الفتاة السمراء لا يجب عليها لبس النقاب!

منذ 2 أشهر 61

الفتاة السمراء لا يجب عليها لبس النقاب!


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/9/2024 ميلادي - 8/3/1446 هجري

الزيارات: 26


السؤال:

الملخص:

فتاة سمراء منقبة، ساءها ما تجده في المجتمع من تفضيل البنت البيضاء على السمراء، وترى أن هذا السبب في تأخُّر زواجها، وأنه من غير المفروض أن تلبس النقاب؛ لأنها ليست جميلة، وقد أصابها ذلك بضيق شديد، وسخط على أقدار الله، وتسأل: كيف تتخطى ذلك؟

التفاصيل:

السلام عليكم.

أنا فتاة في الثالثة والعشرين من عمري، سمراء اللون، منقبة، منذ الصغر أواجه كثيرًا من السخرية والتنمر؛ بسبب لون بشرتي، فالمجتمع يفضِّل البنت البيضاء، ويُبغض السمراء، أعلم أن لا فرق عند الله بين أبيض أو أسود إلا بالتقوى، لكن الواقع أن المجتمع يميل إلى تفضيل البنت البيضاء على السمراء، وهو أحد أسباب تأخر زواجي وزواج أخواتي، وأنا لا ألوم المجتمع في ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يمدح عائشة بقوله: "الحُميراء"، وهذا يدل على تفضيل البشرة البيضاء، ومدى جاذبيتها، أيضًا العبيد زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا سُودَ البشرة، هذا الأمر أصابني بضيق شديد، وتسرَّب إليَّ شعور أن الله عز وجل خلقنا – نحن سود البشرة – درجة ثانية، منبوذين، غير مرغوبين، لي صديقة بيضاء جميلة جدًّا، ومنقبة، تساعدنا كثيرًا، وفي إحدى الجلسات أخبرتنا عن كلمة قالها زوجها لها، قال: "ليس من الضروري لبعض الفتيات أن يلبسن النقاب، أما أنتِ فلا بد أن تلبسيه"، أحسست أن زوجها يقصدني وأخواتي؛ لأنه قد رآنا قبل ارتداء النقاب؛ ما أصابني بغُصَّة وقد فكَّرت في الأمر من قبل وأننا لا نستحق لبس النقاب؛ لأننا لسنا مصدر فتنة أو جمال، وكنت أكذِّب نفسي، لكن كلامه أكَّد الأمر لي، أتذكر أن إحداهن قالت لي عندما كنت صغيرة ولم أرتدِ الحجاب بعدُ: "ستُكتب عليك سيئات، وشعركِ ليس جميلًا"، أعلم أن الله قسَّم الأرزاق، وفضل بعض الناس على بعض، لكني لا أدري كيف أتعايش مع الأمر، فماذا أفعل لأتخطاه؟

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، وقد روى أحمدُ وأبو داود والترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله تعالى خَلَقَ آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسَّهل والحَزْن وبين ذلك))؛ [صححه الألباني وغيره].

فالله سبحانه هو الخالق الواهب، لا مانع لِما أعطى، ولا مُعطِيَ لِما منع، وهو سبحانه شاء أن يخلق الخَلْقَ بهذه الكيفية، فلا يصح هذا الامتهان وهذا الازدراء؛ وقد قال الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].

هذا ما يتعلق أختي الكريمة فيما نقوله ونفعله مع الآخرين، أما ما يتعلق بذواتنا نحن، فلا ينبغي أن نظلم أنفسنا بتركها عُرضة لكل سفيه سيئ الخلق، عاصٍ لله ورسوله، بتجنِّيه على الآخرين متجاهلًا مشاعرهم وأحاسيسهم، ساخرًا من خِلقة الله سبحانه، متكبرًا على عباد الله.

ذلك أن الإنسان إذا سلَّم الآخرين مفاتيح سعادته ورضاه عن ذاته، فقد عرَّضها للأخطار؛ ولذلك لا بد أن يتقبل الإنسان ذاته، وأن يشعر بقيمة مواهبه وقدراته.

وإني أتعجَّب، لماذا شاركتِ الآخرين امتهانَ ذاتك وازدراءها؟! ولماذا خمَّنتِ أن زوج صاحبتكِ يقصدكُنَّ؟! وحتى لو كان يقصدكن، فليس هو الحَكَم عليكن؛ ومن ثَمَّ يحِق له أن يصفكن بالجمال أو القبح، هو يمتدح جمال زوجته في حديث خاص بينهما.

حتى وصف النبي عليه الصلاة والسلام لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالحُمَيراء ليس فيه تفضيلٌ لجمالها على بقية النساء، وإنما هو يلاطفها بهذا الوصف.

فإن الحميراء هي البيضاء كما قال ابن الأثير في النهاية، والسندي في شرح سنن ابن ماجه، وابن منظور في اللسان، والعرب تسمي الأبيض أحمرَ؛ كما قال ابن حجر في الفتح: "والعرب تطلق على الأبيض الأحمر؛ كراهة اسم البياض لكونه يشبه البرص، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة: يا حميراء"؛ [انتهى].

وقد ورد وصف عائشة رضي الله عنها بهذه الصفة في رواية النسائي من طريق أبي سلمة عن عائشة قالت: ((دخل الحبشة يلعبون فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا حُمَيْرَاءُ، أتحبين أن تنظري إليهم، فقلت: نعم...))؛ [الحديث إسناده صحيح كما قال العراقي وابن حجر]، والمراد بالتصغير هو التكريم والملاطفة؛ كما قال أبو البقاء في كتاب الكليات.

ولماذا النظر إلى الشيء المفقود، وتضخيمه، وترك النظر إلى النِّعَمِ الأخرى؟! وهل الكون لا يوجد فيه إلا أصحاب البشرة البيضاء وأنتِ الشاذة عن نظام الكون؟! كلا أيتها الكريمة، الناس أذواق وأمزجة مختلفة، ولَسوفَ تجدين من يتناسب معكِ، ويتوافق مع صفاتكِ الخَلْقية والخُلُقية، ويُقدِّر ويُثمِّن ما وهبكِ الله من خِلْقَةٍ حسنة، ويراها كذلك جميلة.

وفكرة أن العبد هو من كان أسودَ اللون فقط فكرة خاطئة؛ فالعبودية سابقًا أصلُ سببِها الأَسْرُ في المعارك والغزوات، وهذه تقع على الأبيض والأسْوَد.

أسأل الله للجميع التوفيق والسعادة، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.