)).

وفي الختام أتقدم لكِ ببعض النصائح:

1- تعلَّمي جميع العبادات علمًا صحيحًا قبل الدوام على العمل بها.

2- عليكِ الحرص على قيام الليل مع الإكثار من الاستغفار، والدعاء لله عز وجل في سجودكِ، بأن يثبتكِ بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.

3- عليكِ المثابرة على أذكار الصباح والمساء.

4- عليكِ تعلُّم أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، والدعاء بأسمائه، بعد التأكد من المصادر التي تعودين فيها لمعرفة أسمائه الحسنى الصحيحة.

5- الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، وبما سُطِّر في اللوح المحفوظ قبل خَلْقِ الزمان والمكان بخمسين ألف عام، فعليكِ زيادة الإيمان بقلبكِ بأن تتعلمي أركان الإيمان بالله، خاصة الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره؛ لأنكِ حينها ستكونين راضية بقضاء الله، وبمشيئة الله سيزول عنكِ كل خوف.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.