المشاعر وصانعو القرار

منذ 2 أشهر 45

إذا طُلب مني أن أسرد أهم الإنجازات الفكرية الرئيسية في نصف القرن الماضي، فسوف أدرج بالتأكيد الثورة في فهمنا للعاطفة.

لمئات السنين، كان من الشائع في الفكر الغربي تخيل وجود حرب أبدية بين العقل والمشاعر. في هذا الأسلوب من التفكير، العقل هادئ وعقلاني ومتطور. أما المشاعر فهي بدائية واندفاعية، ومن المحتمل أن تقودنا إلى الضلال. والشخص الحكيم يستخدم العقل للتغلب على وتوجيه المشاعر البدائية. يجب أن يحاول العالم، أو رجل الأعمال، أو أي مفكر جيد أن يكون موضوعياً ومنفصلاً عن المشاعر، مثل الحاسوب الذي يزن الأدلة بحذر ويحسب الطريقة الأكثر ذكاء للمضي قدماً.

وجهت علوم الأعصاب الحديثة ضربة قاضية لهذا الأسلوب في التفكير. إذا كان الناس يعتقدون من قبل أن المشاعر بدائية ومدمرة، فإننا نفهم الآن أنها غالباً ما تكون حكيمة. معظم الوقت، توجه المشاعر العقل وتجعلنا أكثر عقلانية. إنها مبالغة، لكن ربما يمكن التسامح عنها بأن نقول إن هذا تحول منافس للثورة الكوبرنيكية في علم الفلك (نسبة إلى عالم الفلك نيكولاس كوبرنيكوس).

المشكلة أن ثقافتنا ومؤسساتنا لم تلحق بمعرفتنا. لا نزال نعيش اليوم في مجتمع مفتون بشكل مفرط بالقوة العقلية الصِرف. تصنف مدارسنا الأطفال وفقاً لقدرتهم على الأداء الجيد في الاختبارات القياسية، متجاهلة نوع الحكمة الذي يتم الاحتفاظ به في الجسم والذي يعد أمراً بالغ الأهمية بالقدر نفسه لتوجيه الحياة. وتستند نماذجنا الاقتصادية إلى فكرة أن البشر مخلوقات عقلانية تحسب مصلحتها الذاتية بكل برودة، ثم نفاجأ عندما يسوق المستثمرون أنفسهم إلى جنون فقاعة سوق الأوراق المالية.

كثير من الناس ينفصلون عن حياتهم الداخلية؛ لأنهم لا يعرفون كيف تعمل عواطفهم. أنظر إلى كل الحزن والضيق في العالم وأستنتج أننا لسنا جيدين في بناء روابط عاطفية صحية.

إذن ما هي بعض الأشياء التي علمتنا إياها علوم الأعصاب الحديثة؟ حسناً، بدأت الأمور بالتحرك عام 1994؛ عندما نشر أنطونيو داماسيو كتابه الكلاسيكي «خطأ ديكارت». درس داماسيو مرضى يعانون من مشاكل في معالجة المشاعر. لم يكونوا أذكياء للغاية مثل سبوكس. كانوا غير قادرين على اتخاذ القرارات وتدهورت حياتهم. لقد أثبت أن المشاعر تمنح قيمة للأشياء ببراعة، ومن دون معرفة ما هو مهم، أو ما هو جيد أو سيئ، فإن الدماغ يدور فقط في دوامة. المشاعر والعقل نظام واحد لا يتجزأ لاتخاذ القرارات الجيدة.

منذ ذلك الحين، انطلق علماء الأعصاب إلى دراسة المشاعر بكل جهدهم. لدينا فهم أفضل لكيفية تشكل المشاعر وما تفعله لنا. ولتبسيط الأمر قليلاً، تحت الإدراك الواعي، يتفاعل جسمك باستمرار مع الأحداث من حولك: تسارع ضربات القلب أو تباطؤها، تقصير أو إطالة النفس، هدير أو أنين عملية التمثيل الغذائي لديك. يحدث كثير من هذه التفاعلات في الجهاز العصبي المعوي في الجهاز الهضمي، الذي يطلق عليه أحياناً «الدماغ الثاني». هناك ما يصل إلى عدة مئات من ملايين الخلايا العصبية في هذا النظام؛ 95 في المائة من الناقل العصبي «سيروتونين» موجود هناك.

في كل ثانية من كل يوم، يراقب دماغك الإشارات المرسلة من جسمك ويسارع لإعطاء معنى لها. هل هذه المجموعة من الاستجابات الجسدية توتر؟ أم قلق؟ أم لا! هذا رعب!

