بقلم: Imen Oueslati & يورونيوز
تشاد، حليف استراتيجي لفرنسا، وواحدة من أهم دول منطقة الساحل التي كانت تستضيف القوات الفرنسية.. فلماذا قررت انجامينا إنهاء اتفاقيات التعاون الدفاعي مع باريس؟ خصوصا إذا علمنا أن آخر جندي فرنسي يستعد لمغادرة النيجر يوم غد الجمعية، وليس السنغال من ذلك ببعيد.
تعتبر جمهورية تشاد نقطة محورية في الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا، وهي آخر معقل لباريس، بعد انسحاب قواتها من مالي، و بوركينا فاسو، والنيجر. وبعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، أعلن نظيره التشادي، عبد الرحمن كولامالا، إنهاء الاتفاقية الموقعة بين فرنسا ومستعمرتها السابقة، في خطوة فاجأت المراقبين.
لقد كان لفرنسا وجود فعلي في تسعة بلدان، هي: مالي والنيجر وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد والغابون والسنغال وكوت ديفوار، علاوة على جيبوتي التي تستضيف 1500 جندي فرنسي، وباتت تمثل وحدها 80% من الوجود العسكري الفرنسي في القارة، بينما لن يظلّ في الغابون وكوت ديفوار سوى مائة جندي فقط.
وكان عديد القوات، إبان أوج عهد فرنسا في القارة السمراء بعد الاستقلال في عام 1960 بفترة وجيزة، يبلغ 60 ألف جندي في حوالي 90 حامية في القارة وفي مدغشقر.
تفاصيل القرار التشادي
أكد عبد الرحمان كولام الله Abderaman Koulamallah وزير الخارجية التشادي أن انسحاب بلاده من الاتفاقية مع فرنسا لا يعني القطيعة الكاملة، حيث لا يزال هناك حوالي ألف جندي فرنسي في البلاد، كما أوضح أن تشاد ستلتزم بالشروط المحددة لإنهاء الاتفاقية، بما في ذلك فترة الإشعار المسبق.
وأكد عبد الرحمن كولام الله في بيانه الصحفي أن القرار التشادي ”اتُّـخـذ بعد تحليل معمق“ ويمثل ”نقطة تحول تاريخية“. وأضاف: ”بعد مرور 66 عامًا على إعلان جمهورية تشاد، حان الوقت لكي تؤكد تشاد سيادتها الكاملة وتعيد تحديد شراكاتها الاستراتيجية بما يتماشى مع الأولويات الوطنية“. وأضاف أن زيارة جان نويل بارو قد عززت أيضًا العلاقات الثنائية ”على جميع المستويات“.
وكانت زيارة جان نويل بارو تهدف إلى تقييم الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب في السودان. وقد زار إلى جانب الوزير التشادي مخيمات اللاجئين في أدره حيث أعلن عن مساعدات فرنسية إضافية بقيمة 7 ملايين يورو للمنظمات الإنسانية.
من جهة أخرى تعتبر العلاقات بين تشاد وفرنسا تاريخية ومعقدة، حيث كانت فرنسا تدعم الحكومة التشادية في مواجهة التهديدات الأمنية، ومع ذلك، يرى المسؤولون التشاديون أن الوقت قد حان لتعزيز السيادة الوطنية وإعادة تقييم الشراكات الاستراتيجية.
إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية في السينغال ومالي
في سياق متصل، أعلن الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي بدوره عن ضرورة إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية في السنغال، مستندًا إلى مبدأ السيادة كذلك، هذه التحركات تعكس تزايد الضغوط على فرنسا في المنطقة بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول الساحل.
وفي ذروة عملية برخان سنة 2014، التي نُشرت في مالي لمكافحة الإرهاب، كان هناك أكثر من 5100 جندي فرنسي منتشرين في هذا البلد، حتى رحيلها المتتالي من باماكو أولاً، قبل أن تنسحب من بوركينا فاسو ثم من النيجر، بعد الخلاف مع الأنظمة الانقلابية في هذين البلدين. وفي نهاية عام 2022، غادر آخر الجنود الذين كانوا مسؤولين عن تأمين المطار، جمهورية أفريقيا الوسطى.
النيجر وبوركينا فاسو
أما في النيجر، فقد نُشر الجزء الأكبر من القوات الفرنسية في قاعدة نيامي الجوية، بينما انتشرت القوات الأخرى إلى جانب قوات النيجر في موقعين أماميين في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والذي تعتبر ملاذًا للجماعات المرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
ومنذ الانقلاب على الرئيس النيجري المنتخب محمد بازوم، الذي لا يزال محتجزًا في مقر إقامته، قطع الجنرالات الذين استولووا على السلطة علاقاتهم مع العديد من الشركاء الغربيين وتقاربوا مع الروس. ومع ذلك، فلا تزال النيجر تحتفظ بوحدات أمريكية، ثم بدرجة أقل من ذلك، بوحدات ألمانية وإيطالية.
وفي بداية ديسمبر/كانون الأول، أعلنت نيامي إنهاء بعثتين مدنيتين وعسكريتين تابعتين للاتحاد الأوروبي. وقالت الولايات المتحدة وألمانيا إنهما على استعداد لاستئناف المناقشات مع النيجريين.
ومن المقرر أن يغادر آخر الجنود الفرنسيين المنتشرين في النيجر البلاد يوم الجمعة، إيذاناً بالطلاق بين باريس والنظام العسكري الذي وصل إلى السلطة في انقلاب في نيامي، مع وضع حد لأكثر من عشر سنوات من القتال الفرنسي ضد الجهاديين في منطقة الساحل.
السياق العام و التداعيات المحتملة
ويأتي انسحاب 1500 جندي وطيار فرنسي من النيجر، آخر حليف لباريس في منطقة الساحل قبل وصول الجنرالات إلى السلطة في 26 تموز/يوليو، بعد انسحاب مالي وبوركينا فاسو، حيث تم طرد فرنسا أيضا من قبل الحكام الجدد.
وقد غادر السفير الفرنسي لدى النيجر، سيلفان إيتاي، الذي طردته السلطات، البلاد في نهاية سبتمبر/أيلول، بعد أسابيع من احتجازه داخل مقر ممثلية بلاده. وقالت مصادر دبلوماسية يوم الخميس إن فرنسا قررت إغلاق سفارتها في النيجر، حيث ”لم تعد قادرة على العمل بشكل طبيعي“، لتنهي بذلك الطلاق بين البلدين بشكل نهائي.
تأتي هذه التطورات وسط تزايد التعاون بين دول الساحل مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، والتي تسعى إلى تعزيز تحالفاتها الإقليمية وتوسيع علاقاتها مع دول مثل روسيا. كما أن الانسحاب الفرنسي من هذه الدول يعكس تحديات جديدة تواجهها باريس في الحفاظ على نفوذها العسكري والسياسي في إفريقيا.