من بين سائر الأغذية، نال الخبز مكانة مرموقة وعومل بتقدير كبير وذُكر في الصلوات، وزخرت الحضارات العربية والغربية بعدد لا يستهان به في الأمثال المرتبطة بالخبز، تكريساً لأهميته في سلم الغذاء والمجتمع. حتى إن الترابط بين البشر مرتبط بالخبز، إذ يقال "بيننا خبز وملح".
ولكن هل يستحق الخبز كل هذا التقدير؟ وهل هو فعلاً يشبع الجوعى؟ وهل تحتاج إليه البشرية في غذائها؟ تعددت النظريات الحديثة التي تحذر من مخاطر الخبز، إذ لا بد من التمييز بين الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة مثل الحنطة والشوفان والذرة والأرز والشعير والكتان، والخبز الأبيض الذي تنزع فيه قشور الحبوب، ما يجعل مدة صلاحيته أطول، ولكنه يصبح عبارة عن كربوهيدرات من دون ألياف مع قليل جداً من البروتين، بالتالي يصبح غير مفيد.
لطالما احتلت أرغفة الخبز الأبيض صدارة الموائد في البيوت العربية، كمصاحب أساسي للوجبات. تقول الدكتورة فانيسا كيمبل، خبيرة الخبز والتغذية: "نحن مرتبطون بالخبز، وقد أصبحت رائحته وطعمه وملمسه مرادفًا للراحة والتغذية، ومن الناحية الثقافية، يعد الخبز أيضاً أحد الأطعمة الأولى التي نتناولها، وغالبًا ما يتم إعطاؤها لنا كأطفال، مما يخلق أيضًا ارتباطاً عاطفياً وبيولوجياً عميقا".
لكن في الآونة الأخيرة، اكتسب الخبز سمعة سيئة باعتباره مضراً بالصحة، وفي ظل الهوس المستمر بالأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات، يتم اتهامه بالمساهمة في زيادة الوزن وارتفاع مستويات السكر في الدم. وتُعتبر أرغفة السوبر ماركت المنتجة بكميات كبيرة غير صحية لأنها فائقة المعالجة وخالية من الألياف ومشبعة بالمواد المضافة.
يحتوي الخبز الأبيض على حوالي 48 غراما من الكربوهيدرات لكل 100 غرام، مقارنة بحوالي 37 غراما للمعكرونة البيضاء، و27 غراما للأرز الأبيض، وحوالي 17 غراما للبطاطس المسلوقة.
لذلك يتم هضم الخبز الأبيض بسرعة كونه عبارة عن كربوهيدرات، تحوله أجسامنا بسرعة إلى غلوكوز، مما يرفع منسوب السكر في الدم مباشرة، فالمؤشر الغلايسيمي فيه عالٍ. وعلى الرغم من أنه يعطي طاقة بسرعة، فإنه يخزن في الجسم على شكل دهون، لذا فهو غير صحي ومتعب للجهاز الهضمي.
ويزيد من نسبة الدهون في البطن وعلى الكبد، لأن السكريات تتحول إلى دهون، كما أن رفعه السريع للسكر في الدم قد يصيب بالسكري، وهو يزيد الجوع السريع أيضاً بالتالي يجعل الشخص يقبل على تناول كمية أكبر من الطعام ما يسبب زيادة في الوزن، ولهذا السبب يشير بعض الناس إلى الكربوهيدرات، مثل الخبز، على أنه "يسبب الإدمان".
وأشارت دراسات عدة إلى إمكانية زيادة الكآبة ومشكلات الأسنان بسبب تناول الخبز الأبيض، لتخلص إلى أنه "لا توجد فوائد للخبز الأبيض على الإطلاق. وأنه بعكس ما يشاع، فالخبز الأبيض يسبب الجوع، أما خبز الحبوب التي تحتوي على الألياف فيشعر بالشبع".
ويزعم بعض الناس أن صناعة الخبز بسرعة باستخدام المواد المضافة، هي المسؤولة عن هذه الحالة الطبية، إذ أن عملية التخمير المستخدمة في الخبز سريع التحضير، أسرع بكثير من الخبز المخمر طبيعيا، مما يجعل هضم الخبز أكثر صعوبة.
لكن المدافعين عن الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات يتجاهلون حقيقة أن الخبز الجيد المصنوع من الحبوب الكاملة والمزروعة بشكل مستدام، والذي يمر بعمليات تخمير طويلة، ضروري لنظام غذائي متوازن.
وتؤثر جودة الحبوب الموجودة في الخبز وتنوعها بشكل مباشر على صحة الأمعاء، من خلال توفير مجموعة واسعة من أنواع الألياف عالية الجودة التي تدعم ميكروبيوم الأمعاء، وهو أمر بالغ الأهمية للصحة القوية.