في مطلع مارس (آذار) 2012، تحدثت وسائل الإعلام الإيرانية عن انفجار بأحد أنابيب البترول الرئيسية في المملكة، وتناقلت وكالات الأنباء العالمية الادعاء الإيراني، مما أدى إلى ارتفاع أسعار البترول بنحو سبعة دولارات في يوم واحد.
كان هدف إيران من هذا الخبر الكاذب سياسياً؛ ففي بداية عام 2012، سعى المجتمع الدولي إلى إيقاف إيران من تطوير سلاح نووي من خلال المقاطعة الاقتصادية، وتحجيم صادراتها البترولية. وإيران، من جانبها، سعت إلى جعل تلك المقاطعة مكلفة، بما في ذلك ارتفاع أسعار البترول.
وثلاثية البترول والسياسة والإعلام لها أهمية متزايدة، فمع ارتفاع استخدام البترول في بداية القرن العشرين، أصبح له دور رئيس يحظى باهتمام خاص على المستويات السياسية والاقتصادية والإعلامية.
ومع بداية القرن، استطاع جون راكفلر إيجاد شركة تسيطر على صناعة البترول «ستاندر أويل ترست». ومن أجل كسر هذا الاحتكار، قامت الصحافية الأميركية عايدة تاربل بهجوم إعلامي على راكفلر وشركته، مدّعية أن احتكار الشركة ليس في صالح المواطنين. وقد حظيت بدعم كبير من بعض السياسيين الأميركيين، ولاحقاً صدر قرار من المحكمة العليا في 1911 بكسر الاحتكار وتحويلها إلى أربع شركات: «شفرون»، «تاكسكو»، «فيلبس»، و«موبيل».
وخلال العقود التالية، ازدادت أهمية البترول، وتوسع إنتاجه واستهلاكه في جميع أنحاء العالم، وازدادت أهميته السياسية، فأصبحت شركات البترول هي الأكبر والأهم في الاقتصاد العالمي لعدة عقود (حالياً شركات التكنولوجيا والمعلومات).
وكانت لدى الشركات البترولية الغربية (الأخوات السبع) سلطة مطلقة في السوق البترولية، ففي أوائل 1959، قررت الشركات تخفيض أسعار البترول بنحو 10 في المائة، مما أثّر على دخل الدول المنتجة. وهنا بدأت قصة إنشاء منظمة الدول المصدرة للبترول، ولعبت الصحافية الأميركية ويندا غابلسونكي دوراً مهماً في التقارب بين عبد الله الطريقي، وزير البترول السعودي، ونظيره الفنزويلي بيير ألفنزو، خلال مؤتمر البترول العربي في القاهرة عام 1959.
وفي تلك الفترة، ظهرت الصحافة البترولية المتخصصة، من أهمها بتروليم إنتلجنس عام 1967، وقبلها في عام 1957 نشرة ميس والتي أنشأها في بيروت فؤاد اليتيم بدعم من شركة «أرامكو» (المملوكة والمُدارة آنذاك من قِبل الشركات الأمريكية).
وفي السبعينات والعقود التي تلتها، زاد الارتباط بين البترول والتطورات السياسية الدولية، وهذا يشمل، على سبيل المثال: حرب رمضان 1973، والمقاطعة البترولية العربية للدول المساندة لإسرائيل، والثورة الإيرانية، والغزو العراقي للكويت الذي سببه الظاهر قضايا بترولية.
ولعلّ آخر الأحداث انهيار أسعار البترول في عام 2020، بسبب جائحة كورونا، والحرب الروسية - الأوكرانية، والمقاطعة الغربية للبترول والغاز الروسيين، وأخيراً الحرب الإسرائيلية على غزة، وهجوم الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، وهذه ساهمت في ارتفاع أسعار البترول.
