رغم هذه الإجراءات المُتخذة، يُسجل سنوياً نحو 100 حادث تصادم طائرة بطائر. وتقول كولين بليسي، "أعتبر أنّ هذه الأرقام بمثابة فشل، لأننا نعمل هنا من أجل سلامة الطائرات والركاب، ولكن أيضاً لإنقاذ حياة الطيور".
يعمل فريق مختص في مطار أورلي الفرنسي على طرد الطيور لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات لدى إقلاعها، تفادياً لحصول حوادث، ويستخدم أعضاؤه لذلك أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات تكفل تخويفها وإبعادها.
بالقرب من أحد مدارج إقلاع الطائرات، تُسمع زقزقة فوق هدير الطائرات. وتتفحّص كولين بليسي السماء مشيرة إلى نقطتين سوداوين صغيرتين، وتقول صاحبة العينين الزرقاوين الثاقبتين لدرجة أنها لا تحتاج إلى نظاراتها "هنا ثمّة طائران من نوع العوسق".
وتطلق بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، ما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها.
وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات. ويقول المسؤول عن التنوع البيولوجي في أورلي سيلفان ليجال، في حديث إلى وكالة فرانس برس، إنّ "الاصطدام بالحيوانات هو ثاني أخطر احتمال لتعرّض الطائرة لحادثة كبيرة".
وللمطارات التي تطغى عليها الخرسانة، مناطق برية محمية ترمي إلى حماية الطيران، تبلغ في أورلي مثلاً 600 هكتار. وتضم هذه المناطق مجموعة من الحيوانات كالثعالب والأرانب وأنواع كثيرة من الطيور من البشلون الرمادي إلى زاغ الجيف.
ويوضح ليجال أنّ الاصطدام بالحيوانات قد "يُحدث أضراراً كبيرة للطائرة"، كتوقف المحرك في حال سحبت المحركات النفاثة الطائر، أو إصابة الطيارين إذا اصطدم الطائر بالزجاج الأمامي. إلا أنّ الحوادث الخطرة على غرار ما سُجل في نيويورك عام 2009 حين استدعى تصادم إحدى الطائرات بإوز هبوطها اضطرارياً، نادرة. وفي أورلي، شهد عدد الحوادث التي تتطلب وقف الإقلاع أو عودة الطائرة إلى المطار انخفاضاً إلى النصف منذ العام 2014.
"مهارات علمية"
ويعود سبب انخفاض هذه الحوادث إلى تطوّر مهارات طاردي الطيور الـ11 في أورلي. ويقول ليجال "كنّا نوظّف في الماضي صيادين، لأننا كنّا بحاجة إلى شخص يدرك كيفية حمل سلاح"، مضيفاً "كنا نعمل ضد الطبيعة".
إلا أنّ القوانين تغيّرت وكذلك العقليات، "فنعمل منذ العام 2014 لصالح الطبيعة"، إذ "بات السلاح حالياً آخر الحلول المُعتمدة".
ويضيف "نوظّف راهناً علماء بيئيين، لأننا نحتاج إلى أشخاص" يتمتعون بـ"مهارات علمية"، بهدف توسيع المساحات الخضراء للحد من وجود الطيور قرب المدارج. ويوضح أنّ "معلومات الخبراء عن الحياة البرية" تساهم في "تحديد الأنواع وسلوكها بصورة سريعة، وإيجاد الخطة الأنسب" في حال كان تخويف الحيوانات ضرورياً.
وكولين بليسي هي من بين مجموعة موظفين جدد تضمّ نساء بغالبيتها. وعندما كانت تبحث قبل ثلاث سنوات عن عمل بالتزامن مع دراستها في مجال إدارة الطبيعة وحمايتها، عثرت على هذه الوظيفة، في حين أنها "لم تكن تتخيّل أنّ ثمة وظائف في المطار تُعنى بالتنوع البيولوجي".
وتملك الشابة البالغة 23 سنة وذات الشخصية القوية، معلومات كثيرة عن علم الطيور، إذ تستطيع التحدث لساعات عن طيور السمامة الشائعة التي "لا تتوقف عن التحليق"، أو صعوبة تخويف طيور أبو طيط ذي العرف، وهو نوع "عنيد جداً ويحدث تأثيراً مشابهاً للعواصف عند تحليقه ضمن مجموعات".
تخويف صوتي
وتتمتع بليسي بخبرة واسعة في مجال تخويف الطيور من خلال الأصوات، ففي سيارتها الصفراء نحو أربعين صوتاً خاصاً بالطيور.
وعندما تتوقع وصول أحد الطيور أو بعدما يُبلِغ طيار عن مشكلة ما عبر مكبرات الصوت، تستخدم خبراتها التحليلية. وتقول "إنّ ما يُسمع هو طائر من نوع قبرة الغيط، فينبغي إعلاء صوت مفترسها عبر مكبرات الصوت على المدارج لإخافتها" أو "إعلاء صرخة استغاثة من مركبتي لطيور من نوعها حتى يقترب الطائر مني".
ويعتمد كل طارد طيور أسلوباً مختلفاً لتخويف هذه الحيوانات، أكان صوتياً او مرئياً أو عبر الألعاب النارية، لـ"تنويع الأساليب فلا تعتاد الطيور على أحدها"، على حد قول بليسي التي تفضل طريقة الألعاب النارية.
وتشير إلى أنّ ما يجعل العامل في هذا المجال ماهراً هو "أن يكون شديد الانتباه ويعرف كيفية التعامل سريعاً مع الموقف".
وبفضل أساليب تخويف الطيور هذه، لا يُقتل سنوياً سوى نحو ثلاثين طائراً غير محمي على هذه المنصة الواقعة في ممر هجرة يرتاده 30 ألف طائر في كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير.
ورغم هذه الإجراءات المُتخذة، يُسجل سنوياً نحو 100 حادث تصادم طائرة بطائر. وتقول كولين "أعتبر أنّ هذه الأرقام بمثابة فشل، لأننا نعمل هنا من أجل سلامة الطائرات والركاب، ولكن أيضاً لإنقاذ حياة الطيور".