هل تكفي التوبة العامة في نواقض الإيمان

منذ 2 سنوات 331

السؤال:

أنا فتاة أبلغ من العمر 23 عامًا، نشأتُ في أسرة لا تفقه الكثير في أمور الدين، قمتُ في حياتي بالكثير من الأفعال التي عرفتُ مؤخَّرًا أنها - والعياذ بالله - تُلزِم صاحبها الكفر: كسؤال الأولياء، والقسم بغير الله، و المجادلة في أشياء من السنة والشريعة، والذهاب للسحرة كثيرًا، حتى بعدما سمعت الحديث: أن من ذهب لكاهن أو عراف فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك من الكثير من الأمور التي لا أتذكرها الآن، والحمد لله قد تبتُ من كل ذلك بفضل الله ورحمته، و علمتُ مؤخَّرًا أن الكافر إذا أسلم يلزمه الغسلُ، فكلما تذكرتُ أَحَدَ هذه الأمورِ نطقتُ الشهادتين، واغتسلتُ منها، حتى بات الغسل عندي فيه وسوسة، فنويت أن أغتسل من كل شيء يُلْزِم صاحبَه الاغتسالَ، سواءٌ كنتُ أعرفُه أم أجهلُه، أتذكره أم أنساه، فهل هذا صحيح أو يجوز؟ و هل عليَّ أن أغتسل فيما قمتُ به يُلزِم الكفر، سواءٌ جهلًا أم تهاونًا مع اطمئنان القلب بالإيمان بالله؟ وهل يجب النطقُ بالشهادتين قبل الغسل؟ أفيدوني في القريب العاجل، أفادكم الله؛ فإني أصبحت أشكُّ - أحيانًا - في صلواتي، وصيامي، و غيرها من العبادات هل هي صحيحةٌ أم لا،،

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فالحمد لله الذي منَّ عليك بالتوبة، وأخذ بيدك إلى طريق الهداية، ثم اعلمي - رحمكِ الله - أن من وقع في بعض نواقض الإسلام، فإنه يكفيه للرجوع إلى الإسلام نطقُ الشهادتين عالمًا بمعناهما، موقنًا بهما، أما الغسل فليس شرطًا في صحة توبة المرتد اتفاقًا عند أهل العلم، وإنما اختلف العلماء هل هو واجب يأثم تاركه، أم هو مستحب فقط يثاب عليه ولا يأثم بتركه؟ على قولين:

فذهب المالكية والحنابلة إلى وجوب الغسل على الكافر الأصليِّ، والمرتد إذا أسلم، واستدلوا بحديث قيس بن عاصم: ((أنه لما أسلم أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل بماء وسدر))؛ رواه الخمسة إلا ابن ماجه.

قال ابن قدامة: "الكافر إذا أسلم، وجب عليه الغسل، سواء كان أصليًّا، أو مرتدًا، اغتسل قبل إسلامه، أو لم يغتسل، وُجِدَ منه في زمن كفره ما يوجب الغسل أو لم يوجد". اهـ من المغني (1 / 348).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن ثمامة أسلم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اذهبوا به إلى حائط بني فلان، فمُرُوه أن يغتسل))؛ رواه أحمد، وأصلُهُ في الصحيحين.

وروى ابن هشام في السيرة، والطبري في تاريخه: أن سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، حين أرادا الإسلام، سألا مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة، كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر؟ قالا: نغتسل، ونشهد شهادة الحق.

قال ابن قدامة - في "المغني" (1 / 349) -: "وهذا يدل على أنه كان مستفيضًا، ولأن الكافر لا يَسلَم - غالبًا - من جنابة تلحقه، ونجاسة تصيبه، وهو لا يغتسل، ولا يرتفع حدثُه إذا اغتسل، فأقيمت مَظِنة ذلك مَقامَ حقيقتَه، كما أقيم النومُ مقام الحدث، والتقاءُ الختانين مقامَ الإنزال". انتهى.

وذهب الحنفية والشافعية إلى استحبابه لا وجوبه، لأنه لو كان واجبًا لاشتهر مع كثرة من يُسلِم، والراجح هو القول الأول.

قال الشوكاني: "والظاهر الوجوب؛ لأن أمر البعض قد وَقَعَ به التبليغ، ودعوى عدم الأمر لمن عداهم لا يصلح متمسَّكًا؛ لأن غاية ما فيها عدمُ العلم بذلك، وهو ليس علمًا بالعدم". اهـ من "نيل الأوطار" (2 / 81).

يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "القول الأوَّل أقوى، وهو وُجوب الغُسْل؛ لأنَّ أمْرَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - واحدًا مِنَ الأمَّة بحُكمٍ ليس هناك معنى معقولٌ لتخصيصه به أمْرٌ للأمة جميعًا؛ إذ لا معنى لتخصيصه به، وأمْرُه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لواحد لا يعني عدم أمْرِ غيره به.

وأما عدم النَّقل عن كلِّ واحد من الصَّحابة أنه اغتسل بعد إسلامه، فنقول: عدم النَّقل، ليس نقلًا للعدم؛ لأنَّ الأصلَ العملُ بما أمر به النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - ولا يلزم أن يُنقلَ العمل به من كلِّ واحد". اهـ من كتب ورسائل للعثيمين (141 - 6 /7).

وعليه؛ فمن أتى ببعض نواقض الإسلام، فالواجب عليه التوبة والدخول في الإسلام، وذلك بنطق الشهادتين أولًا، ثم بعد ذلك الاغتسال؛ لأن الغسل عبادةٌ تحتاج إلى نية، والكافر ليس أهلًا لها، ولا يشترط التوبة لكل ذنب، ولا لكل ناقضة من نواقض الإسلام، بل تكفي التوبة العامة من جميع الذنوب.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - في "مجموع الفتاوى" (2 / 375) -:

"فمن تاب توبةً عامةً، كانت هذه التوبةُ مقتضيةً لغفران الذنوب كلِّها، وإن لم يستحضرْ أعيان الذنوب، إلا أن يُعارِض هذا العامَّ مُعارِضٌ يُوجِب التخصيص، مثل: أن يكون بعض الذنوب لو استحضره، لم يتب منه؛ لقوة إرادته إياه، أو لاعتقاده أنه حسن، ليس بقبيح، فما كان لو استحضره لم يتب منه، لم يدخل في التوبة، وأما ما كان لو حضر بعينه لكان مما يتوب منه، فإن التوبة العامة شاملتُه.

وأما التوبة المطلقة - وهي أن يتوب توبة مجملة ولا تستلزم التوبة من كل ذنب - فهذه لا تُوجِب دخولَ كل فرد من أفراد الذنوب فيها، ولا تمنع دخولَهُ، كاللفظ المطلق، لكن هذه تصلُحُ أن تكون سببًا لغفران المعيَّن؛ كما تصلح أن تكون سببًا لغفران الجميع؛ بخلاف العامة؛ فإنها مقتضيةٌ للغفران العامِّ، كما تناولت الذنوب تناولًا عامًّا". اهـ.

هذا؛ والله أعلم.

  • 0
  • 0
  • 14