وخلال هذه العقود، حصل انفجار في الإعلام البترولي من ناحيتي الكم والكيف، كما حصل ارتباط وثيق بين الإعلام ومراكز الأبحاث والدراسات، فاندمجت نشرة بلاتس البترولية مع شركة «سيرا»، و«ستاندر آند بورز غلوبال»، الاستشارية والمالية، وأنشأت وكالات الأنباء العالمية مثل «رويترز» و«بلومبرغ»، إدارات خاصة بالطاقة، ودخلت وسائل التواصل الاجتماعي طرفاً في قضايا البترول، ففي يوليو (تموز) 2018 وباستخدام «تويتر»، بدأ ترمب يهاجم «الأوبك»، وبعد إحدى رسائله انخفضت الأسعار بنحو ثمانية دولارات في يوم واحد.
ومن أمثلة هذا الترابط، تفجير أنابيب السيل الشمالي في سبتمبر (أيلول) 2022، والتي تحمل الغاز الروسي إلى ألمانيا، ولم يدّعِ أحدٌ مسؤوليته عن هذا التفجير، إلا أن الصحافي البريطاني المعروف والمستقل، ديفيد هرس، عمل تحقيقاً صحافياً في فبراير (شباط) عام 2023 استنتج منه أن الولايات المتحدة تقف خلف هذا التفجير.
ويُستخدم الإعلام لعدة أهداف؛ لعلّ من أهمها بناء صورة إيجابية عن النفس، وبعث الرسائل بشكل غير مباشر، والتأثير على السوق والأسعار.
وفي المستقبل سيكون الترابط أكثر أهمية، فبجانب المواضيع التقليدية مثل أمن الطاقة، ودور الطاقة في الصراعات الدولية، فإن هناك جانبين مهمين ومترابطين ولهما أهمية خاصة:
الأول: التغير المناخي، حيث يرى العلماء أن درجة حرارة الأرض ترتفع باستمرار نتيجة الانبعاثات الضارة؛ وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون، وسوف يؤدي هذا لتغيرات كبيرة في المناخ بآثارها السلبية. وتحظى هذه النظرية بتأييد إعلامي وحكومي، حيث انضمت جميع الدول إلى «اتفاقية باريس 2015» التي تحد من الانبعاثات.
أما الجانب الثاني، والمرتبط بالأول، لكنه أكثر أهمية وأكثر إثارة للاختلاف، فهو التحول في استخدام الطاقة من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، من أجل الوصول إلى الحياد الصفري (التحول إلى اقتصاد بصافي صفر من الانبعاثات).
ومكمن الخلاف هو الكيفية، فبعض القوى مثل وكالة الطاقة الدولية، ترى أن يتم ذلك من خلال التقليص التدريجي لاستخدام الوقود الأحفوري، وعدم الاستثمار في استكشافات جديدة للبترول والغاز، أو بناء طاقات إنتاجية إضافية.
وفي المقابل، فإن بعض القوى مثل منظمة «أوبك» ترى استمرار زيادة الطلب على البترول، مما يتطلب استكشاف وإنتاج المزيد خلال العقود المقبلة، وإذا لم يحصل ذلك فسوف يحدث شح في الإمدادات وارتفاع في الأسعار، مما يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي.
ما الحل؟ يرى هذا الفريق أن أفضل طريقة للتعامل مع هذه القضية هو تقليل الانبعاثات من خلال عدة طرق، مثل جمع الكربون وتخزينه، وزراعة مزيد من الأشجار التي تمتص ثاني أكسيد الكربون.
هذه الاختلافات بين الفريقين بدأت تتسع عالمياً وداخلياً، ففي الولايات المتحدة يدعو الحزب الديمقراطي إلى تقليص استخدام الوقود الأحفوري، بينما يقف الحزب الجمهوري ضد هذا الاتجاه، وأصبحت وسائل الإعلام ساحة لهذه الاختلافات، ومع بداية هذا القرن كان الجانب المُعادي للوقود الأحفوري يكسب سبق الفوز، إلا أن الأمر بدأ التغير مؤخراً، حيث عاد التركيز على أمن الطاقة، وعدم الاندفاع نحو سياسات قد يكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي.
ومن المنطلقات السابقة فإن الترابط بين الأعمدة الثلاثة «البترول والسياسة والإعلام» سوف يزداد أهمية وتوسعاً من ناحيتي الكم والكيف خلال السنوات والعقود المقبلة.