رأينا في مقالي «محمود محمد شاكر يتملق سلامة موسى!»، كيف أن محمود محمد شاكر، هذا الرجل المتكبر والمتعظَّم والمتعجرف والتيّاه، صغّر نفسه إلى سلامة موسى في رده عليه بمقاله المنشور بمجلة «الرسالة» العدد 354، 15 أبريل (نيسان) 1940.
وكان قد بدأ ردّه بهذه العبارة المهذّبة: كتب «الأخ» الفاضل «الأستاذ» سلامة موسى... وهذه المعلومة لم أذكرها في ذلك المقال.
بعد ما يدنو من ربع قرن على كتابته هذا الرد، وبعد مضي 5 سنوات و5 أشهر تقريباً بدأ يسب سلامة موسى في مقالاته في الرد على بحث لويس عوض «على هامش الغفران»، الذي بدأ ينشره في سلسلة مقالات في الملحق الأدبي في جريدة «الأهرام»، ابتداءً من 16 أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1964، واستمر ينشرها إلى يوم 11 ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، رغم أن محمود محمد شاكر كان قد بدأ في الرد عليه في سلسلة مقالات نشر أولها في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 1964. وكان لويس عوض في ذلك التاريخ من جهة عمله الوظيفي يشغل منصب مستشار ثقافي في مؤسسة الإهرام.
مقالات محمود محمد شاكر كان ينشرها في جريدة «الرسالة»، وأول مقال من هذه المقالات تعرّض فيه لسلامة موسى كان المقال السادس (عدد المقالات 25 مقالاً، وكانت تنشر أسبوعياً)، وكان عنوانه «هذه هي القضية»، وقد نشر بتاريخ 31 ديسمبر 1964.
قال محمود محمد شاكر في هذا المقال: «وفي خلال هذه الفترة، نكبت مصر بمجلة صدرت بأموال يهودية خدع فيها كثير من الناس، كان مرادها أن تستولى على مصدر الثقافة في بلاد العرب، وتكون أداة توجيه لأغراض بعينها قبل غزو فلسطين في سنة 1948، وهذه المجلة هي التي يسميها لويس عوض بعد موتها بسنين، سنة 1954: المجلة الزهراء، الكاتب المصري، وذلك بعد أن انكشف أمرها للناس. ففي سنة 1946 و1947 جرّه إلى هذه المجلة أستاذه الروحي كما يسميه، سلامة موسى، فكتب 5 مقالات أو نحوها عن أدباء الإنجليز، كأوسكارد وايلد، وإليوت، وشو، وهي على ضعفها، وعلى سقم الترجمة فيها، وعلى ما فيها من الخطف الجريء من الكتب، كانت لا تعد شيئاً يذكر، ولكن يظهر أن سلامة موسى ظل ينفخ في تلميذه حتى انفجر سنة 1947 عن كتاب سماه (بلوتولاند وقصائد أخرى من شعر الخاصة)».
مجلة «الكاتب المصري» هي مجلة أدبية شهرية كانت تملكها عائلة يهودية مصرية ثرية، هي عائلة هراري، ورأس تحريرها طه حسین. صدر أول عدد منها في أكتوبر عام 1945، ثم توقفت عن الصدور بعد صدور آخر عدد منها، وهو العدد الثاني والثلاثون، في مايو 1948، وأُختلف حول توقفها: هل توقفت من نفسها أم أن الملك فاروق ومحمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء أوعزا الى طه حسين وإلى صاحبها إدجار هراري وشركاه، بأن تتوقف عن الصدور؟
محمد محمود شاكر شنع على هذه المجلة بأنها مجلة يهودية، وسيتكرر هذا التشنيع في اقتباسين من كلامه، سأوردهما فيما بعد.
التهمة التي وجهت إلى هذا المجلة قبيل صدورها ومع أول صدورها أنها أنشئت لمشايعة الفكرة الصهيونية وليس أن أصحابها يهود.
ففي ذلك الوقت كان لليهود مطبوعاتهم، كما أن هناك مطبوعات ذات تمويل يهودي فهم مواطنون مصريون، كما المسلمون والأقباط وبقية الطوائف المسيحية الأخرى.
