تريد واشنطن تشكيل سلطة فلسطينية تحكم القطاع بعد إزاحة حماس وانتهاء الحرب الدامية التي تخوضها إسرائيل منذ أربعة أشهر في غزة.
أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، استقالة حكومته في خطوة يعتبرها البعض استجابة لمطالب واشنطن التي أكدت مرارا وتكرارًا ضرورة إصلاح وتنشيط السلطة الفلسطينية.
وأكد اشتية الاثنين، وضع استقالة الحكومة تحت تصرف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مشيرًا إلى أن المرحلة القادمة وتحدياتها تحتاج إلى ترتيبات حكومية وسياسية جديدة.
سلطة "معدلة"
ورغم الموقف الإسرائيلي الرافض جملة وتفصيلًا لفكرة تولي السلطة الفلسطينية الحالية مهام الحكم في قطاع غزة، تسعى الولايات المتحدة إلى توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت حكم سلطة جديدة "معدلة" بعد انتهاء النزاع والقضاء على حركة حماس.
وتعكس استقالة اشتية استعداد القيادة الفلسطينية المدعومة من الغرب لقبول تعديلات تسهم في تحقيق الإصلاحات اللازمة لتفعيل السلطة الفلسطينية وإعادة بسط سيطرتها على قطاع غزة.
وكانت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، قد قالت في عدة مناسبات إن بلادها حريصة "على أن تسيطر السلطة الفلسطينية على غزة بعد الحرب".
وقال رئيس الوزراء عقب تقديم استقالته "نأخذ بالاعتبار الواقع المستجِد في قطاع غزة، ومحادثات الوحدة الوطنية والحاجة الملحة إلى توافق فلسطيني مستند إلى أساس وطني، ومشاركة واسعة، ووحدة الصف، وإلى بسط سلطة السلطة على كامل أرض فلسطين، وبناء على ذلك، فإنّني أضع استقالة الحكومة تحت تصرّف السيد الرئيس، لاتخاذ ما يلزم لخدمة شعبنا العظيم ووحدة قواه المناضلة".
وبحسب مصادر فلسطينية "لا يزال يتعين على الرئيس محمود عباس أن يقرر ما إذا كان سيقبل استقالة اشتية وحكومته، علمًا أن الأخير كان قد قدم استقالته قبل أسابيع بشكل شفهي لعباس، ولو قوبلت خطوته برفض الرئيس لما وصل إلى تقديمها بشكل رسمي اليوم".
وتريد واشنطن تشكيل سلطة فلسطينية تحكم القطاع بعد إزاحة حماس وانتهاء الحرب الدامية التي تخوضها إسرائيل منذ أربعة أشهر في غزة.
إلا أن فشل إسرائيل حتى الساعة في تحقيق أهدافها من الحرب وخاصة في القضاء على الحركة الإسلامية التي تحكم غزة وتتمتع بشعبية كبيرة في القطاع الفلسطيني المحاصر، يجعل من هذه الخطوات مجرد حبر على ورق، إذ لا يزال هناك عقبات كثيرة تحول دون تحويل هذه الرؤية إلى حقيقة.
وتم تداول عدة أسماء لخلافة اشتية، بينها وزير الخارجية الفلسطيني السابق ناصر القدوة ورئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض، إلا أن الترجيحات تشير إلى أن الأوفر حظا لشغل هذا المنصب هو محمد مصطفى، رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني.
وقبل أسابيع، قال ماثيو ميلر، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، لدى سؤاله عما إذا كان يعتقد بأنه ما زال من الممكن تنشيط السلطة الفلسطينية بطريقة تمكنها من حكم دولة فلسطينية موحدة، قال ميلر "نعم نعتقد ذلك".
وتابع المتحدث الأمريكي قائلا "السلطة الفلسطينية ليست في موقع يمكنها من التدخل وإدارة غزة غدا. ليست في موقع يمكنها من التدخل وتوفير ضمانات أمنية لغزة، ولكننا نعتقد أن السلطة الفلسطينية هي الممثل للشعب الفلسطيني".
ومنذ فترة تدور محادثات خلف الأبواب الموصدة وفي أروقة عواصم العالم، ترسم مصير الفلسطينيين وتدرس الخيارات التي من الممكن المضي بها لفترة ما بعد الحرب في القطاع المدمر.
وكان آخر هذه السيناريوهات الحديث قبل أيام عن تشكيل حكومة تكنوقراط، أي من وزراء ذوي اختصاص لتولي مرحلة ما بعد انتهاء الحرب واستلام زمام الأمور حتى تحديد موعد رسمي لإجراء انتخابات جديدة.
وكان وفد فلسطيني، يضم أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ ورئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج وصل قبل أيام إلى العاصمة الأردنية عمّان، للقاء مسؤولين أردنيين وأجانب.
وذكرت وسائل إعلام أردنية أن الوفد بحث خلال الزيارة سبل وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وإدخال المساعدات إلى القطاع، خاصة التي سيتم إدخالها عن طريق الأردن إلى معبر كرم أبو سالم، بالإضافة إلى ملف إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه القوى الفلسطينية عن حكومة تشمل جميع الفصائل من ضمنها حركة حماس، التي نفذت هجومها المفاجئ على جنوب البلاد في السابع من أكتوبر، يؤكد نتنياهو أنه لن يسمح لها في إدارة غزة بأي شكل من الأشكال.
وكانت إسرائيل قد توعدت بعد تنفيذ عملية "طوفان الأقصى" بسحق قادة الحركة واغتيالهم أينما وطأت أقدامهم.
"الشعب الفلسطيني أحوج ما يكون للوحدة الوطنية"
وتعليقا على استقالة اشتية، قال مصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، إن "هذه الاستقالة يجب أن تؤدي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية مؤقتة مقبولة من جميع القوى الفلسطينية، تتصدى لمخططات نتنياهو لتكريس احتلال غزة وتضمن وحدة الضفة والقطاع وترمم جراح غزة و تعد لإجراء انتخابات حرة ديمقراطية".
وأشار إلى أن "الشعب الفلسطيني أحوج ما يكون للوحدة الوطنية في ظل مؤامرات التهجير والتطهير العرقي الإسرائيلية وتهديدات نتنياهو بارتكاب مجزرة وحشية لا سابق لها في رفح".
وشدد على أن ما هو مهم في الوقت الحالي هو "تشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحدة تنبثق عنها حكومة وحدة وطنية مؤقتة تستجيب لمطالب الشعب الفلسطيني وليس لأية إملاءات خارجية".