كان سرطان الرئة نادراً، ولكنه بات اليوم أشد أنواع السرطان فتكاً في العالم. فالوفيات الناجمة عن هذا المرض، الذي يحصد حياة إنسان كل 18 ثانية، تفوق وفيات سرطان الثدي والقولون والبروستات مجتمعة. وجدير بالذكر أن البلدان الثرية شهدت إبان السنوات الأخيرة تراجعاً كبيراً في الوفيات الناجمة عنه، ولكنه ما زال بمثابة حكم بالإعدام في معظم بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا. ورغم التطور الكبير في فهم سرطان الرئة وعلاجه، فمعدل البقاء على قيد الحياة 5 سنوات بعد الإصابة به في البلدان العربية لا يتجاوز 8 في المائة مقابل 25 في المائة في الولايات المتحدة.
من الصعب جمع أرقام دقيقة عن عدد المصابين بسرطان الرئة في المنطقة، لكن معظم الدراسات الحديثة تبيّن ظهور 120 ألف إصابة جديدة على الأقل في عام 2018، مع توقعات بأن هذه الأرقام ارتفعت منذ ذلك الحين. ونظراً لارتباطه الوثيق باستهلاك التبغ، يفترض كثيرون أن الإصابة به تقتصر على المدخنين، ولكن هذا تصور خاطئ. فالتدخين يزيد من خطورة المرض، ولكن أي شخص معرّض للإصابة به.
تتضافر عوامل، كسنوات العمر المفقودة نتيجة للوفاة المبكرة، والعبء الاقتصادي الناجم عن الإنتاجية الضائعة، وتكاليف العلاج، والآثار طويلة الأجل للمرض والعلاج على جودة حياة المرضى، لتجعل سرطان الرئة تحدياً خطيراً للصحة العامة. وعلينا تغيير منهجيتنا في مواجهة هذا المرض المدمر في الشرق الأوسط وأفريقيا لإنقاذ الأرواح وتحسين الاستدامة ورفع القدرة الإجمالية لأنظمتنا الصحية على التكيف والصمود.
يمثل اليوم العالمي لسرطان الرئة فرصة للتوعية والضغط بصورة جماعية من أجل اتخاذ خطوات تحوّلية. ففضلاً عن إعطاء الأولوية لسرطان الرئة في البرامج الوطنية لمكافحة السرطان والاستثمار في بناء سجلات السرطان لجمع بيانات كافية عن المرض، بوسع الحكومات اتباع 3 منهجيات لتحقيق هذا الهدف.
أولاً، توسيع فحوص سرطان الرئة مع التركيز على الفئات المعرضة للخطر. وأشار تقرير أُعد في 2021 لصالح تحالف Lung Ambition Alliance إلى أن الفحص يمكن أن يسهم في تجنّب ربع الوفيات الناجمة عن سرطان الرئة تقريباً في الفئات السكانية المعرضة للخطر. ومما يبعث على التفاؤل أن تطور الذكاء الاصطناعي جعل الفحص أيسر وأكثر فاعلية من أي وقت مضى. وإلى ذلك، فقد تعاونت «أسترازينيكا» مع (QURE.ai) المتخصصة في تطوير التعلم العميق، من أجل استخدام التشخيص عبر الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن سرطان الرئة في تركيا والخليج ومصر ولبنان والعراق وجنوب أفريقيا لضمان استفادة الاقتصادات الناشئة أيضاً من هذه التكنولوجيات الجديدة. وتهدف هذه الشراكة، التي أجرت حتى الآن 30 ألف فحص في هذه البلدان، إلى زيادة كشف سرطان الرئة في مرحلة مبكرة وتحسين رحلة المريض وتخفيض معدلات الوفيات الناجمة عنه في نهاية المطاف.
ثانياً، يسهم التعاون العابر للحدود في تغيير سبل كشف سرطان الرئة وعلاجه. فالتعلم من تجارب الآخرين وأخطائهم يعود بالنفع على المرضى وعلى ميزانيات الرعاية الصحية. كما أن مبادرات مثل مكافحة السرطان في أفريقيا، التي أطلقت في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المنصرم، تقدم أفكاراً قيمة، وتنشئ بيئات عمل صحية عابرة للحدود تتصدى للتحديات المرتبطة بأمراض السرطان، ومنها سرطان الرئة. وبالفعل، فإن مبادرة «مكافحة السرطان في أفريقيا» تبني جسراً تعليمياً بين اختصاصيي الرعاية الصحية في مصر وكينيا الذين يعملون في مجال سرطان الرئة والأنواع الأخرى من السرطان؛ حيث استفاد آلاف العاملين الصحيين من التعلم من النظراء سواء من خلال الحضور الشخصي أو الافتراضي. والمرجو أن تتكرر هذه التجارب في جميع أنحاء القارة في نهاية المطاف.
أخيراً، علينا أن نضع الاستدامة في صميم أنظمتنا الصحية. فالأبحاث تظهر أن عُشر حالات سرطان الرئة تقريباً ناجمة عن تلوث الهواء الخارجي، ما يعني أن إنشاء بيئات عمل صحية أكثر ملاءمة للبيئة يصبّ مباشرة في صالح نتائج مرضى السرطان. أضف إلى ذلك أن برامج الوقاية والكشف المبكر تحقق وفورات ضخمة في الموارد والطاقة على المدى الطويل، حالها حال التكنولوجيات الجديدة كالذكاء الاصطناعي والمواعيد عبر الإنترنت. هذا ويمثل مؤتمر الأطراف الخاص بالمناخ (COP28) في الإمارات العربية المتحدة فرصة مهمة لتعزيز الروابط بين المناخ والصحة. ومن المثير للاهتمام أن نشهد حضوراً بارزاً للصحة على جدول أعمال المؤتمر. كما يمكننا من خلال بناء أنظمة صحية مستدامة ضمان المساواة بين جميع مرضى سرطان الرئة في الحصول على الرعاية والعكس بالعكس.
ننتهز اليوم العالمي لسرطان الرئة لدعوة الحكومات ومقدمي الرعاية الصحية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية إلى تجديد منهجياتهم إزاء سرطان الرئة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. فعبء هذا المرض هائل. وينبغي أن ترتقي استجابتنا الجماعية إلى مستوى التحدي الذي يمثله. فمن خلال تطبيق برامج الفحص الفعالة ورعاية التعاون العابر للحدود والاستثمار في الأنظمة الصحية المستدامة، يمكننا عكس مسار سرطان الرئة وبثّ الأمل لدى المرضى. لنتوحد في مكافحة سرطان الرئة ونسعى إلى مستقبل يتوقف فيه هذا المرض المدمر عن حصد أرواح الكثيرين.* مديرة قسم الأورام في «أسترازينيكا» بالشرق الأوسط وأفريقيا