منذ سنوات طويلة، يتدفق السوريون الى لبنان وبعض دول الجوار هربًا من الحرب، لكن هذه المعادلة بدأت على ما يبدو تتغير خاصة في لبنان الذي بدأ الكثير من اللاجئين فيه بمغادرته عائدين إلى أوطانهم.
ومع تصاعد المشاعر المعادية للاجئين السوريين في لبنان، اختار مئات اللاجئين العودة إلى سوريا عابرين طرقًا خطرة في عودة إجبارية نحو مناطق شمال غرب سوريا الخارجة عن سيطرة النظام.
ومنذ نحو شهرين تتزايد نسبة اللاجئين الذين اختاروا الذهاب عبر طرق التهريب إلى إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، ويعبرون في طريقهم الجبال سيرًا على الأقدام ويقومون بعدها بعدها برحلة محفوفة بالمخاطر بواسطة دراجات نارية أو سيارة عبر الأراضي التي يسيطر عليها النظام.
تقول الأرقام إن نحو 1041 شخصًا وصلوا من لبنان إلى إدلب خلال شهر أيار/ مايو، مقارنة بـ 446 في الشهر السابق.
وقبل ذلك كان عدد العائدين قليلًا جدًا، حتى أن الحكومة المحلية في إدلب التي تديرها هيئة تحرير الشام المتمردة لم تتعقبهم رسميًا.
وقالت إدارة محلية مدعومة من تركيا تشرف على أجزاء أخرى من شمال غرب سوريا، إن الوافدين من لبنان زادوا هناك أيضًا.
ويستضيف لبنان، البلد الصغير الذي يواجه صعوبات اقتصادية صعبة للغاية أعلى نسبة من اللاجئين في العالم بالنسبة لعدد السكان، الأمر الذي زاد الضغوط عليه، مع تواجد 780 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة هناك، وهناك أيضًا مئات الآلاف غير المسجلين.
ودعا مسؤولون لبنانيون منذ سنوات طويلة إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي حلت بالبلاد عام 2019.
اندلعت التوترات في نيسان/ أبريل، عندما قُتل مسؤول في حزب القوات اللبنانية القومي المسيحي، باسكال سليمان، فيما قال مسؤولون عسكريون إنها عملية سطو فاشلة على يد عصابة سورية.
وأدى ذلك إلى اندلاع أعمال عنف مناهضة لسوريا من قبل أفراد ومجموعات عرقية. قامت الأجهزة الأمنية اللبنانية باتخاذ إجراءات صارمة ضد اللاجئين، حيث داهمت وأغلقت الشركات التي توظف عمالًا سوريين غير شرعيين.
وتنظم الحكومة اللبنانية رحلات للعودة الطوعية، كما تطلق عليها، بينما تقوم السلطات بترحيل اللاجئين المتورطين في جرائم أو مشاكل كما تزعم.
على الرغم من خطورة الوضع في لبنان، إلا أن معظم اللاجئين ما زالوا يفضلون العيش في شمال غرب سوريا، الذي يسيطر عليه خليط من الجماعات المسلحة التي تتعرض لقصف منتظم من قبل القوات الحكومية السورية. كما أنها تعاني من خفض المساعدات من قبل المنظمات الدولية التي تقول إن الموارد ستذهب إلى أزمات جديدة في أماكن أخرى من العالم.
"جحيم لبنان"
يقول اللاجئ وليد محمد عبد الباقي: "كانت الحياة في لبنان جحيماً، وفي النهاية فقدنا ابني". عبد الباقي اختار العودة إلى إدلب في أبريل/نيسان، باعتبار أن مشاكل البقاء في لبنان أسوأ من مخاطر العودة.
اختفى ابن عبد الباقي، علي (30 عاما)، الذي قال إنه يعاني من الفصام، لعدة أيام في أوائل أبريل/نيسان بعد توجهه من وادي البقاع إلى بيروت لزيارة أخته والبحث عن عمل.
