استشارات متعلقة
تاريخ الإضافة: 22/6/2024 ميلادي - 15/12/1445 هجري
الزيارات: 23
♦ الملخص:
رجل عقد قرانه على فتاة كانت لها تجارب جنسية سابقة، لكنها تابت منها، وبعد عقد القِران علِم أنها تشاهد الإباحيات، فواجهها، فأخبرته أنها تتعلم منها، ثم علِم أنها تتابع صورًا لشواذ الرجال، ويسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
أنا شابٌّ في أول الثلاثينيات، نشأت في بيت متوسط الحال، أدمنتُ الإباحية وما زلت حتى الآن أمارس العادة السرية، فكَّرت في الزواج، فخطبتُ، وفي مدة الخطبة وقعت في يدي - بطريق الصدفة - ملفات لخطيبتي بمحادثات إباحية، ومشاهد غير جيدة لأفلام من الإنترنت تشاهدها مع الشخص الذي تحادثه، قمت بمواجهتها، وأخبرتني أنها زلَّة تمكَّنت منها، وكانت لغرض التسلية لا أكثر، وعَزَمَتْ الأمر على إنهاء الموضوع، وبالفعل قامت بمسح جميع من تتواصل معهم وأعلنت توبتها، بعد سنة من هذه الحادثة، رجعت من السفر إليها لعمل عقد القِران، وتم عقد القران بفضل الله، وبعدها ومن باب الفضول أمسكتُ هاتفها، واطَّلعت على سجلَّات البحث على الإنترنت، ووجدت أغلب المواقع التي تتم زيارتها هي المواقع الإباحية، قمت بمواجهتها للمرة الثانية بمنتهى الهدوء، وصارحتها بأنني أقع في نفس المشكلة، وأريد أن أتوب منها، وأنَّ من أغراض زواجنا أنْ نبعد عن هذه الأمور، فاعترفت لي أن هدفها كان التعلم لا أكثر ولا أقل، مؤخرًا وبمحض الصدفة أيضًا عرَفت أنها تتابع صورًا لرجال تمارس الشذوذ، لم أواجهها بعدُ، ولا أدري هل أواجهها أو أترك الأمر للزمن؟ أفيدوني بالحكمة والموعظة الحسنة، وبارك الله فيكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: لا شكَّ أنكما أخطأتما باقتحامكما مواقع الرذائل الإباحية والشاذة؛ ولذا فعليكما المبادرة للتوبة الصادقة التي من علاماتها:
الإقلاع التام.
الندم.
العزم.
والبعد نهائيًّا عن كل ما قد يوقعكما في الفتن من نظرٍ مُحرَّم، ومواقع العفن الجنسي، وغيرها.
وإذا تُبْتُما بصدق وإخلاص، فأبْشِرا بالعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة بقبول توبتكما، وبإبدال سيئاتكما إلى حسنات؛ للأدلة الآتية:
لقوله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 53 - 56].
ولقوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].
ولقوله سبحانه: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].
ثانيًا: عليك بالمبادرة إلى الزواج في أقرب وقت ممكن، ولا تتأخر لأن تأخُّرَك يزيدك تعرضًا لبؤر الفتن والمعاصي.
ثالثًا: إذا تزوجتَ، فخُذْ زوجتك معك إلى مقر إقامتك؛ لأن سفرك لبلد آخر، وبُعْدَك عنها مدة طويلة، تفتقدان معه أهداف الحياة الزوجية السعيدة التي منها:
السكن.
والمودة.
والرحمة.
والاستعفاف.
كما قال سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
رابعًا: قلتَ: إنك نصحتَ خطيبتك أكثر من مرة بعدم ولوج مواقع العفن الجنسي والشاذ، ولكن تكرر منها العودة إليها، بل وممارسة بعض الشذوذيات، ويُفهم من هذا أنها قد مَرِضت وفُتنت بهذه المواقع، والإقلاع عنها وعن تبعاتها لمن تلوَّث بها ليس سهلًا، وقد يستمر عليه أعوامًا، حتى بعد الزواج؛ بسبب ضعف الإيمان، وتزيين الشيطان، وفتنة إطلاق النظر للمحرَّمات، التي ربما علقت القلب تعلقًا شديدًا، وزهدت عن الاستعفاف بالحلال، وفي حالات أخرى ربما منَّ الله على مَن تلوَّث بها بتوبة صادقة وسيرة حميدة؛ ولذا فقدِّرِ المصالح والمفاسد لك ولها، واستخِرِ الله مرات عديدة بإخلاص وتجرد كامل في أمركما، وسيدلك الله سبحانه على ما هو خير لكما.
خامسًا: ولكن إن نويتَ إتمام الزواج منها، فإياك وإياك أن تسافر عنها مددًا طويلة بحجة طلب الرزق؛ لأن هذا البعد مع عدم وجود مصدر حلال للاستعفاف، وعدم وجود الرقيب، ربما أدى لانزلاقكما - أو أحدكما - في وحل الفاحشة، أو ما قد يقرب إليها من فتن متعددة، فنصيحة لك إما أن تأخذها معك، أو تبقى معها وتتحمل نقص العيش، فهو خير من نقص العِرض.
وإليك هذا الموقف المعبِّر لمثل حالتك وتأمله كثيرًا: مَرَّ عمرُ رضي الله عنه ذات ليلة بجوار بيت، وهو يفتقد أحوال الرعية، فسمِع امرأة تقول بعدما أرخى الليل سدوله:
تطاول هذا الليل واسودَّ جانبه
وليس إلى جنبي ضجيعٌ ألاعبُهُ
فوالله لولا اللهُ تُخشى عواقبه
لَحُرِّك من هذا السرير جوانبُهُ
فرأى امرأةً تشتاق إلى رجل وتقول: سيتحرك السرير لولا تقوى الله جل وعلا، فخشِيَ على رعيته من الزنا، فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عن صاحب هذا البيت، فقالوا: هذا البيت لفلان، وسأل عن زوجته فبعث إليها، وقال لها: سمعت منكِ كذا وكذا، ما بالكِ تقولين هذا؟ فبينت له أن زوجها قد ابتعد عنها أشهرًا عديدة، ولم تستطع الصبر، فذهب إلى حفصة - وهنا أخذ الفقهاء قاعدة في بُعْدِ الرجل عن زوجته - فقال: يا بنتي، ما المدة التي تحتمل فيها المرأة البعد عن زوجها؟ فطأطأت رأسها حياءً من أبيها، قال: عزمتُ عليكِ أن تقولي، فقالت: أربعة أشهر، فحدَّد أن الرجل لا يبتعد عن امرأته أكثر من أربعة أشهر، ومع أن الجهاد ذروة سَنَام الإسلام، لكن عمر أراد أن يحافظ على رعيته، ويحافظ على دينهم، فكتب: لا يغزُوَنَّ أحد فوق أربعة أشهر، ولا تخرج سرية فوق أربعة أشهر، فعل كل هذا حفاظًا على الرعية.
أقول: وفي هذا الزمن الذي اشتدت به الفتن عن طريق بعض مواقع تأجيج الشهوات يزداد الخوف على الجنسين معًا، واللبيب بالإشارة يفهَمُ.
حفظك الله، ودلَّك على أرشد أمركما، وغفر الله لكما ذنوبكما، ووفقكما للتوبة النصوح، وأعاذكما من شرور الفتن.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.