♦ الملخص:
فتاة تعاني من الرهاب الاجتماعي منذ الصغر؛ ما جعلها في عزلة حتى عن أقرب الناس إليها؛ فهي لا تستطيع كسب الصداقات، ولا التعبير عن نفسها، وتخشى كلمات الناس لها وتنمرهم عليها، وتسأل: ما الحل للخروج من هذه القوقعة؟
♦ التفاصيل:
أنا فتاة في الثالثة والعشرين من عمري، أعاني من رهاب اجتماعي وعزلة منذ طفولتي، وسبَّب لي هذا مشاكل كبيرة لما كبرت؛ حيث أصبحت مهارات التواصل عندي شبه منعدمة، ولا أجيد التحدث أمام الناس، وأجد صعوبة بالغة في كسب علاقات مع الناس، تقدم إليَّ أربع شباب، كلهم رفضني؛ لِما اكتشفوا من شخصيتي، وهذا ما أفقدني ثقتي بنفسي أكثر، حاليًّا - بعد تخرجي في الجامعة - أنا جليسة المنزل، لا أخرج ألبتة، وليس لدي صديقات، وأخاف من الترشح لمباريات التوظيف، بل أخاف من أي خطوة جديدة، حالتي النفسية يُرثَى لها، حتى أقرب الناس إليَّ - والداي وإخوتي - لا يربطني بهم تواصل، مع أنني أعيش معهم، أنا لا أرتاح في وحدتي وبعدي عن الآخرين، وإنما أهرب من الشعور بالنقص؛ من التلعثم في الكلام، وعدم تعبيري عن رأيي بكل صراحة، والتعليقات التي تكسرني؛ من مثل: لماذا أنتِ قليلة الكلام؟ لماذا شخصيتكِ ضعيفة؟ لِمَ أنتِ فاشلة؟ وهكذا، ساعدوني على الخروج من هذه القوقعة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فمشكلتكِ تحتاج حلولًا شرعية، وحلولًا طبية نفسية، أما الطبية والنفسية، فيلزم لها عرضكِ نفسكِ على المختصين في هذه المجالات، وأما الحلول الشرعية فهي:
أولًا: الدعاء، وهو أعظم وأقوى أسباب التعافي؛ لأن الشافي هو الله سبحانه وحده؛ لقوله عز وجل: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80]، وقوله سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17].
وأهم شيء الدعاء بصدق ويقين، مع اختيار أفضل الأوقات والأحوال للدعاء؛ مثل: أثناء السجود، وبين الأذانين، وآخر الصلاة قبل السلام، وثلث الليل الأخير، وأثناء السفر، وأثناء الصيام، وغيرها، مع التوسل إلى الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، ثم التوسل بصالح الأعمال.
ثانيًا: الإكثار من الاستغفار والاسترجاع.
ثالثًا: أكْثِري من تلاوة القرآن؛ فهو من أعظم مقويات الإيمان، والطمأنينة، والثقة بالنفس، وهو أيضًا علاج فعَّال للخوف وتلعثم اللسان؛ قال سبحانه: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
رابعًا: أكْثِرِي من ذكر الله سبحانه بالتهليل والتسبيح، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأذكار الصباح والمساء؛ ففيها جميعًا علاجٌ وحماية، وطمأنينة وسكينة.
خامسًا: مجاهدة النفس على عدم الالتفات لكلام الناس عنكِ، والعوام قالوا كلمات صارت حِكمًا منها: (طنش تعش منتعش)، و(ضع في أذنٍ عجينةً وفي الأخرى طينةً)؛ يعني: لا تهتمي بكلام الناس أبدًا أبدًا.
سادسًا: جربي وأنتِ في غرفتكِ أن تتحدثي عن موضوع تختارينه، أو أن تتخيلي أنكِ تتحاورين مع الناس، وسجلي كلامكِ، وافعلي ذلك عدة مرات، وستجدين بإذن الله تحسنًا وانطلاقًا في لسانكِ.
سابعًا: جاهدي نفسكِ على ترك العزلة وعلى الاختلاط بأهلكِ وبالناس، حتى لو سمعت منهم ما يسوؤكِ، فإنهم إذا لحظوا أنكِ لا تهتمين بكلامهم، توقفوا عن الهمز واللمز.
ثامنًا: العزلة عن الناس، وكذلك البقاء الطويل، مع أجهزة التواصل تُنشئ شخصًا منطويًا دائمَ الخوف من كل شيء، وغير قادر أبدًا عن التعبير عما في نفسه؛ لأنه تعوَّد على الصمت والسماع فقط.
تاسعًا: عندما تخطين الخطوات الأولى للتغيير، فاحذري من مقارنة نفسكِ بالمتفوقين جدًّا عليكِ في القدرات؛ فإن هذه المقارنة منعطف خطر للفشل؛ واعملي بالحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ، وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَلَّا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ))؛ [متفقٌ عَلَيْهِ]، وهذا لفظ مسلمٍ، وفي رواية البخاري: ((إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ، فلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَل مِنْهُ)).
عاشرًا: ارقي نفسكِ بنفسكِ أو بوالديكِ بالرقية الشرعية، ليس لأن بكِ حسدًا أو سحرًا أو مسًّا، لا ليس بكِ شيء من ذلك، ولكن لأن الله سبحانه جعل القرآن من كل الأمراض الحسية والمعنوية؛ كما قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].
حادي عشر: والخلاصة هي: حافظي على الأسباب الشرعية، مع قوة الصدق والثقة بالله سبحانه؛ وهي:
تلاوة القرآن.
الصلاة.
الدعاء.
الاستغفار.
الاسترجاع.
الصدقة.
الرقية.
أذكار الصباح والمساء.
المجاهدة.
حفظكِ الله، وجمع لكِ بين الأجر والعافية، ورزقكِ الهمة لبلوغ القمة.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.