تلك التهمة وجهها إليها - على سبيل المثال - إسماعيل مظهر في مجلة «المقتطف» المصرية، ووجهتها إليها مجلة «الصياد» اللبنانية، ونفى طه حسين هذه التهمة في تصريح له في مجلة «الاثنين» المصرية، وفي رسالة له نشرتها جريدة «البلاغ» الفلسطينية، رداً على رسالة كان قد كتبها إليه الأديب الفلسطيني خليل شطارة يستفسر منه عن صحة التهمة التي وجهتها مجلة «الصياد» اللبنانية إلى مجلة «الكاتب المصري». راجع مقال على شلش (هل كانت مجلة «الكاتب المصري» صهيونية؟) في كتابه «طه حسين مطلوب حيّاً و ميتّاً».
سلامة موسى لم يجر لويس عوض إلى الكتابة في مجلة «الكاتب المصري»، لأنه ليست له صفة تحريرية إدارية وفي هذه المجلة، بل هو من ضمن بعض أبناء جيله الذين کتبوا فيها، كتوفيق الحكيم، ومحمد عبد الله عنان، ومحمود عزمي، ومحمد كامل حسین، وحسين فوزي، وعلي أدهم، ومحمد رفعت، ومحمد عوض محمد، وسليمان حُزيّن... ومن ضمن بعض أبناء الجيل الذي تلاهم، كأحمد فؤاد الأهواني وشوقي ضيف ويحيى الخشاب وسهير القلماوي وبنت الشاطئ ومحمد سعيد العريان وسيد قطب.
لويس عوض كان من ضمن جيل الشباب الذين استكتبهم طه حسين، وقد تعرَّف على طه حسین علی المستوى الشخصي، وعرفه طه حسين على هذا المستوى أيام كان طالباً في كلية الآداب - قسم الأدب الإنجليزي في جامعة فؤاد ما بين عامي 1933 و1937، وكان لطه حسين فضل توجيهه إلى الدراسات اللاتينية والإغريقية، وهذا ما ينطق به إهداؤه المؤرخ بـ28 يونيو (حزيران) 1938، ترجمته لكتاب هوراس «فن الشعر» إلى طه حسين.
والمعلومات التي أوردها محمود محمد شاكر عن مقالاته في مجلة «الكاتب المصري» بعضها غير دقيق، فهو لم يبدأ الكتابة فيها، عام 1946، ولا كتب فيها عام 1947.
فهو بدأ الكتابة فيها ابتداء من العدد الثالث، الصادر في 1 ديسمبر 1945، وكان مقاله الأول عن أوسكار وايلد. وفي العدد الرابع الصادر في 1 يناير 1946، كان مقاله عن تي. إس. إيليوت. وفي العدد الثامن الصادر في 1 مايو (أيار) 1946، كان مقاله عن جورج برنارد شو. وفي العدد العاشر الصادر في 1 يوليو (تموز) 1946 كان مقاله عن جيمس جويس.
هذه كل المقالات التي كتبها في مجلة «الكاتب المصري».
وكان في أثناء كتابته لها يعمل مدرساً للأدب الإنجليزي في جامعة فؤاد بشهادة الماجستير في الأدب الإنجليزي الحائز عليها من جامعة كيمبردج عام 1943.
مجلة «الكاتب المصري»، كتب فيها كتاب من العراق وسوريا. ومن فلسطين كتب قدري طوقان فيها، ومن السعودية نشر حسين عرب فيها قصيدة، وكذلك حسين سرحان نشر فيها قصيدة.
يورد علي شلش في مقاله الذي أشرت إليه رأياً قالته عواطف عبد الرحمن في كتابها «الصحافة الصهيونية في مصر»، هذا الرأي هو قولها: «إسكات الأقلام والألسن المصرية الممثلة في القيادات الفكرية والثقافية عن محاولة توجيه اللوم أو الهجوم على اليهود، أو إثارة القضية الفلسطينية على صفحات الجرائد المصرية، لأن ذلك كان سيجرهم إلى مهاجمة اليهود، وكشف أهداف الحركة الصهيونية».
يعلق على شلش على رأيها هذا، فيقول: «من الجائز أن يكون شيء من هذا دار في أذهان أصحاب المجلة، ولكن ليس من الجائز أن يدور في ذهن طه حسین وكتابها، ومنهم غلاة المعادين للصهيونية مثل محمد عوض محمد وسيد قطب».
