(CNN)-- عندما بدأت مفاوضات إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين بعد وقت قصير من هجوم "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان المفاوضون المكلفون بإبرام اتفاق في الغالب من خبراء الاستخبارات والأمن.
ولكن في فبراير/شباط، أجرت إسرائيل تغييرا مهما يقول المشاركون فيه الآن إنه كان له تأثير كبير على تباطؤ مفاوضات إحياء وقف إطلاق النار المنتهك: تولى رون ديرمر، أقرب مساعد سياسي لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو مسؤولية الملف.
وقال مصدر مشارك في المفاوضات، لشبكة CNN، إن هناك "اختلاف كبير في الزخم" مع ديرمر عما كان عليه الحال عندما كان الفريق الإسرائيلي بقيادة رئيسي الاستخبارات (الموساد) ديفيد برنياع و(الشاباك) رونين بار.
وقال المصدر: "هناك تحول واضح في الأولويات الإسرائيلية، يبدو أن الفريق الإسرائيلي يُسيّس المفاوضات".
الآن، تم تهميش برنياع وأقال رئيس الوزراء، بار من الشاباك، مما أثار ضجة في إسرائيل.
وقال مصدر إسرائيلي مطلع على المفاوضات إن قرار استبعاد خبراء الأمن القومي المحترفين لصالح أقرب مستشاري نتنياهو كان يهدف إلى منحه سيطرة أكبر على عملية التفاوض.
ونفى مسؤول إسرائيلي مزاعم بأن منصب ديرمر على رأس المفاوضات قد أعاق التقدم أو سيّسها، قائلاً: "يجب الحكم على المفاوضات بالنتائج، لا بالإجراءات".
وقال المسؤول: "للتوصل إلى اتفاق، نحتاج إلى شخص يمثل إرادة الحكومة فعليًا ويوافق على الاتفاق المذكور، وليس المعارضة، التي لم تؤدِ إلا إلى تقويض المفاوضات".
وانهار وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل و"حماس"، والذي بدأ مع تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه، الشهر الماضي عندما استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية، واتهم مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون "حماس" برفض اتفاق لتمديده، وهو ما نفته الحركة.
لطالما كانت هناك مؤشرات على أن إسرائيل تخطط لاستئناف حربها ضد "حماس" بعد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، والتي تم خلالها إطلاق سراح 38 رهينة إسرائيليًا وتايلانديًا على مدى 6 أسابيع.
ويشير نتنياهو بانتظام إلى تحرير الرهائن كأولوية قصوى لكن تدمير"حماس" هو أيضًا أولوية قصوى، وقد اتهمه منتقدوه بإعطاء الأولوية للأخيرة على حساب الأولى، وذلك لأن هذا أيضًا هو محور المصالح السياسية لرئيس الوزراء.
ولطالما كان تدمير "حماس" أولوية كبار أعضاء اليمين في ائتلاف نتنياهو الحاكم، الذين هددوا دائمًا بالانسحاب من الحكومة، ونفذوا تهديداتهم.
ومع تولي ديرمر مسؤولية المفاوضات، يمكن لنتنياهو إدارة عملية التوازن السياسي الدقيقة التي أثرت على صنع القرار الإسرائيلي في كل منعطف حاسم في مفاوضات وقف إطلاق النار بمهارة أكبر.
وخلال أشهر مفاوضات وقف إطلاق النار العام الماضي، والتي أفضت في النهاية إلى اتفاق في يناير، رفض مسؤولو الأمن الإسرائيليون مواقف نتنياهو المتغيرة وتكتيكاته المماطلة التي رأوا أنها متأثرة باعتبارات سياسية وأخرت التوصل إلى اتفاق لكن مع تولي ديرمر المسؤولية وتهميش قادة الاستخبارات، تراجعت أهمية هذه الآراء المعارضة في المفاوضات الأمنية الإسرائيلية وفي التقارير الصحفية الإسرائيلية.
وأثناء زيارته للولايات المتحدة للقاء ترامب في وقت سابق من هذا الأسبوع، رفض نتنياهو الاتهامات بأن تحرير الرهائن ليس أولوية قصوى.
وقال نتنياهو: "نظر إليّ الرئيس وقال للصحفيين الحاضرين: هذا الرجل يعمل بلا كلل لتحرير الرهائن. آمل أن يُبدد هذا الكذبة التي تُروّج بأنني لا أعمل لصالحهم، وأنني لا أهتم. أنا أهتم، وسأفعل ذلك، وسننجح".
ووجه منتدى الرهائن وعائلات المفقودين في إسرائيل مؤخرًا نداءً مباشرًا إلى ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية، متهمًا إياه بـ"تركهم في ظلام دامس".
وجاء في الرسالة: "عندما عُيّنتَ رئيسًا لفريق التفاوض، وُعِدنا بأن هذا سيساعد في تحقيق انفراجة بشأن اتفاق جديد، وفي الواقع، مرّ أكثر من شهر ولا يبدو أن هناك أي تقدم في الأفق".
وكان برنياع وبار يتنقلان بانتظام إلى مصر وقطر، بالإضافة إلى دول أخرى، لإجراء محادثات لوقف إطلاق النار، شارك فيها رؤساء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) والاستخبارات المصرية ورئيس وزراء قطر.
أما الآن، فقد قلّ حديث ديرمر مع وسطاء من مصر وقطر، اللتين تربطهما علاقات مباشرة مع "حماس"، وفقًا للمصدر المشارك في المفاوضات.
