تعبت من الحياة وأريد أن أعيش كسائر الناس

منذ 1 سنة 421

تعبت من الحياة وأريد أن أعيش كسائر الناس


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/12/2022 ميلادي - 27/5/1444 هجري

الزيارات: 62



السؤال:

الملخص:

شاب يريد أن يعمل ويعول نفسه ويتزوج، لكن ظروف البطالة تمنعه من العمل؛ ما جعله يفكر في الانتحار، ويسأل: ما النصيحة؟

التفاصيل:

أنا شاب تعِبت من الحياة كلها، والآن أنا على حافة الانتحار، أعلم أن هذه المشكلة بسبب وقت الفراغ، وقد بحثت كثيرًا عن عمل حتى أنشغل به، وأعول نفسي وأتزوج، وتكون حياتي مثل سائر الناس، لكن مضت الحياة، ونسيت هذه الأفكار؛ فلم أجد عملًا، أنا أحافظ على أداء الفروض، لكنني أضعُفُ وتهاجمني أفكار الانتحار، وقد ذهبت إلى عدة أطباء دون فائدة، فهل إذا أنا انتحرت فسأُخلَّد في النار، ولن أدخل الجنة أبدًا؟ أرشدوني إلى حل مشكلتي.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتك هو:

١- تقول: إنك تعبت من الدنيا كلها، وقد فكرت في الانتحار، وأنت الآن على حافته.

2- وتقول: إن تفكيرك في الانتحار؛ لأنك بحثت عن عمل، ولم تجد بسبب البطالة المرافعة في بلدك.

3- تُعاني من فراغ كثير، وبسببه تهاجمك خواطر سيئة كثيرة، منها خاطرة الانتحار، وتسأل: هل المنتحر مخلَّد في النار؟

4- تقول: إنك تريد الزواج ولا تستطيعه بسبب عدم وجود مصدر للرزق.

5- تقول: إنك محافظ على الصلاة، ولكنك تضعف أمام الأفكار السيئة، ثم تسأل أن أدلك على ما يجب عليك فعله.

فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: اعلم - رحمك الله - أن الرزق بيد الرزاق سبحانه، وليس بيد البشر، واقرأ هذا الكلام الجميل الذي كتبه الأستاذ سعيد مصطفى دياب في شبكة الألوكة؛ قال الله تعالى: ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37].

بقدر يقينك بالله تعالى، وتوكلك عليه، وثقتك فيه وفيما عنده، يكون رزقك.

فإن الله تعالى ساق الرزق لمريم عليها السلام؛ لقوة إيمانها بالله، وعظيم ثقتها به، وكمال توكلها عليه.

نعم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37].

ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا، وتروح بطانًا))؛ [رواه أحمد والترمذي].

وآفة كثير من الناس التعلق الزائد بالأسباب، والركون إليها، مع الغفلة عن التوكل على الله.

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، اتقوا الله وأجملوا في الطلب؛ فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حلَّ، ودعوا ما حرم))؛ [رواه أحمد].

وبقدر إقبالك على الله تعالى وطاعته، يبارك لك في الرزق؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].

وهذه سنة كونية لا تتخلف أبدًا؛ قال تعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]، أقول: فإذا تيقنت بذلك كله، فاستمر في طلب الرزق، ولا تيأس أبدًا، واقنع ولو بالقليل.

ثانيًا: تفكيرك في الانتحار ليس نتيجة للفراغ ولا للضيق الرزق، بل هو نتيجة لضعف الإيمان بالقدر، ولضعف الصبر؛ ولذا فعليك تقوية إيمانك بالله سبحانه، وبالقدر وبالتوكل على الله عز وجل، وذلك بالإكثار من العبادات عمومًا، خاصة الصلاة، وتلاوة القرآن، والدعاء، والاستغفار، وطلب العلم النافع.

ثالثًا: اعلم - حفظك الله - أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، لا يتم الإيمان إلا به، والصبر واجب شرعي؛ لقوله سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾ [القمر: 49، 50]، ولقوله سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22].

ثم في الصبر ثواب عظيم؛ كما في قوله سبحانه: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].

رابعًا: تفكيرك في الانتحار من علامات اليأس والقنوط، والمنتحر يظن نفسه يهرب من المشاكل إلى الراحة، وهو في الحقيقة يُلقي بنفسه في العذاب الأليم؛ كما في الحديث؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بسُمٍّ فسُمُّه في يده، يتحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا))؛ [متفق عليه].

حفِظك الله، وفرَّج كُربتك، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.