♦ الملخص:
فتاة ثلاثينية كان بينها وبين أحدهم حبٌّ استمر خمسة عشر عامًا، ولم تكن ظروفها تسمح لها بالزواج وقتئذٍ، ثم تزوج هذا الشخص، وبعد زواجه تواصلا ويريدان الزواج، لكن ظروفه الآن لا تسمح؛ ما أصابها بألمٍ نفسي، وحال بينها وبين عبادة الله، وأحسَّت أن هذا عقاب من الله لها، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
منذ خمسة عشر عامًا كانت بيني وبين أحدهم قصةُ حبٍّ، لكن لم يُقدَّر لنا الزواج؛ لظروف كانت عندي، ثم إنه تزوَّج، وبعد زواجه بمدة، عاد ليتواصل معي، ثم انفضَّ الأمر؛ لأن تواصلنا لا يجوز، وبعد فترة طويلة من تركي له، ضعفت أمامه وعُدنا للتواصل، وأصبحت ظروفي سانحة للزواج، لكنه لم يعُد قادرًا، لم أعُد أحتمل غيرتي ولا ذنوبي، وعُوقبت بألمٍ نفسي، الموتُ أهون منه، فهل يغفر الله لي أو هذا جزائي الذي أستحق؟ وهل يصح لي أن أدعو الله أن يجمعني به في الحلال أو هذا ذنب يجب الاستغفار منه؟ تعِبت وأريده زوجًا، ولا أريد أن أعود لهذا التواصل المحرَّم، ولا أريد أيضًا أن يطول عمري إن لم يكن لي زوجًا، كنت فتاة ملتزمة منذ صغري، ولا أدري لِمَ ابتُليت بهذا البلاء، بل العقاب؟ أشعر أن الله غير راضٍ عني، وهذا الشعور يحول بيني وبين العبادة، وهذا أكثر ما يؤلمني؛ أن يكون الله قد غضب عليَّ وأوكلني إلى نفسي، فبِمَ تنصحونني؟ وجزاكم الله خيرًا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فإن الإنسان ليس معصومًا عن الخطأ والزَّلَلِ مهما كان، ولكن الْمُتَّقي هو من يبادر إلى التوبة والاستغفار؛ ولذلك قد شرع رب العزة والجلال لعبادِهِ التوبةَ والاستغفار؛ يقول سبحانه وتعالى في وصف عباده المتقين: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].
ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 27، 28].
وللتوبة شروط ثلاثة قرَّرها أهل العلم؛ وهي: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة.
والله سبحانه وتعالى يعلم ضَعْفَ عبدِهِ، وإمكانية وقوعه في الذنب مرةً أخرى؛ ولذلك ينادي عباده بهذا النداء الرحيم في كتابه الكريم: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((يَا أَيُّها النَّاس، تُوبُوا إِلى اللَّهِ واسْتغْفرُوهُ؛ فإِني أَتوبُ في اليَوْمِ مائة مَرَّة))؛ [رواه مسلم].
أختي الكريمة، أوصيكِ بالتفقُّه في دين الله سبحانه، ومعرفة الأحكام التعبدية، وعلاقة المسلم بربِّه تبارك وتعالى؛ حتى يعبده على نور وبصيرة، فإن الشيطان يستغل جهل المسلم بهذه الأحكام، وينفُث في نفسه السموم والأفكار الخاطئة حتى يتسلل اليأس، وربما استحكم في قلبه، وانظري كيف تسلَّلت إلى قلبكِ هذه الفكرة: إن الله سبحانه غير راضٍ عنك؛ هذه الفكرة من هَمَزات الشيطان الذي يريد لكِ الشعور بالقنوط من رحمة الله؛ حتى تُحجمي عن طلب مرضاة الله تبارك وتعالى، ومن ثَمَّ الانغماس في المزيد من الذنوب والخطايا، واعلمي أن للنفس مع العبادات إقبالًا وإدبارًا، وحال العباد جميعًا مع الطاعات في صعود ونزول؛ ولذلك أُمرنا بمجاهدة هذه النفس والصبر على ذلك؛ يقول الله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].
وأوصيكِ كذلك بالتفكُّر في حالكِ وتوسعة الأُفُقِ، وعدم حصر التفكير في مصدر واحد من مصادر السعادة، ولا شكَّ باحتياج الإنسان إلى الزواج؛ ولذلك اهتمت الشريعة الإسلامية بأمر الزواج وحثت عليه، ولكن علينا حماية أنفسنا من مصادر الزلل والوقوع في الخطأ، والاسترسال في الأمانيِّ التي ربما لن تتحقق، وعلينا كذلك دعاء الله سبحانه وبثُّ الشكوى إليه تبارك وتعالى، فبيده مفاتيح الفَرَجِ والتوفيق، والتيسير والسعادة.
أسأل الله للجميع التوفيق والسعادة، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.