القاهرة، مصر (CNN)-- تخلى مستثمرون أجانب عن الاستثمار في أدوات الدين الحكومية المصرية، وانخفض سعر الجنيه المصري أمام الدولار لمستويات "تاريخية" خلال تعاملات هذا الأسبوع، بسبب فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوما جمركية على الواردات الأمريكية، واشتعال حرب تجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، مع فرض رسوم متبادلة من كلا الدولتين.
ولاحقا أعلن ترامب، الأربعاء، تعليق الرسوم لمدة 90 يوما على جميع الدول ما عدا بكين حيث رفعها إلى 125%.
وتوقع مصرفيون عودة الاستثمارات الأجنبية المعروفة باسم "الأموال الساخنة" مجددا إلى مصر بعد هدوء واستقرار أوضاع الاقتصاد العالمي، وسيتبع ذلك عودة ارتفاع الجنيه أمام الدولار.
وهوى سعر الجنيه أمام الدولار، خلال الأحد والاثنين مع بدء التعاملات في البنوك المصرية ليرتفع سعر الدولار من 50.54 جنيه للشراء في البنك الأهلي المصري- أكبر البنوك في مصر- إلى 51.34 جنيه للشراء بنهاية تعاملات الاثنين، قبل أن يتعافي نسبيا خلال تعاملات الثلاثاء، ويعاود مجددا التراجع ليغلق تعاملات الأسبوع عند مستوى 51.28 جنيه، ليفقد الجنيه أقل من 1% من قيمته أمام العملة الأمريكية.
وعلق رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، على موجة خروج الأجانب من أدوات الدين، قائلا إن "الأحد والاثنين الماضيين شهدا موجة خروج الأجانب، قبل أن تتباطئ الوتيرة الثلاثاء والأربعاء، وأن السبب في هذه الموجة الحرب الاقتصادية بعد فرض الرسوم الأمريكية الجديدة، والتي تسبب في انهيار في البورصات العالمية وموجات عارمة من خروج الأموال الساخنة في الأدوات المالية الحكومية".
وأضاف أنه كلف المجموعة الاقتصادية الوزارية بوضع سيناريوهات عاجلة لمواجهة الحرب الاقتصادية العالمية، بهدف ضمان استقرار الاقتصاد المصري، كاشفا عن السيناريوهات ستشمل تعزيز الاحتياطي النقدي للبلاد، ودعم القطاعات الإنتاجية، مع التركيز على حماية الفئات الأكثر تأثرا بالأزمات العالمية.
وقال نائب رئيس بنك بلوم السابق، طارق متولي، إن "خروج (الأموال الساخنة) أمرا متوقعا في ظل الحرب الاقتصادية العالمية، مما تسببت في ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه لقرب مستوى 52 جنيها"، متوقعا أن تعود الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة مرة ثانية بعد هدوء واستقرار أوضاع الاقتصاد العالمي، وسيتبع ذلك عودة ارتفاع الجنيه أمام الدولار.
وارتفع احتياطي مصر من النقد الأجنبي للشهر الـ31 على التوالي ليسجل 47.757 مليار دولار بنهاية مارس/ آذار 2025، وفق بيانات البنك المركزي.
وأضاف أن "انخفاض الجنيه أمام الدولار مؤقت وسيعاود التحسن تدريجيا، لعدة أسباب أبرزها توافر المعروض من السلع الأساسية والاستهلاكية في الأسواق مما يخفف من ضغط الطلب على الدولار لاستيراد الاحتياجات الأساسية للمواطنين، علاوة على تحسن الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية، إضافة إلى أن البنك المركزي تبنى سياسة سعر صرف مرنة خلال خروج الأجانب".
وأشار إلى أن حجم تعاملات "الإنتربنك" (سوق شراء وبيع الدولار بين البنوك) ارتفع من متوسط 15-200 مليون دولار يوميًا إلى أكثر من مليار دولار هذا الأسبوع، مما تطلب تخفيض مؤقت في سعر الجنيه بسبب ارتفاع الطلب.
وأشار متولي، في تصريحات خاصة لـ"CNN بالعربية"، إلى أن "مصر شهدت سيناريو خروج للاستثمارات الأجنبية غير المباشرة من أدوات الدين في 2022 مع نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن تسببت وقتها في مشاكل في سوق النقد محليًا بسبب استخدام هذه الأموال في تمويل استثمارات طويلة الأجل، ولكن هذه المرة القائمون على السياسة النقدية في مصر يتعاملون باحترافية مع هذه الاستثمارات من خلال تعزيز حرية دخول وخروج الأجانب، وعدم استخدامها في تعزيز الاحتياطي النقدي للبلاد".
وتسببت الحرب الروسية الأوكرانية وموجة التضخم العالمي خلال 2022 في خروج استثمارات أجنبية غير مباشرة بأكثر من 20 مليار دولار من مصر مما أدى إلى ظهور سوق موازية لسعر الصرف.
ولفت طارق متولي إلى أن "أدوات الدين المصري مازال جاذبًا للاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، سواء بسبب ارتفاع العائد والذي يتراوح من 27 إلى 30% على أذون وسندات الخزانة، واستقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية، مما يغري المستثمرين إلى العودة مرة ثانية فور استقرار الأوضاع الاقتصادية العالمية".
وأوضح أن "الاستثمارات الأجنبية غير مباشرة تتطلب احترافية في التعامل معها للاستفادة منها في تغطية فجوات قصيرة في النقد دون استخدامها في تمويلات طويلة الأجل"، وأكد على ضرورة "الاعتماد بشكل أكبر على الاستثمار الأجنبي المباشر في تعزيز الاحتياطي النقدي للبلاد".
وقال الخبير المصرفي ورئيس مجلس إدارة شركة الراية للاستشارات المالية، هاني أبوالفتوح، إن موجة خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة من أدوات الدين الحكومية في مصر "بدأت بسبب التوترات الجيوسياسية في المنطقة وأبرزها تجدد الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، وعزز من هذه الموجة الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، مما تسبب في خسائر ضخمة للبورصة، وخروج أكثر من مليار دولار من أذون وسندات الخزانة الحكومية".
وفقد المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية، 889 نقطة خلال تعاملات هذا الأسبوع، وخسر رأس المال السوقي 64 مليار جنيه (1.2 مليار دولار) ليصل إلى مستوى 2.176 تريليون جنيه (42.4 مليار دولار).
ويرى أبوالفتوح، في تصريحات خاصة لـ"CNN بالعربية"، أن البنك المركزي المصري "تعامل بنجاح مع سيناريو خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، وتجنب تكرار سيناريو 2022، وذلك عبر تطبيق سياسة سعر صرف مرنة من خلال تخفيض سعر الجنيه أمام الدولار، مما حجم من وتيرة خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة"، متوقعا عودتها مجددا خلال الفترة المقبلة بسبب العائد المرتفع لأدوات الدين المصرية.
وتوقع هاني أبوالفتوح أن مصر "لن تتأثر بشكل كبير بفرض رسوم جمركية من الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ارتباطها باتفاقية تجارة حرة المعروفة باسم (كويز)، علاوة على أن السوق الأمريكي لا يعد من أسواق التصدير الرئيسية للمنتجات المصرية، ولكن قد تتأثر مصر بالمشاكل التي ستواجه سلاسل الإمداد في توفير المواد الخام ومستلزمات الإنتاج ومكونات التصنيع".