♦ الملخص:
شابٌّ يمارس العادة السرية مع الفتيات عبر مواقع التواصل، ولما تاب الله عليه، وترك الأمر، شعر بهمٍّ وضيق ومرض؛ ما جعله يفكر في الانتحار، وآيسه من رحمة الله، ويسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
أنا شاب في الثانية والثلاثين من عمري، أشاهد الأفلام الإباحية، وأراسل الفتيات عبر مواقع التواصل، تعرفت على فتاة أكبر مني بسبع سنوات، ولمدة ثمانية أشهر كنا نتراسل، ونتكلم في أمور الجنس، ونتبادل الصور الجسدية، ونمارس العادة السرية، وفي كل مرة أتوب من الأمر، يغريني الشيطان، فأعود، حاولت التقدم لفتاة بغرض الاستعفاف، ونويت أن أترك ما أنا عليه، لكن كان هناك من سبقني إلى التقدم إليها، وبعدها عُدت للحديث مع تلك الفتاة، وأرسلت لي جسدها كاملًا، ومارسنا العادة، ثم حظرتها وحظرتني، وبعد هذه الحادثة، انقلبت حياتي رأسًا على عقب، فركبني الهم والضيق والمرض، وفقدان الرغبة في العمل، والبعد عن الله، وشعرت أن ذلك عقاب من الله، وأخشى أن يفتضح أمري؛ لأنني ارتكبت هذا الذنب لمدة طويلة، وهو يسترني، ولأنني مصاب بالوسواس القهري حسب تشخيص المعالج النفسي، ولأني أتناول أدوية نفسية منذ 2013؛ فإني أُضخِّم الذنب، وأشعر بغضب الله عليَّ، وألوم نفسي كل ثانية، وأصابني اليأس، وأصبحت أرى نفسي لا تستحق الحياة، ففكرت في الانتحار، ولا تستحق الزواج، فلم أعُد أفكِّر فيه، بل تستحق أن تُلقى في جهنم؛ لأن الله أنعم عليَّ بنعم كثيرة، وأنا مستمر في المعصية، أرشدوني، وادعوا الله لي؛ فأمِّي خائفة عليَّ كثيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ أما بعد:
فلا أدري هل كل ما أنت فيه سببه الجهل، أم الفساد الذي أوصلتنا إليه قنوات التواصل الاجتماعي هي السبب، أم سوء التربية في محيط أسرتك، أم البيئة عمومًا التي تعيش فيها هي السبب؟
قبل أن أبدأ بالرد على الشكوى الواردة في الاستشارة، أحب أن أشير معك إلى اسم الله السِّتِّير؛ ففي حديث عن النسائي وصححه الألباني: ((إن الله عز وجل حليم حَيِيٌّ سِتِّير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فلْيَسْتَتِرْ))؛ [النسائي في الغسل، باب الاستتار ثم الاغتسال، حديث رقم: 406].
والستير سبحانه هو الذي يحب الستر، ويُبغِض القبائح، ويأمر بستر العورات، ويُبغض الفضائح، يستر العيوب على عباده، وإن كانوا بها مجاهرين، ويغفر الذنوب مهما عظمت، طالما كان عبده من الموحدين، وإذا ستر الله عبدًا في الدنيا، ستره يوم القيامة؛ ففي حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يستر الله على عبدٍ في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة))؛ [مسلم في البر والصلة والأدب]، وروى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل أمتي معافًى إلا المجاهرين، وإن من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عمِلت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه))؛ [البخاري في الأدب، باب ستر المؤمن على نفسه: 5721].
وأيضًا عند البخاري من حديث عبادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله، فهو إلى الله وإن شاء عاقبه))؛ [البخاري في الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار: 18].
يا أخي، ستر الله عليك، والله وحده العالم بمعصيتك، فترسل لتسأل عن هذه الفاحشة؛ لهذا قلت هل بسبب الجهل؟ ألَا تعلم أن الله الستير ستر عليك هذه المعصية؟ فالحديث واضح وصريح، اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن أصاب شيئًا منها، فليستتر بستر الله تعالى، ولْيَتُبْ إلى الله تعالى، فإنه ((من يُبْدِ لنا صفحته نُقِم عليه كتاب الله))؛ [أخرجه الحاكم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه مالك في الموطأ مرسلًا عن زيد بن أسلم].
والله عز وجل يعفو عن المذنب الذي لم يجاهر، ويقبل التوبة؛ قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
فيا يا أيها الأخ الكريم، تُبْ إلى الله عز وجل، وها هو شهر التوبة والمغفرة، والرحمة والعتق من النار يَهُلُّ علينا، عُدْ إلى الله عز وجل، وتُبْ إليه من هذه الذنوب، فإن الله يغفر الذنوب، تُبْ إلى الله عز وجل، واستر على معاصيك، واجعلها دومًا بينك وبين الله، ولا تخبر بها أحدًا، فتُسلِّم مفاتيح شخصيتك لمن لا يرحم؛ فالله عز وجل بفضله ومَنِّه علينا جعل لنا في السجود له، والتضرع والإنابة إليه، وطلب المغفرة منه وحده لا شريك له، والاستعانة به على ترك هذه المعصية، وعدم العودة إليها، وأن يعينه على ترك هذه المعصية بأن يرزقك الله الزوجة الصالحة، وسنتحدث عنه في نهاية الإجابة عن استشارتك.