يبدأ الجسم بالعمل ثم يبني العقل تجربة عاطفية. يبدو الأمر كما لو أننا خفنا وبدأنا بالركض من الدب. ولكن كما توقع عالم النفس ويليام جيمس ببراعة منذ أكثر من قرن، من الأكثر دقة أن نقول إننا نبدأ بالركض من الدب ثم نخاف.

تضعنا المشاعر في الحالة الذهنية الصحيحة حتى نتمكن من التفكير بفاعلية في الموقف الذي نحن فيه. كما قال عالم الأعصاب رالف أدولفس إلى ليونارد ملودينوف لأجل كتابه «العاطفي»: «العاطفة هي حالة وظيفية للعقل تضع دماغك في وضع تشغيل معين يضبط أهدافك، ويوجه انتباهك، ويعدل الأوزان التي تعينها لمختلف العوامل أثناء قيامك بالحسابات العقلية».

بعبارة أخرى، توجه المشاعر العقل في اتجاه واحد أو آخر اعتماداً على الظروف. يساعدنا الغضب على التركيز على الظلم. وتدفعنا الرهبة إلى الشعور بالصغر في وجود العظمة والتعامل الجيد مع الآخرين. وتضعنا النشوة في إطار ذهني للمخاطرة. وتجعل السعادة الناس أكثر إبداعاً، وأكثر مرونة في تفكيرهم. ويدفعنا الاشمئزاز لرفض السلوك غير الأخلاقي. ويساعد الخوف في تضخيم حواسنا وتركيز الانتباه. ويضعنا القلق في حالة ذهنية متشائمة، وأقل ميلاً للمجازفة. ويُحسّن الحزن الذاكرة، ويساعدنا في اتخاذ أحكام أكثر دقة، ويجعلنا أكثر وضوحاً وأكثر انتباهاً للإنصاف.

كما قالت ليزا فيلدمان باريت في كتابها «كيف تتشكل المشاعر»: «قد تعتقد أنه في الحياة اليومية، تؤثر الأشياء التي تراها وتسمعها على ما تشعر به، ولكن الأمر عكس ذلك في الغالب: ما تشعر به يغير بصرك وسمعك».

لاحظ عالم الأعصاب جون كوتس أن الجسم هو «قوة عظمى تقف خلف الدماغ، وتطبق الضغط بشكل فعال في النقطة الصحيحة، وفي الوقت المناسب، لمساعدتنا على الاستعداد للحركة». لكن كوتس يعرف أيضاً أن عواطفنا تخطئ في بعض الأحيان وتضعنا في حالة ذهنية مدمرة للذات. قبل أن يكون عالم أعصاب، كان متداولاً في وول ستريت في «غولدمان ساكس» و«ميريل لينش» و«دويتشه بنك». في كتابه الرائع لعام 2012 «الساعة بين الكلب والذئب»، يصف كيف يمكن أن تغير أسواق الأسهم الصاعدة العقلية العاطفية للمتداولين:

مع بدء سوق صاعدة في التحقق من معتقدات المستثمرين، تتحول الأرباح التي يحققونها إلى أكثر من مجرد جشع: فهي تجلب مشاعر قوية من النشوة والقوة المطلقة. في هذه المرحلة، يشعر المتداولون والمستثمرون بأن قيود الحياة الأرضية تنزلق من على أكتافهم ويبدأون في شد عضلاتهم مثل البطل الخارق المولود حديثاً. يتم استبدال تقييم المخاطر بأحكام اليقين - فهم يعرفون فقط ما سيحدث: تبدو الرياضات الخطرة كأنها لعبة للأطفال، ويصبح الجنس نشاطاً تنافسياً. حتى إنهم يمشون بشكل مختلف: أكثر استقامة، وأكثر عزماً، حيث يحمل وجودهم تلميحاً بالخطر: «لا تعبث معي»، كما يبدو أن أجسادهم تقول.

كان هرمون التستوستيرون يتدفق في الجسم. وبدأ الدوبامين في التدفق. هذا هو نوع العقلية التي تنتج الفقاعات والأزمة المالية العالمية الغريبة. والنشوة تسبق السقوط.

كيف يمكن للمتداولين أداء وظائفهم من دون التسبب في انفجار النظام المالي العالمي؟ الجواب ليس قمع المشاعر. يحتاج صانعو القرارات إلى المشاعر لتحمل المخاطر والمضي قدماً. يحتاج المتداولون إلى الشعور بالسوق في أجسادهم، واستخدام عواطفهم لمعرفة الإشارات التي يمكن تجاهلها بأمان على شاشات الكومبيوتر والأخرى التي تعدّ تحذيرات خطيرة تستدعي الاهتمام.

* خدمة «نيويورك تايمز»