كما انتقلت مسؤولية قيادة الوفد الأمريكي من مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق إلى مبعوث إدارة ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي اتهم "حماس" بالتعنت الذي تسبب في انهيار وقف إطلاق النار الأخير.
وقال المصدر الأمريكي الذي يعمل مع عائلات الرهائن: "إذا كنتَ من فريق ترامب، فأنتَ تُلقي باللوم على حماس، لكنني أعتقد أنهم يحاولون، خلف الكواليس، الضغط على كلا الجانبين".
ولم يرد متحدث باسم ويتكوف على طلب التعليق فورًا.
مفاوضات جارية لإطلاق سراح الرهائن
حاول ويتكوف ومبعوث الرهائن الأمريكي آدم بوهلر إيجاد صيغ لدفع "حماس" لإطلاق سراح الأمريكيين المتبقين - أحدهم حي و4 قتلى - وتمديد الهدنة بما يكفي لمحاولة التفاوض على المرحلة التالية.
وقال مسؤول مصري: "تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين الأحياء والأموات، وهو ما يُحتم الاتفاق"، وفي حين أن إسرائيل "لا ترى أن إطلاق سراح الرهائن يُغني عن كسر حماس".
ووافقت "حماس" مؤخرًا على مقترح مدعوم من مصر وقطر، وهو ما يعكس مقترحا قدمه ويتكوف الشهر الماضي، يقضي بالإفراج عن الرهينة الأمريكي الوحيد، عيدان ألكسندر، مع 4 آخرين، وتمديد فترة السلام حتى رمضان وعيد الفصح.
وسارعت إسرائيل بالرد، مطالبةً بالإفراج عن 11 رهينة، أي ما يقرب من نصف الرهائن الـ 24 المتبقين.
وهذا من شأنه أن يُضعف بشكل كبير ما تعتبره "حماس" أكبر نفوذ لها على إسرائيل.
وقال دبلوماسي مطلع على المحادثات: "ما زلنا نعمل على خطة ويتكوف للتمديد، وأعتقد أن لدينا هامشًا للمناورة يمكننا العمل عليه".
وأرجأت إسرائيل في بداية وقف إطلاق النار إطلاق مفاوضات المرحلة الثانية التي نصت شروطها على إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، ووقف إطلاق نار دائم، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.
وكان من الممكن أن يعني ذلك بقاء "حماس"، وحتى لو لم تكن في السلطة، ويتعارض مع هدف نتنياهو المتمثل في "النصر الكامل"، وكان ذلك ليهدد حكومة نتنياهو أيضًا.
لم تبدأ محادثات المرحلة الثانية قط.
وقال المصدر الأول المشارك في المحادثات: "لا يوجد وضوح بشأن الهدف الإسرائيلي"، مضيفًا: "الأمريكيون بدأوا ينفد صبرهم".
ومع تجاوز عدد القتلى في غزة جراء العمليات الإسرائيلية الأخيرة 50 ألف قتيل، كانت هناك تحركات واعدة لإحياء وقف إطلاق النار، وفقًا للمشاركين.
وقال مسؤول أمريكي مطلع على المفاوضات إن "حماس" تشعر بالضغط، سواء من الجيش الإسرائيلي أو من الاحتجاجات واسعة النطاق التي يقودها الفلسطينيون في غزة.
وقال المسؤول الذي اتهم "حماس" بإضاعة الفرص الأمريكية الشهر الماضي للحفاظ على استمرار وقف إطلاق النار: "حماس تكافح من أجل الحصول على فرصة لالتقاط الأنفاس إنهم ليسوا سريعي التحرك".
وقال المصدر المشارك في المفاوضات: "هناك شعور حقيقي بالإلحاح والضغط من جانب الأمريكيين والوسطاء المصريين والقطريين".
وفي محاولة لإنقاذ وقف إطلاق النار، اتخذ مبعوث الرهائن بوهلر خطوة غير مسبوقة: الاجتماع مباشرةً مع مسؤولين من "حماس"، التي تعتبرها الولايات المتحدة منظمة "إرهابية".
وأثار هذا الاجتماع غضب المسؤولين الإسرائيليين، وخاصة ديرمر، حسبما أوردت تقارير.
وأكد بوهلر أنه تحدث مع ديرمر بعد الاجتماع ودافع عنه، قائلاً لشبكة CNN: "لسنا عملاء لإسرائيل".
ومع هزيمة معظم قيادات "حماس" داخل غزة، ليس من الواضح ما إذا كانت القيادات العسكرية التي ما زالت تقاتل إسرائيل على نفس مستوى القيادات السياسية التي تتواصل مع الوسطاء، بمن فيهم بوهلر، وفقًا للمصدر المشارك في المفاوضات.
وقال المصدر: "العناد لدى حماس غير مفيد أيضا، إنهم بحاجة إلى مراعاة الوضع الإنساني المتردي في غزة".
في هذه الأثناء، تستمر المفاوضات مع الفريق الإسرائيلي بقيادة ديرمر، والذي لا يزال يضم خبراء أمنيين يعملون على التفاصيل الفنية.
وأضاف المصدر: "يبذل الفريق الإسرائيلي جهودًا كبيرة، لكن الطريقة التي يُدار بها تكتيكيًا من أعلى المستويات، تجعل الهيكل الحالي لفريق التفاوض غير مُجدٍ بالقدر الكافي لإحراز التقدم".