كيف سيكشف فحص الدم عن مرض الزهايمر في المستقبل؟

منذ 4 أيام 33

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عندما تمّ تشخيص والد الأمريكية بيني أشفورد بمرض الزهايمر في مراحله المبكرة بسنّ الـ62 عامًا، علمت أنّ هذا المرض المدمّر قد يسرق ذاكرتها بأحد الأيام. في أواخر الخمسينات من عمرها، تحول قلقها المستمر إلى ذعر حقيقي عندما بدأت تجد صعوبة بالعثور على الكلمات.

وقالت أشفورد، التي تبلغ من العمر اليوم 61 عامًا، لـCNN: "لم أعد أتمكّن من سرد قصة، والعثور على الكلمات ونطقها"، موضحة: "هذا الأمر أرعبني". 

اليوم، بعدما  أعادت تنظيم نمط حياتها وصحتها العامة بالكامل، تحسّنت معاناة أشفورد لجهة استرجاع الكلمات، بينما انخفضت مستويات بروتينات الأميلويد، والتاو، والالتهاب العصبي، وهي جميعها علامات مميزة لمرض الزهايمر.

الزهايمر ينفخ والد بيني أشفورد باري مورفي، البالغ من العمر 75 عامًا، شمعته على قالب حلوة، بينما تراقبه حفيداته. Credit: Penny Ashford

تعرف أشفورد عن هذه التحسينات لأنها جزء من دراسة فريدة تتابع تقدمها من خلال مؤشرات حيوية رئيسية في الدم، التي تُستخدم الآن للمساعدة على تشخيص الخرف المبكر. 

وعوض الاعتماد على الفحوصات المؤلمة للسائل النخاعي وفحوصات الدماغ المكلفة، تُعتبر  اختبارات الدم وسيلة جديدة وأقل تدخلاً، وتستغرق وقتًا أقل، لتحديد المخاطر والمساعدة على التشخيص المبكر لمرض الزهايمر.

تم عرض البيانات الأولية التي قُدمت الإثنين، خلال الاجتماع السنوي للأكاديمية الأمريكية للأعصاب في مدينة سان دييغو الأمريكية، والتي حللت المؤشرات الحيوية لـ54 مشاركًا بدراسة مستمرة في مجال الأعصاب الوقائية، تُسمى دراسة "المستودع الحيوي للأمراض التنكسية العصبية" أو BioRAND.

وقالت مؤلفة الدراسة الرئيسية الدكتورة كيليان نييتس، وهي أخصائية الأعصاب الوقائية التي تجري أبحاثًا حول تقليل المخاطر لمرض الزهايمر ومرض باركنسون بمعهد الأمراض التنكسية العصبية في بوكا راتون، بولاية فلوريدا الأمريكية، إنّ "هذا المجال يعتمد أساسًا على مؤشرات حيوية مختلفة لتحديد ما إذا كان الشخص مصابًا بالخرف أم لا".

وأضافت نييتس: "لا أحد يركّز فعلاً على التغيرات في هذه المؤشرات الحيوية كأدوات لقياس النتائج، أو كوسيلة لتتبع التقدّم في رحلة الشخص لتحسين دماغه". وتابعت: "نعتقد أن هذه المؤشرات الحيوية قد تُظهر كيف يتم تعديل تقدم المرض بيولوجيًا من خلال تصرفات الشخص".

اختبار أقل تدخلاً لتحديد مخاطر الزهايمر

تُعتبر اختبارات الدم لمرض الزهايمر مفتاحًا لوقاية واسعة النطاق من الخرف، وفقًا للخبراء. إذا تم تشخيص الأشخاص في عيادة الطبيب، يمكنهم الانتقال بشكل أسرع إلى الرعاية الوقائية وتنفيذ تغييرات في نمط الحياة تهدف إلى إبطاء تقدم مرضهم.

لكن رأى الدكتور ريتشارد آيزاكسون، وهو المؤلف الرئيسي المشارك في الدراسة، أن المشكلة تكمن في التباين بمدى فعالية هذه الاختبارات الجديدة للمؤشرات الحيوية في الدم للتنبؤ بتقدم المرض أو تتبّعه.

وأضاف آيزاكسون: "هناك سر قذر صغير في مجتمع اختبارات الدم لمرض الزهايمر، إذ يتم إطلاق العديد من منصات الاختبار، وشركات التكنولوجيا الحيوية، وعدد من اختبارات الدم الجديدة، لكن من غير الواضح أي من هذه الاختبارات هو الأكثر دقة لتتبّع تقدم المرض وتقييم الاستجابة للعلاج من أجل إبطاء تطوّره نحو الخرف".

لمعالجة هذه الفجوة، بدأ فريق أبحاث آيزاكسون والمتعاونون في الدراسة بخمسة مواقع عبر الولايات المتحدة وكندا لتقييم  الاستخدام السريري والمقارنة التقاطعية لما يعتقدون أنه سيُصبح يومًا ما "اختبار الكوليسترول للدماغ". 

وأوضح آيزاكسون، وهو مؤسس إحدى أولى العيادات الوقائية لمرض الزهايمر في الولايات المتحدة: "في المستقبل القريب، سيحصل الأشخاص في الثلاثينيات، والأربعينيات، والخمسينيات، والستينيات، وما بعدها على اختبار أساسي لتقييم المخاطر ومتابعة التقدّم مع مرور الوقت، بشكل مماثل لكيفية استخدام اختبارات الكوليسترول التقليدية اليوم". 