في مقاله التاسع عشر «باب الفحص عن أمر دمنة» المنشور بتاريخ 3 يونيو 1965، كرر محمود محمد شاكر الكذبة التي قالها عن سلامة موسى ولويس عوض في الاقتباس الأول، فقال: «حين وضع الحبل في عنقه شيخه البائس المسكين التالف سلامة موسى، وجرّه إلى المجلة اليهودية التي كانت تصدر في مصر، باسم (الكتاب المصري)، كما بينت ذلك في المقالة السادسة».
وفي مقاله العشرين «تتمة الفحص عن أمر دمنة»، المنشور بتاريخ 10 يونيو 1965، كررها للمرة الثالثة عنهما. يقول في هذا المقال: «هذا مختصر تاريخ أجاكس عوض، بلا حواش، وبلا زينة ، وبلا دكتوراه!».
«وهذه هي حقيقة صورته التي تلتف عليها تجاليده، والتي من أجلها اختاره من اختاره ليكون، فيما يتوهمون خليفة للتالف القديم، والمبشَّر المحترق، الذي لا يزيد عقله كثيراً ولا قليلاً عن عقل أجاكس عوض المعروف عند الناس باسم سلامة موسى. وسلامة موسى هذا هو الذي وضع الحبل في عنقه حين اختاروه، وجرّه من حومة الخمول والتفاهة، إلى الظهور في المجلة اليهودية المعروفة باسم (الكاتب المصري)، وذلك في سنة 1946 - 1947، تمهيداً لإعداده للمهمة التي يباشرها اليوم، وهي مهمة (المبشَّر الثقافي) في صحيفة (الأهرام)».
ومما قاله في سب الاثنين معاً، سلامة موسى ولويس عوض، قال ما يلي:
في المقال السادس الذي تقدم ذكر عنوانه، قال: «وبمهارة أمثاله من الأذكياء، كسلامة موسى، ولويس عوض نسخة منقحة منه، كما سنرى، انتقل فجأة دون أن يفتينا فتوى صريحة في جواز ترجمة القرآن إلى العامية المصرية!! فقال بعد ذلك مباشرة: ...».
وقال في المقال نفسه: «ومترجم الإنجيل إلى العامية لأقباط مصر، وليم ولككس، المهندس المبشر الذي كان مقيماً بمصر، والذي وصفه التالف القديم، سلامة موسى، في كتابه الذي ملأه بذاءة على العرب والمسلمين، وسماه (اليوم والغد)، قال: .. ». ثم يقول محمود محمد شاكر بعد أن أورد نص ما قاله سلامة موسى في تثمين دعوة ولككس إلى الكتابة والتأليف بالعامية عن لويس عوض: «فهذه الدعوة كانت قائمة في إنجلترا في الجامعات التي تدرّس المشرقيات، وفي مراكز التبشير، قبل أن يولد هذا الداعية الجديد، وهو بلا شك لم يفكر، ولم ينتبه إلا بمنبِّه شديد في جامعة كمبردج أو أحد مراكز التبشير هناك، وأخذ العهد والميثاق على نفسه أن يكون داعية، في هذه الحرب الخالصة لوجه السيادة الأوروبية على بلاد العرب والمسلمين. وكأنهم اختاروه ليكون بديلاً من ذلك المتسرّع الجريء الوقح السليط اللسان، سلامة موسى، أيام كان شاباً مندفعاً يقول منذ ثمان وثلاثين سنة في كتابه (اليوم والغد): ينبغي أن لا يغرس في أذهان المصري (كذا) أنه شرقي، فإنه لا يلبث أن ينشأ على احترام الشرق وكراهة الغرب، وينمو في نفسه كبرياء شرقي، ويحس بكرامة لا يطيق أن يحرجها أحد الغربيين بكلمة. ثم يقول بلا عقل!: الرابطة الشرقية سخافة، الرابطة الدينية وقاحة، والرابطة الحقيقية هي رابطتنا بأوربا. وقائل هذا هو الأستاذ الروحي للويس عوض، كما قال هو بلسانه!».
وقال في مقاله التاسع «وهذه هي أخبارها»، المنشور بتاريخ 22 يناير 1965 عن سلامة موسى: «وكان الصبي القديم، سلامة قد هرم وصار كهفاً لأغيلمة المبشرين».
وقال عنهما في مقاله العاشر «وهذه هي أخطارها»، المنشور بتاريخ 29 يناير 1965: «أما الدعاة إلى ذلك، كصبيان المبشرين أمثال التالف سلامة موسى، ولويس عوض ومن سأذكرهم فيما بعد».
