♦ الملخص:
امرأة تزوج عليها زوجها، وهو لا يعطيها أدنى حقوقها، فليس لها غرفة حتى، بل تفترش الأرض للنوم، وهي متألمة وفي حيرة من أمرها؛ إذ إنها وحيدة، لا تستطيع الانفصال عنه؛ فليس لها أحد، وتسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
تزوج زوجي بامرأة أخرى على رغم أنفي، وبعد مدةٍ هَجَرَها، ووعدني أنه سيُطلِّقها، ثم فُوجئت أنه أصلح ما بينه وبينها، الآن أنا منهارة، أعرف أنه حقه الشرعيُّ، لكني لا أستطيع أن أتحمَّل الوضع، خاصة أنه فقير، ولا يستطيع توفير أقل احتياجاتي، فأنا أنام على فراش بالأرض، ليس لديَّ غرفة، أما زوجته الأخرى، فلديها كل ما تحتاجه، أنا أتجرَّع غصصًا وألمًا بسببه، ولأنَّ نهاية صبري وعِوضي أنْ تزوَّج زوجة أخرى، وفي الوقت نفسه لا أستطيع الطلاق؛ لأن عندي طفلين، وأبويَّ متوفَّيان، وليس لديَّ أحد، ولا أستطيع أن أعيش وحدي مع أطفالي الصغار، فماذا أفعل؟ أنا في حيرة وتوجع، أرشدوني، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ أما بعد:
فقد وصلتنا استشارتكِ التي ينطبق حال مضمونها على حال الكثير من النساء في عالمنا الإسلامي إلا من رحم ربي.
قبل أن أبدأ بالبحث في مشكلتكِ، وإيجاد الحل المناسب بحول الله وقوته، أُبيِّن فقط وسريعًا: هل يعرف الخاطبان قبل الشروع في الزواج أحكامَ هذا الزواج، وأيضًا ما يُبنى على هذا الزواج (الطلاق، تعدد الزوجات، واجبات وحقوق كل منهما تجاه الآخر)، من خلال الكثير من أبواب هذا الموضوع في كتب السُّنَّة، التي فيها بيان لكل ما يتعلق بالأنثى على مختلف مسمياتها (أم، زوجة، بنت، عمة، خالة)؟
لم يترك لنا الشرع الحنيف صغيرةً ولا كبيرة تتعلق بالنساء إلا بيَّنها لنا، ويكفينا من هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع؛ فلقد شهِد النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وقال للناس يوم الحج الأكبر: ((... ألَا واستوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنما هُنَّ عَوانٌ عندكم، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك))؛ [رواه الترمذي: (63 /1)].
(ألَا واستوصوا بالنساء خيرًا)؛ أي: أوصيكم بهن خيرًا، وشرح الحديث يطول، ولكن الشاهد من الحديث معرفة وفهم الوصية التي وصَّى بها النبي صلى الله عليه وسلم للنساء، فحقوق الزوجة من المهر المتَّفَق عليه عند عقد القران مثلًا هو أن تحصل عليه فعلًا؛ لأنه حق لها، وليس كما هو في العرف والعادات أنه يُؤخَذ بعد الطلاق أو بعد الوفاة، فهو حق للزوجة، وهو غير حقها بالإنفاق عليها، كما فرض على الرجل تأمين المسكن والمأكل والمشرب.
ملحوظة صغيرة: عبر شبكة الألوكة، هناك مقال لي عن العلاقة الزوجية الشرعية، يمكنكِ قراءته والاستفادة منه، وهو يتحدث عن حقوق الزوج والزوجة.
أُبيِّن هنا أيضًا أنه يجب أن يدرك كلٌّ من الزوجين أن الزواج ميثاق غليظ، لا بد من معرفة كل تفاصيله للحفاظ على هذا الزواج.