وأشار إلى أن: "هدفنا النهائي تقديم قائمة بفحوصات الدم بتكلفة منخفضة للمساعدة في تعزيز الوصول وتوسيع القدرة على تقديم الرعاية للأشخاص", 

ما الذي تقيسه اختبارات دم الزهايمر حاليًا

يُعد قياس مستويات كل من الأميلويد والتاو أمرًا أساسيًا لفهم وتشخيص مرض الزهايمر وأشكال أخرى من الخرف.

تؤدي لويحات الأميلويد دورًا رئيسيًا في تطور مرض الزهايمر عندما تتجمّع التكتلات الصغيرة منها في المشابك العصبية في الدماغ وتتداخل مع قدرة الخلايا العصبية على التواصل. 

يُعتقد أن هذه اللويحات تحفز التغيرات في بروتينات التاو التي تتشكل على هيئة تشابكات في أجزاء من الدماغ المسؤولة عن الذاكرة.

كما أن تشابكات تاو مرتبطة أيضًا بأمراض عصبية أخرى مثل الخرف الجبهي( FTD)، ومرض دماغ لوي، حيث تتراكم كتل غير طبيعية من بروتين يسمى ألفا-سينوكليين في خلايا الدماغ العصبية.

يُعد المؤشر الحيوي "الفوسفوريلاتيد تاو 217" ( p-tau217) من أبرز المؤشرات في تشخيص ضعف الإدراك المعتدل ومرض الزهايمر في مراحله المبكرة. ويُعتبر المؤشر الحيوي (p-tau181) أيضًا علامة مفيدة.

يتمثل اختبار آخر للمؤشرات الحيوية بمسح نسبة الأميلويد 42/40، الذي يقيس نوعين من بروتينات الأميلويد، وهو أيضًا مؤشر رئيسي لمرض الزهايمر. 

في بعض الأحيان، تكون هذه الاختبارات أكثر فعالية عند استخدامها معًا، حيث أظهرت مجموعة من اختبارات الأميلويد و (p-tau 217)، والتي تُسمى درجة احتمالية الأميلويد، في دراسة سابقة دقة تصل إلى 90% في تحديد ما إذا كان فقدان الذاكرة ناجمًا عن مرض الزهايمر.

كما يتمتع بروتين الأحماض الأمينية الخيطية الدبقية (GFAP) وسلسلة النيوروفيلامين الخفيفة (NfL)، وهما يشيران إلى الالتهاب الدماغي والتدهور التنكسي، بفائدة في عملية تتبع تقدم مرض الزهايمر. ويتم اختبار عشرات من المؤشرات الحيوية الأخرى في المختبرات حول العالم.

يدرس فريق آيزاكسون في معهد الأمراض التنكسية العصبية أكثر من 125 علامة فردية من مجموعة متنوعة من الاختبارات التجارية والبحثية، قد يكون البعض منها متاحًا قريبًا في البيئة السريرية.

لكن، لماذا يجب التحقيق في العديد من المؤشرات الحيوية؟ 

قالت نييتس للإجابة على هذا السؤال: "الأمراض التنكسية العصبية تظهر بشكل مختلف تمامًا لدى الأشخاص"، موضحة: "قد نحتاج إلى نهج دقيق وفردي في الممارسة السريرية لمراقبة فعالية ما نقوم به لمريض معين".

العمل الجاد يثمر في تقليل المخاطر

لفتت الدراسة المستمرة في مجال الأعصاب الوقائية والمعروفة بـBioRAND  إلى النتائج التي توصلت إليها من خلال متابعة 71 مشاركًا، حيث تم تحليل المؤشرات الحيوية لـ54 شخصًا منهم. بينما شكلّ 17 شخصًا من هؤلاء مجموعة التحكم.

تلقت مجموعة الـ 54 توصيات حول نمط حياة شخصية مصممة لتحسين صحة دماغهم. وقد أظهرت الأبحاث السابقة أن مثل هذه التدخلات يمكن أن تحسن الذاكرة، ومهارات التفكير، بمقدار خمس نقاط في اختبار إدراكي للأشخاص الذين يعانون من ضعف إدراكي معتدل.

الزهايمر من خلال العمل الجاد لتحسين نمط حياتها، تمكنت بيني أشفورد من تحسين مؤشرات الدم الحيوية التي تتبع صحة الدماغ بشكل كبير. Credit: Ted Ashford

تشمل التوصيات التركيز على التحكم في ضغط الدم، والنظام الغذائي، والتمارين الرياضية، وتقليل التوتر، وجودة النوم، والتحكم في الوزن، بالإضافة إلى معالجة الاختلالات الأيضية، والهرمونية، والتغذوية. كما يتم تخصيص الأدوية، والفيتامينات، والمكملات لتلبية الاحتياجات الفردية لكل شخص.

تتمثل النتيجة بأنه كلما بذل الأشخاص مزيدًا من الجهد في التغيير، كلّما تحسنت صحة أدمغتهم.

في هذا السياق، قالت أشفورد: "كانت نتائج تحاليل الدم لديّ سيئة للغاية؛ وكذلك عاداتي الغذائية. لم أكن أمارس الرياضة، لذلك كانت لياقتي البدنية سيئة جدًا".

بدأت أشفورد برنامجًا مكثفًا من التمارين القلبية وتمارين المقاومة، بالإضافة إلى اليوغا لتقليل التوتر، وانتقلت إلى نمط غذائي متوسطي نباتي. وتحت إشراف طبيب، أضافت المكملات الغذائية والفيتامينات لزيادة الطاقة وتقليل التوتر.

بعد عام، كانت مؤشرات أشفورد الحيوية في الدم تروي قصة مختلفة تمامًا عن صحة دماغها، حيث انخفض مستوى p-tau 217 لديها بنسبة 43%، و p-tau 181 بنسبة 75%.