وقال عنهما في مقاله الحادي عشر (وأيضاً) المنشور بتاريخ 4 فبراير (شباط) 1965: «منذ أن كان الغبي سلامة موسى إلى أن كان لويس عوض وشيعته من صبيان المبشرين».
في مقاله الخامس عشر «وأقول نعم!» المنشور بتاريخ 18 مارس (آذار) 1965، ضم إليهما غالي شكري سبّاً، فقال: «وهي طريقة في التعريض بما تكنه النفوس، فاشية عند المستشرقين والمبشرين، وفاشية عند المستشار الثقافي وعند ساحبه من عنقه سلامة موسى، وعند ذيله وحامل حقيبته غالي شكري وأما شطر (السيف أصدق أنباء من الكتب)، فهو أيضاً مطروح على لسانه وعلى لسان قائده من عنقه، كلاهما ذكره، وكلاهما شرح معناه هذا الشرح المدهش، لأنهما لم يفهما شيئاً، ولا قرآ شيئاً، ولا أظن أن أحدهما كان قادراً على أن يفهم إلا بمُفْهم، ولا أن يقرأ إلا بمقرئ، لأنهما جميعاً من معدن واحد، لا علاقة له بالأدب والفن، لا في العربية ولا في غير العربية».
وقال عن الثلاثة في هذا المقال: «ولا أدري بعد ذلك: ما الذي تريده مؤسسة (الأهرام) من نشر هذه البلايا على الناس بلا توقف، وبلا مراجعة! ومع ذلك فإن كل شيء معاد مكرر، منذ سلامة موسى، إلى لويس عوض، إلى غالي شكري، إلى سائر التوابع».
قبل أن آتي بالاقتباس الأخير فيما قاله محمود محمد شاكر عن سلامة موسى، ينبغي أن أصحح خطأً شائعاً يتعلق بعدد الطبعات الأولى للكتاب الذي جمع فيه محمود محمد شاكر مقالاته في الرد على لويس عوض، وهو كتاب «أباطيل وأسمار».
وسأختار لمعالجة هذا الخطأ كتاب «جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر» التي جمعها وقرأها وقدم لها تلميذه الدكتور عادل سليمان جمال، وأصدره في جزأين.
ففي تقديمه لهذا الكتاب - وهو يحكي قصته مع جمع مقالات أستاذه - يروى أنه استحثه ليجمع مقالته في الرد على لويس، قائلاً له: «إني أظن ظناً أشبه باليقين أن لويس عوض سوف ينشر مقالاته هذه في كتاب، وسيكون بين أيدي الناس في هذا الزمان ومستقبل الأيام إلى ما شاء الله، فإن لم تفعل كما سيفعل، فسوف ينشر هذا العلم الفاسد الذي ضمنه كتاب بين طلاب العلم الناشئين والغافلين، ويأخذونه على محمل الجد...».
يكمل ما يروي، فيقول: «تعمدت إثارة هذا الأمر في ندوة يوم الجمعة، وسرني أن بعض الحضور كانوا قد سبقوني إلى اقتراح ذلك على الأستاذ خلال مكالمات هاتفية، وكان الدكتور محمد رشاد سالم والأستاذ عبدالرحمن شاكر من أشد الناس تأييداً وتعضيداً. وبعد لَأْي وافق الأستاذ شاكر على جمع المقالات».
كتب الدكتور عادل في الهامش معلومة ببليوغرافية قال فيها: «نشر الجزء الأول بعنوان (أباطيل وأسمار) سنة 1965، ثم صدرت الطبعة الثانية سنة 1972 عن (مطبعة المدني)، القاهرة».
ومع التغاضي عن النقص في الشطر الأخير في هذه المعلومة، ذلك أن طبعة سنة 1972، ضُم إليها جزء ثانٍ، وهو بقية مقالاته في الرد على لويس عوض التي لم يتضمنها الجزء الأول، لأن هذا النقص تسده إشارة الدارسين في الإحالات المرجعية إلى أن هذه الطبعة مكونة من جزأين بخلاف الطبعة الأولى، طبعة عام 1965، المكونة من جزء واحد، أقول مع التغاضي عن هذا النقص، فإن طبعة سنة 1972 ليست هي الطبعة الثانية، بل هي الطبعة الثالثة.
