منذ أن بدأ التوثيق في عام 2014، توفي أو فقد أكثر من 63 ألف شخص، ويُفترض أنهم فقدوا حياتهم، وفقاً لمشروع المهاجرين المفقودين، وكان عام 2023 هو العام الأكثر مأساوية حتى الآن.
قبل أكثر من عقد، أثارت وفاة 600 مهاجر ولاجئ إثر غرق سفينتين في البحر الأبيض المتوسط، بالقرب من الشواطئ الإيطالية، صدمة على المستوى العالمي، ودفعت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة إلى البدء في تسجيل عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم أو فقدوا أثناء فرارهم من الصراع أو الاضطهاد أو الفقر إلى دول اخرى.
ولطالما تعهدت الحكومات في جميع أنحاء العالم بإنقاذ حياة المهاجرين، ومحاربة المهربين مع تشديد الرقابة على الحدود.
لكن، بعد مرور 10 سنوات، يظهر تقرير صادر عن مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة، والذي نُشر يوم الثلاثاء، أن العالم ليس أكثر أماناً بالنسبة للأشخاص المتنقلين. بل على العكس من ذلك، ارتفعت وفيات المهاجرين بشكل كبير جداً.
وقال خورخي غاليندو، المتحدث باسم معهد البيانات العالمية التابع للمنظمة الدولية للهجرة، لوكالة أسوشيتد برس: "هذه الأرقام مثيرة للقلق جداً.. نرى أنه بعد مرور 10 سنوات، لا يزال الناس يفقدون حياتهم بحثاً عن حياة أفضل."
ويذكر التقرير أن هذه الإحصائيات قد "تكون مجرد جزء صغير من العدد الفعلي للأرواح المفقودة في جميع أنحاء العالم"، بسبب صعوبة الحصول على المعلومات والتحقق منها. وحتى عندما يتم تسجيل الوفيات، يظل أكثر من ثلثي الضحايا مجهولي الهوية.
وقد يكون ذلك بسبب نقص المعلومات والموارد، أو ببساطة، لأن تحديد هوية المهاجرين الموتى لا يعتبر أولوية.
ووصف الخبراء العدد المتزايد من المهاجرين المجهولين في جميع أنحاء العالم بأنه أزمة يمكن مقارنتها بالخسائر الجماعية التي يشهدها العالم في زمن الحرب.
ويقول التقرير إن خلف كل وفاة مجهولة عائلة تواجه "الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية لحالات الاختفاء التي لم يتم حلها، وهي ظاهرة مؤلمة تعرف باسم "الخسارة الغامضة".
وقال غاليندو: "على الحكومات أن تعمل مع المجتمع المدني للتأكد من أن أسر المهاجرين، التي لا تعرف مكان ذويها، يمكنها الوصول بشكل أفضل إلى رفات الأشخاص الذين فقدوا حياتهم".
ومن بين الضحايا الذين عرفت المنظمة الدولية للهجرة جنسياتهم، توفي واحد من كل ثلاثة أثناء فرارهم من بلدان تشهد صراعات.
وفي العقد الماضي، 60% من الوفيات التي سجلتها المنظمة الدولية للهجرة كانت مرتبطة بالغرق. ويُعد البحر الأبيض المتوسط أكبر مقبرة للمهاجرين في العالم، حيث تم تسجيل أكثر من 28 ألف حالة وفاة في الفترة نفسها.
كما تم تسجيل آلاف حالات الغرق على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وفي المحيط الأطلسي، وفي خليج عدن وبشكل متزايد في خليج البنغال وبحر أندامان، حيث يستقل لاجئون من الروهينغا اليائسين قوارب مكتظة.
ويقول التقرير: "يجب تعزيز قدرات البحث والإنقاذ لمساعدة المهاجرين في البحر، بما يتماشى مع القانون الدولي ومبدأ الإنسانية".
عندما بدأ مشروع المهاجرين المفقودين في عام 2014، كانت المشاعر الأوروبية أكثر تعاطفاً مع محنة المهاجرين، وأطلقت الحكومة الإيطالية "ماري نوستروم"، وهي مهمة بحث وإنقاذ كبرى أنقذت الآلاف من الأرواح.
لكن التضامن لم يدم، وتم تقليص مهام البحث والإنقاذ الأوروبية تدريجياً بعد مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تشجيع المهربين على إطلاق المزيد من الأشخاص على قوارب أرخص وأكثر فتكاً.
وحين بدأت المنظمات غير الحكومية في التدخل، لم تكن مساعدتهم موضع ترحيب دائماً، بل أنها واجهت عقبات بيروقراطية وقانونية متزايدة في إيطاليا واليونان.
وفي أعقاب أزمة الهجرة 2015-2016، بدأ الاتحاد الأوروبي في الاستعانة بمصادر خارجية لمراقبة الحدود وعمليات الإنقاذ البحري في دول شمال إفريقيا "لإنقاذ الأرواح" مع منع المهاجرين من الوصول إلى الشواطئ الأوروبية.
وتعرضت هذه الشراكات المثيرة للجدل لانتقادات من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان، وخاصة الشراكة مع ليبيا.
وتم ربط حرس السواحل الليبيين المدربين والممولين من قبل الاتحاد الأوروبي بالمتاجرين بالبشر الذين يستغلون المهاجرين الذين يتم اعتراضهم وإعادتهم إلى مراكز الاحتجاز البائسة.
ووجدت مجموعة من الخبراء تدعمها الأمم المتحدة أن الانتهاكات المرتكبة ضد المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط وفي ليبيا قد ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.
وعلى الرغم من ارتفاع الجدران الحدودية والمراقبة المشددة في جميع أنحاء العالم، يبدو أن المهربين يجدون دائما بدائل مربحة، مما يدفع المهاجرين واللاجئين إلى سلوك طرق أطول وأكثر خطورة.
وقال غاليندو: "إذا أردنا حقاً أن تكون السنوات العشر المقبلة مختلفة عن العقد الماضي، فنحن بحاجة إلى التأكد من وجود فرص أفضل وأكثر لانتقال الأشخاص وتقديم طلبات اللجوء".