أما بالنسبة للوسواس القهري، وذهابك إلى المعالج، وتناولك الدواء المناسب لهذا الداء، فأنا لست طبيبة معالجة، ولكن يمكنني مساعدتك بالتخلص من وساوس الشيطان، التي أوَّلُها الجهل، فهو أول مدخل من مداخل الشيطان، فالوسواس من الشيطان: ﴿ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾ [الناس: 4]، والواجب عليك معرفة جميع مداخل الشيطان، وما يوسوس به للإنسان، والتضرع إلى الله لكي يعيذك من الشيطان، فالاستعاذة من الشيطان في جميع المواطن التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من آداب الطعام واللباس، والشراب والنوم، والخلاء والخروج من المنزل والسفر، وغيرها من الاستعاذات.
عليك أن تجاهد نفسك الأمَّارة بالسوء، وأن تُغلِقَ عليها أبوابَ الهوى ووسوسة الشيطان، وها نحن في شهر رمضان الذي تُصفَّد فيه الشياطين، ومن ثَمَّ فإن طاعتك بالصيام والقيام تُعينك على مجاهدة النفس الأمارة بالسوء، وبعد غلق باب الوسواس من الشيطان، نتحدث عن الوسواس القهري، الذي يعتبره أطباء النفس مرضًا يعتري الشخص، وهذا من اختصاص المعالج أو الطبيب النفسي المسلم، لكي يعينك على تخطِّي هذه المحن.
فعافاك الله من هذا البلاء وشفاك مما ابتُليت به، واعلم أن البلاء والابتلاء وكل شيء في هذا الوجود، فإنه من قضائه وقدره يبتلي عباده، ويختبرهم بالخير والشر؛ ليُظهِر المطيع، ويتميز عن العاصي؛ قال تعالى: ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأعراف: 168]، وقال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35].
وقال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]، ولكن الله تعالى بيَّن الطريقين: الخير والشر؛ ليختبر عباده من سيسلك طريق الخير، ومن يتيه في طريق الشر ويضل؛ قال تعالى: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10]، كما يمكنك الاستعانة بالعودة لكتابي: (كيف تقود نفسك للنجاح)؛ حيث يمكنك إيجاد الرابط عبر شبكة الألوكة لتتعرف إلى كيفية السيطرة على النفس الأمارة بالسوء والتغلب عليها، وكيف تستطيع إغلاق أبواب ومداخل الشيطان.
نعود إلى باب التوبة، فذاك الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، وأتمها إلى المائة، تاب الله عليه؛ والشاهد من الحديث هو سؤال العالم عن التوبة، فيقول لك: باب التوبة مفتوح لك ما لم تُغَرْغِرِ الروح؛ ففي رواية مسند الإمام أحمد، حدثني أخشن السدوسي يقول: ((والذي نفسي بيده، لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله، لَغَفَرَ لكم، والذي نفس محمد بيده، لو لم تخطئوا، لجاء الله بقوم يخطئون، ثم يستغفرون الله فيغفر لهم))؛ [مسند أنس بن مالك رضي الله عنه، حديث رقم: 13493، صحيح لغيره].
فباب التوبة مفتوح حتى لو تكرر الذنب، وتكررت التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها، مع الدعاء المستمر: ((اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي))؛ [أبو داود في كتاب الأدب، باب: ما يقول إذا أصبح، حديث رقم: 5074]، وروى الترمذي وحسنه الشيخ الألباني من حديث مرسي بن طلحة، عن أبي اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه قال: ((أتتني امرأة تبتاع تمرًا فقلت: إن في البيت تمرًا أطيب منه، فدخلت معي إلى البيت، فهويت إليها فقبَّلتها، فأتيت أبا بكر فذكرت له ذلك، قال: استر على نفسك وتُبْ، ولا تخبر أحدًا، فلم أصبر فأتيت عمر فذكرت ذلك له، فقال: استر على نفسك وتُبْ، ولا تخبر أحدًا، فلم أصبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك فقال له: أخلفتَ غازيًا في سبيل الله في أهله بمثل هذا، حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة، حتى ظن أنه من أهل النار، قال: وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلًا حتى أوحى الله إليه: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114]، قال أبو اليسر: فأتيته فقرأها عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أصحابه: يا رسول الله، ألهذا خاصته أم للناس عامة؟ قال: بل للناس عامةً))؛ [الترمذي في تفسير القرآن، باب: ومن سورة هود (3115)].
فرَّج الله همك، ونفَّس كربك، وستر عيبك، ورزقك الله الزوجة الصالحة لتقَرَّ عينك بها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.