نأتي هنا إلى حال التعدد: هل يتم التأكد عند عقد القران الثاني من أن الزوج أدَّى حقوق الأولى من مأكل ومسكن وملبس؟ هل تمت معرفة حقوقها كزوجة ثانية من العدل، والمأكل، والملبس والمشرب؟ فبالنهاية الزوجة الثانية أيضًا امرأة لها حقوق، والسؤال هنا: هل يحق للزوج الزواج والطلاق هكذا دون قيد أو شرط؟
أمر آخر لا بد من الوقوف عنده: هل من حق الزوجة تقديم شكوى للقاضي مضمونها إلزام الزوج بالنفقة لها ولأولادها، مع عدم المساس بالزوجة، وعدم التعرض لها بالعنف لقيامها بهذا العمل؟
هذه تساؤلات أُقدِّمها لكافة أفراد المجتمع؛ لأننا إنما نتبع شرع الله، وليس ما نراه أو نسمعه عبر وسائل الإعلام، والتواصل الاجتماعي؛ من برامج أو مسلسلات وأفلام هدَّامة للقِيَم الإسلامية، الواجب على المؤمن اتباعها عند بدء تكوين الأسرة بعقد زواج، بل بميثاق غليظ، ويُطبِّق من خلالها وصية الرسول صلى الله عليه وسلم: ((واستوصوا بالنساء خيرًا)).
أما نصيحتي الخاصة لكِ أُخيتي، فهي كالآتي:
أقولها لكل امرأة جاهلة بحقوقها وواجباتها:
1- أن تتعلمي هذه الأحكام، وتتمكني من الإجابة عن هذه الأسئلة: هل يمكنكِ تقديم شكوى للقاضي وإعلامه بعدم إنفاق زوجكِ عليكِ؟ هل يمكنكِ الاستعانة بأحد من أهلكِ (أعمامكِ، أخوالكِ) قبل اللجوء إلى القاضي؟ هل هناك مَن تثقين به يساعدكِ للإقدام على هذه الخطوة؟ كل هذا على أمل أن يعود زوجكِ إلى رُشْدِهِ، ويطبِّق شرع الله عز وجل، وينفق عليكِ، ويعدل بينكما.
وإن لم تَجِدي الْمُعِين، فهل عند طلبكِ الطلاق سيكون الأولاد معكِ؟ هل عندكِ إمكانية الإنفاق عليهم؟
وكما علمت منكِ أن المستوى التعليمي عندكِ هو فقط الثانوية؛ أي إن فرص العمل لديكِ قليلة لتتمكني من الإنفاق على نفسكِ وعلى الأولاد.
لذا ما أطلبه منكِ إن لم تتمكني من عرض مشكلتكِ على الأهل وعلى القاضي، فلا بد لكِ من أن تتعلمي مهارة من المهارات التي تُمكِّنكِ من العيش الكريم، ويمكنكِ الالتجاء إلى الكثير من البرامج المجانية على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تساعد المرأة على إدخال المال؛ لتُكْرِمَ نفسها وتنفق على أولادها، فعليكِ السعي لضمان حالكِ الماديِّ، خاصة وأن الطلاق حاليًّا صعبٌ وغير متاح؛ لأنه لا يوجد عندكِ من تلتجئين إليه ليعينكِ.
اصبري وابدئي من الصفر، حتى لو اضطررت للتعلم من جديد إن استطعتِ، وهذا الأمر ليس مستحيلًا، وهناك الكثير من النماذج لمثل هذه الحالات عند النساء، منهن الأُمِّيَّات، أصلحن أحوالهن بالتعلم، ويمكنكِ مشاهدة مثل هذه النماذج، فهي كثيرة؛ فاطَّلعي عليها، وتعلمي منها، وحافظي على نفسكِ وأسرتكِ وأولادكِ، وأثبتي جدارتكِ في ذلك.
طبعًا والأهم زيادة القرب من الله، خاصةً في قيام الليل، مع الدعاء لزوجكِ أن يصلح حاله، وأن يرزقه الرزق الحلال الطيب، ويمكنكِ معرفة الأذكار التي تزيد الرزق فتلازميها، كما عليكِ الإكثار من تلاوة القرآن، ومعرفة الأحكام الشرعية التي أمرنا الله بها.
دعائي لكِ أن يلهمكِ الله الصواب والعمل به؛ ليصلح حالكِ، وتطمئن نفسكِ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.