وفي النهاية عثرت عليه عائلته في مركز للشرطة في بلدة بعبدا. وقال عبد الباقي إنه كان على قيد الحياة لكن "جسده كان كله أسود وأزرق". وذكرت بعض التقارير الصادرة عن جماعات ناشطة أنه تعرض للضرب على يد عصابة عنصرية، لكن عبد الباقي أكد أن ابنه اعتقل من قبل مخابرات الجيش اللبناني لأسباب غير واضحة. وقال علي إنه وصف تعرضه للضرب والتعذيب بالصدمات الكهربائية. وتوفي بعد عدة أيام.
ولم يرد متحدث باسم مخابرات الجيش على طلب للتعليق. وقال فيصل دلول، طبيب الطب الشرعي الذي فحص علي، إنه كان مصاباً بعدة جروح "سطحية" لكن فحوصات رأسه وصدره لم تجد أي شيء غير طبيعي، وخلص إلى أن وفاته كانت طبيعية.
كان عبد الباقي مذهولًا لدرجة أنه اقترض 1200 دولار ليدفع للمهربين لنقله هو وابنه البالغ من العمر 11 عاماً إلى شمال غرب سوريا، وهي رحلة تضمنت رحلة شاقة عبر الجبال سيراً على الأقدام.
وقال: "لقد أمضينا أسبوعاً على الطريق وكنا خائفين طوال الوقت".
وهم يقيمون الآن مع أقاربهم في إدلب. وكان منزلهم قد تضرر في غارة جوية ثم دمره اللصوص.
وقال محمد حسن، مدير مركز "وصول" لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية تتابع أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان، إن "موجة منسقة من خطاب الكراهية والعنف ضد اللاجئين، والتي يبررها القادة السياسيون" تدفع البعض إلى المغادرة بسبب الخوف. وإلا فسيتم ترحيلهم قسرًا.
وبينما حذر المسؤولون اللبنانيون من الهجمات الأهلية على اللاجئين، فإنهم يلومون السوريين بشكل منتظم على ارتفاع معدلات الجريمة ودعوا إلى فرض المزيد من القيود عليهم.
وقال حسن إن الطريق من لبنان إلى إدلب "تخضع لسيطرة عصابات التهريب اللبنانية والسورية المرتبطة بميليشيات محلية وعابرة للحدود"، وهو غير آمن.
ويعد الطريق محفوفًا بالمخاطر بشكل خاص بالنسبة لأولئك المطلوبين للاعتقال في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية بسبب التهرب من الخدمة العسكرية أو الانتماء الحقيقي أو المشتبه به للمعارضة.
رمزي يوسف، من جنوب محافظة إدلب، انتقل إلى لبنان قبل الحرب الأهلية في سوريا من أجل العمل. وبقي كلاجئ بعد بدء الصراع.
عاد إلى إدلب العام الماضي مع زوجته وأطفاله، ودفع 2000 دولار للمهربين مدفوعاً بـ"العنصرية وضغوط الدولة والانهيار الاقتصادي في لبنان وانعدام الأمن".
معسكرات التعذيب في سوريا
وفي حلب تم إيقاف العائلة عند نقطة تفتيش واحتجازها بعد أن أدرك الجنود أنهم قدموا من لبنان. وقال يوسف إنه تم نقله بين عدة أفرع عسكرية وتم استجوابه.
وقال: "تعرضت للتعذيب كثيرًا، رغم أنني كنت خارج البلاد منذ عام 2009 ولا علاقة لي بأي شيء (في الحرب)".
نفت الحكومة السورية تقارير عن التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء في مراكز الاعتقال، واتهمت الحكومات الغربية بشن حملات تشهير ضدها ودعم "الإرهابيين".
وفي النهاية، تم إطلاق سراح يوسف وإرساله إلى الخدمة العسكرية الإجبارية. وقد هرب بعد أسابيع وتوجه مع عائلته إلى إدلب.
وقال إنه لم ينظر إلى الوراء.
وقال: "رغم الفقر والعيش في خيمة وكل شيء آخر، صدقوني، أنا سعيد وإلى الآن لم أندم على عودتي من لبنان".