فالجزء الأول طبع طبعتين، طبعة سنة 1965، وهي الطبعة الأولى، وطبعة سنة 1969، وهي الطبعة الثانية. وعليه فطبعة سنة 1972، تكون الطبعة الثالثة. ومصدر الخطأ أو التضليل، هو الجهة الناشرة، (مطبعة المدني)، وصاحب الكتاب محمود محمد شاكر.
في الطبعة الأولى للجزء الأول من كتابه، كتب مقدمة سماها بـ«عرض الكتاب»، وأرخ لكتابتها بأنه كتبها في 11 يوليو (تموز) 1965. وفي الطبعة الثالثة كتب مقدمة سماها بـ«رسالة الكتاب».
يقول محمد شاكر في مقدمة الطبعة الأولى: «ويومئذ أيقنت أن الأمر لم يأت اتفاقاً ولا مصادفة، فالرائحة التي كنت أشمها من هدوم القسيس زويمر، ومن أسمال التالف سلامة موسى، هي الرائحة التي وجدتها في (بلوتولاند وقصائد أخرى) ثم في (على هامش الغفران)».
لن أتناول بالرد الاتهامات الدينية والسياسية والوطنية والثقافية والأخلاقية الخطيرة التي وجهها إلى سلامة موسى وإلى لويس عوض، لأنها محض تلفيقات واختلاقات وافتراءات وأكاذيب. وأستثنى من ذلك نقله ما قاله سلامة موسى في كتابه «اليوم والغد».
لجأ محمود محمد شاكر في آخر ما نقله من كلام لسلامة موسى في كتابه «اليوم والغد» إلى الاختصار. «وكان الاختصار في هذه العبارات الثلاث: الرابطة الشرقية، الرابطة الدينية، والرابطة الحقيقية هي رابطتنا بأوربا».
هذا الاختصار كان مخلّاً، ويحتاج إلى إيضاح لسياق العبارة الأولى والعبارة الثانية، وهذا السياق سياق تاريخي مصري حديث.
قبل سنوات قليلة من إصدار سلامة موسى كتابه «اليوم والغد» في عام 28، كانت قد أنشئت جمعية «الرابطة الشرقية» في مصر.
وهذه الجمعية دعت إلى قيام تكتل ما بين بلدان الشرق في مواجهة دول أوروبا الاستعمارية. ومع أن هذه الدعوة كانت دعوة فضفاضة، وتستند إلى وعي مغلوط وزائف بأوضاع بلدان الشرق وثقافاته المختلفة وتواريخه غير المتجانسة، إلا أن بعض تعابيرها الخاطئة شاعت بين النخب والعاديين في مصر، كالرجل الشرقي والمرأة الشرقية وعاداتنا الشرقية ومجتمعنا الشرقي... وهذه التعابير المنطلقة من مفهوم غير صائب انتقلت من مصر إلى بقية البلدان العربية.
وسأوضح الهشاشة في الدعوة إلى «الرابطة الشرقية» حين الحديث عن نقد محمد جلال كشك لسلامة موسى ولويس عوض وغالي شكري.
سلامة موسى في فقرة من فقرات خاتمة كتابه، قال: «إني أعتقد أننا لو كنا شرقيين حقاً، لكانت هذه الرابطة من أسخف الروابط، فإن جميع الدول الشرقية التي تدخل في هذه الرابطة من العجز بحيث لا تنفع نفسها، ولا تستطيع رد عادية الأجنبي المستعمر عنها، فكيف تدفع عن غيرها هذه العادية؟ أجل، كيف يقود الأعمى أعمى، وكيف يحمل الأعرج أعرج». وكان عنوان هذه الفقرة «الرابطة الشرقية سخافة»، فالسخافة المقصود بها التعليل الذي على أساسه أقام أصحاب «الرابطة الشرقية» دعوتهم.
وهذا لا يمنع من القول إن بعض ما جاء في تفنيد سلامة موسى لدعوتهم فيه تعليلات مضحكة وساذجة وسخيفة وقبائح تتناقض وآيديولوجيته الإنسانية والإنسانوية التي سمَّاها هو: البشرية.
ولا غرابة في هذا، فسلامة موسى على موسوعيته في الثقافة وأصالته في التفكير والأفكار، كثيراً ما يكون تحليله محدوداً وسطحياً وضحلاً. وللحديث بقية.