أكدت رئيسة المحكمة الجنائية الدولية، القاضية توموكو أكاني، يوم الاثنين أن التهديدات التي تواجه المحكمة، بما في ذلك العقوبات الأمريكية المحتملة ومذكرات التوقيف الروسية ضد موظفيها، "تهدد وجودها ذاته".
وجاء هذا التصريح خلال مؤتمر سنوي للدول الـ124 الأعضاء في المحكمة، حيث أشارت أكاني إلى الولايات المتحدة وروسيا كعضوين دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دون تسميتهما، مشددة على أن هذه الضغوط تشكل اختبارًا حاسمًا لاستقلالية المحكمة وقدرتها على تحقيق العدالة.
وفي سياق التحديات، قال كريم خان، المدعي العام للمحكمة، في افتتاح المؤتمر، إن التوقعات من الضحايا والمجتمع المدني باتت غير مسبوقة، مضيفًا أن المحكمة تواجه لحظة مفصلية. وتأتي هذه التصريحات في ظل تصاعد الضغوط على المحكمة، خصوصًا بعد إصدار روسيا مذكرة توقيف بحق خان بعد شهرين فقط من إصدار المحكمة مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خلفية اتهامات بترحيل الأطفال من أوكرانيا، وهي اتهامات تنفيها موسكو بشدة.
ومن جهة أخرى، أقرّ مجلس النواب الأميركي قانونًا يفرض عقوبات على المحكمة ردًا على طلب خان بإصدار مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. ووصفت أكاني هذه التحركات بأنها محاولات لتقويض شرعية المحكمة واستقلاليتها، مؤكدة أن العقوبات الاقتصادية القاسية تجعل المحكمة تبدو كأنها "منظمة إرهابية"، مما يهدد عملياتها واستمراريتها بشكل خطير.
ورغم أن المحكمة تأسست عام 2002 لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، إلا أنها لا تمتلك قوة شرطة لتنفيذ قراراتها، مما يجعل تعاون الدول الأعضاء أمرًا حاسمًا. ومع ذلك، يظل التزام الدول بمذكرات التوقيف محل شك، خاصة عندما تكون المصالح السياسية على المحك، حيث أعلنت فرنسا أن نتنياهو يتمتع بحصانة، في حين وصفت إيطاليا الوضع بالمعقد، بينما امتنعت بريطانيا وألمانيا عن توضيح موقفيهما. وحتى هولندا، التي تستضيف المحكمة، لم تقدم تفسيرًا واضحًا بشأن إمكانية تنفيذ المذكرة.
وهذا التردد يثير قلق المراقبين بشأن مستقبل المحكمة، حيث حذر البروفيسور سيرجي فاسيليف، خبير القانون الدولي، من أن التعامل الانتقائي مع أوامر المحكمة يمثل "تصعيدًا خطيرًا وخطوة نحو انهيار نظام روما الأساسي برمته". وأضاف أن التحدي الحقيقي الآن يكمن في مدى جدية الدول الأعضاء في احترام قرارات المحكمة، حتى عندما تتعارض مع مصالحها السياسية.
وفي ظل هذه الضغوط، تؤكد المحكمة الجنائية الدولية رفضها لأي محاولات للتأثير على استقلاليتها أو تسييس عملها، مشددة على أن التزامها الأول والأخير هو للقانون والعدالة. ومع تصاعد التحديات، تظل المحكمة في مواجهة اختبار وجودي حاسم سيحدد مستقبلها كمؤسسة تسعى لتحقيق العدالة الدولية.