بقلم: Samia Mekki • آخر تحديث: 18/02/2023 - 13:50
الفتى طه إردم وأمه زليهة وأبوه علي في صورة أمام المبنى الذي تدمر جراء الزلزال وبقي طه تحت أنقاضه لعدد من الأيام في أديامان بتركيا - حقوق النشر Mehmet Mucahit Ceylan/AP
وثّق فتى تركي في ربيعه السابع عشر اللحظات الأخيرة فيما كان الزلزال يهدم البيوت على رؤوس أصحابها. ففي شريط مصور انفطرت له القلوب، ودّع الفتى أسرته وأحبته بينما كان يرزح تحت ركام منزله الذي سُوّي بالأرض من أثر الهزة التي بلغت شدته 7.8 درجات على سلم ريختر .
كان طه إردم وأسرته يغطّون في نوم عميق حين ضرب الزلزال الذي هز أركان البناية التي يسكنها في ضواحي مدينة أديامان التركية.
10 ثوان كانت كافية لتردم طه وشقيقيْه ووالديه تحت ركام المبنى المؤلف من أربعة طوابق.
وداع مؤثّر ورباطة جأش استثنائية
وجد الفتى نفسه تحت أنقاض أطنان من الإسمنت، وكأنّ الهزة الأولى لم تكن تكفي، فقد عاد ليعيش هوْل الهزات الارتدادية التي تلت الزلزال الأول ما زاد في تضييق الخناق عليه مع وقوع مزيد من الدمار وسقوط كميات إضافية من الركام الذي كان كلُّه اسمنتا وحديدا.
في تلك اللحظة لم يجد طه بدّا من التفكير في الأسوأ، وأنه قد لا يخرج حيّا من محنته هذه، فأخذ هاتفه وبدأ في تسجيل بعض الكلمات يودع بها أحبّته على أمل أن يتم العثور على الهاتف بعد رحيله.
وقال الفتى وهاتفُه ويده يرتجّان من شدة الهزازات الارتدادية التي أتت على ما تبقى من أنقاض البناية: " أعتقد أنه الفيديو الأخير الذي يكُتب لي أن أصوّره لكم."
ورغم جسامة الحدث، فإن طه وهو يسجل كلماته الأخيرة قد أظهر رباطة جأش غير عادية بالنسبة لصبيّ في عمره. بدأ في تعداد الجراح التي أصيب بها وتحدّث عن أسفه لأشياء فعلها وعن أمله في فعل أشياء أخرى لو كُتبت له النجاة. وما زاد في قتامة المشهد أن الفتى كان يسجل كلماته فيما كانت تُسمع في الخلفية أصوات وصراخ العالقين تحت الركام.
دعاءٌ وندمٌ على ما فات
يقول طه في خطابه الوداعي: "نحن لا نزال تهتزّ. الموت يزحف نحونا. فاجأنا على حين غفلة يا أصحابي." ثم بدأ لسان الفتى يلهج بالدعاء ويقول: "لقد فعلت عدة أشياء أنا نادم عليها الآن. عسى الله أن يغفر لي كل خطاياي. إذا كُتبت لي السلامة وخرجت من تحت الركام اليوم فهناك عدة أشياء أود القيام بها. نحن لا نزال تهتز.. نعم، إنها ليست يدي التي تهتز.. إنه أثر الزلزال."
ويمضي طه ويقول:"أعتقد أن أسرتي ماتت مع كل من توفي من أهل المدينة وأنا سألحق بهم قريبا."
"هنا كان بيتي"
لكن كانت للقدر تصاريف أخرى، فبعد ساعتين، كان الصبي ضمن الأشخاص الأوائل الذين أخرجوا من تحت الأنقاض بعد أن أنقذه أحد الجيران ونقله إلى بيت خالته. وبعد عشر ساعات، جاء الدور على شقيقيْ طه ووالديه ليتم إخراجهم من تحت الركام في عمليات إنقاذ استُعملت فيها الأيدي وبدون أي معدات مخصصة لهذا الغرض.
التقت وكالة أسوشياتد برس الأسرة في مخيّم خصصته الدولة لإيواء المنكوبين. تقول زليخة والدة الفتى وهي تنظر لركام البناية المهدمة: "هنا كان بيتي."
وتروى الأم ما حدث وتقول إنها كانت تنادي على ابنها بينما كان الجميع عالقا تحت الأنقاض وكان أملها أن يجمع الموت الوالدين والأبناء كما جمعتهم الحياة.
لكن، لا الولد سمع نداء الأم ولا الوالدة سمعت صراخ فلذة كبدها من تحت الركام. وكلّ واحد منهما كان يظن أن الثاني قد باء لأمر ربه. وكم كانت فرحة زليخة حين عرفت أن زوجها وأطفالها أُنقذوا ونُقلوا إلى بيت شقيقتها.
تقول: "في تلك اللحظة، لم تكن تسعني الدنيا من شدة الفرحة. فقدْتُ كل شيء نعم، لكن أطفالي أحياء يُرزقون."
وكانت تركيا وسوريا قد شهدتا في السادس من شباط الجاري زلزالا مدمرا حصد أرواح 43 ألف قتيل وفي كارثة لم تشهد لها تركيا مثيلا منذ عشرات السنين.