بقلم: يورونيوز • آخر تحديث: 10/02/2023 - 10:36
دعاء الغضبان، سورية خسرت زوجها وأطفالها الثلاثة في الزلزال - حقوق النشر AFP
فقدت دعاء الغضبان زوجها وأطفالها الثلاثة وانهار منزلها، فلم تجد خياراً سوى اللجوء، على غرار عائلات أخرى، إلى مخيمات النازحين التي حمتها خيمها من الزلزال المدمر في شمال سوريا.
حين ضرب الزلزال فجر الإثنين تركيا وسوريا، اهتزت الأرض تحت الخيم المنتشرة بكثرة على طول الحدود بين البلدين، لكن سكانها بقوا إلى حد كبير بمنأى عن الأضرار التي سببها انهيار أبنية ومنازل في أنحاء المنطقة حولهم.
داخل غرفة صغيرة هي عبارة عن أربعة جدران يعلوها شادر، تنوح دعاء حزناً على أطفالها وأصغرهم رضيع لم يتجاوز عمره الأربعين يوماً. تحاول شقيقتها الناجية كذلك من الزلزال تهدئتها من دون جدوى.
تقول دعاء حانية الرأس وهي تجلس على كرس بلاستيكي في مخيم دير البلوط لوكالة فرانس برس: "لم يبق شيء لدينا، وها نحن اليوم نسكن أنا وعائلة أختي وأخي وأمي، أربع عائلات في خيمة صغيرة فوق بعضنا البعض في غرفة تعود لسيدة نعرفها...لا نريد الطعام ولا الشراب. نريد مأوى فقط".
تنظر دعاء إلى صورة أحد أبنائها الذي توفي بعد انتشاله وبعدما تحدثت معه واطمأنت عليه، على شاشة الهاتف. تبكي متسائلة كيف نجت وحيدة من حطام منزلها الذي بقيت لساعات طويلة تحت ركامه قبل انتشالها في بلدة جنديرس، وتقول: "حتى اللحظة، لا أشعر أنني خرجت. وكأنني ما زلت تحت (الركام)".
يصدح الآذان من مكان قريب، لتتذكر دعاء آخر مشهد لزوجها الذي كان ممداً الى جانبها ويحضن أحد أطفالهما، وتقول، "تم دفنه حاضناً ابني. لم يتركه قط".
على غرار دعاء، استقبل مخيم دير بلوط ومخيمات أخرى مكتظة أساساً الكثير من العائلات التي شردها الزلزال، منهم من سكن مع معارفه، ومنهم ما زال يبحث عن خيمة.
ويقول فداء محمّد، أحد سكان مخيم دير بلوط، لوكالة فرانس برس: "كان الزلزال مرعباً، لكن السكان شكروا ربهم على خيمهم بعدما شاهدوا ما حصل من حولهم".
وانطلقت مبادرات عدة لوضع خيم إضافية في المخيمات من أجل استقبال الناجين من الزلزال، أو الخائفين من هزات ارتدادية تأتي على ما تبقى من منازلهم، كما نصبت منظمات محلية خيماً للناجين في بلداتهم المتضررة.
"التاريخ يعيد ذاته"
بعد وقوع الكارثة، انتقل غياث زرزور للعيش لدى أحد أقاربه النازحين في مخيم دير بلوط، وبات يسكن في غرفة واحدة مع ابني عمه وعائلتيهما. يجلس أبو عمر على الأرض منهكاً، عيناه متورمتان ووجهه ملفوف بضماد أبيض، وبالكاد يقوى على الكلام، ويقول: "نحن ثلاثون شخصاً في هذه الغرفة الصغيرة، من دون تدفئة ولا أغطية".
لم يتوقع الرجل الذي نزح قبل سنوات من ريف دمشق أن يجد نفسه مرة أخرى في مخيمات النزوح، التي كان قد غادرها فرحاً ليقيم في منزل في بلدة جنديرس. لكن الزلزال دمر المنزل بالكامل، ويقول: "تهجرنا كثيراً. في المرة الأولى نزحنا بثيابنا من دمشق، واليوم يعيد التاريخ ذاته".
وطال الدمار الناتج عن الزلزال، الذي ضرب سوريا ومركزه في تركيا، خمس محافظات على الأقل. وتجاوزت حصيلة القتلى في البلدين أكثر من 20 ألف شخص، بينهم 3162 في سوريا. ومن لم يلجأ إلى المخيمات، توجه إلى عشرات مراكز الإيواء التي أنشأتها السلطات المحلية في مناطق عدة.
في أحد مراكز مدينة إدلب، تضج خيمة ضخمة بضحكات أطفال يلعبون ويركضون حول أمهاتهم، وآخرون ناموا من شدّة التعب غير آبهين بالجلبة من حولهم. ويقول عبد القادر تيد أحد العاملين في مراكز الإيواء، "هناك أعداد هائلة من الناس بلا مأوى، يخشون أن تسقط بيوتهم فوق رؤوسهم جراء الهزات الارتدادية".
في مناطق منكوبة أخرى، اختار سكان تمضية لياليهم في سياراتهم وشاحناتهم.
وقرب بلدة جنديرس، التي طالها دمار هائل، تصطف سيارات خلف بعضها البعض وفيها نساء ورجال وأطفال، لم يحددوا أين ستكون وجهتهم.
يقول محمّد الحياني (50 عاماً)، جالساً على الأرض بالقرب من شاحنته وقد لف نفسه بغطاء شتوي" "بنايتنا تضررت، لا نستطيع أن نعود إليها نخشى أن تسقط علينا جراء أي هزة ارتدادية...نحن ثلاث عائلات هنا، البعض ينام في السيارة، والبعض في الشارع قربها".
وافترش العشرات أيضاً الأرض في حقول الزيتون المترامية الأطراف، لا يحملون معهم سوى ثيابهم وبعض الأغطية.
فرّت أم جاسم (54 عاماً) وزوجها مع طفليهما من جنديرس بعد الزلزال، وسارت العائلة بين حقول الزيتون حتى وصلت إلى مخيم دير بلوط القريب. وتقول من خيمة أحد أقاربها: "أين نذهب؟ بقينا في الشارع، ونحتاج مأوى. ليس بيدنا حيلة".
أرسلت أم جاسم ولديها إلى جنديرس علهم يتمكنون من إنقاذ بعض الأغطية والحاجيات من تحت ركام منزلهم، لكنها لا تتأمل خيراً بعدما انهار المنزل تماماً. وتقطن السيدة منذ ثلاثة أيام في غرفة شبه خالية من الفرش، وتقول: "البرد ذبحنا هنا...لا نريد سوى مأوى، ما خسرناه يعوضه الله".