الصندوق السيادي ومشكلة الاقتصاد العراقي

منذ 1 سنة 134

تستحوذ في الوقت الحاضر صناديق الادخار والاستثمار على النسبة الأكثر من صناديق الثروة السيادية، وَفْق تصنيفات الصناديق المسجَّلة في المعهد الدولي للصناديق السيادية، وتأتي بعدها صناديق التنمية في المرتبة الثانية. وتسهم صناديق الثروة السيادية في تنويع اقتصاديات البلدان المالكة لها عبر تحويل الفوائض المالية، أو النقدية، لتلك البلدان إلى أصول ذات مردود اقتصادي واستخدامها في مجالات استثمارية «أسهم، وسندات، وعقارات... إلخ».

يمتلك العراق تجربة سابقة في إنشاء صندوق ثروة سيادي، وذلك عبر إنشاء الصندوق العراقي للتنمية الخارجية الذي تأسس بموجب القانون رقم «77» لسنة 1974، لكن بعد ذلك اقتصر عمل هذا الصندوق على إدارة مساهمات العراق المالية في المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية، كما كانت هناك محاولة لإنشاء صندوقين سياديين للعراق في عام 2018، إلا أنَّهما بقيا من دون تنفيذ عملي.

تُقسَّم اقتصاديات الدول من حيث مصدر الإيراد إلى 3 أقسام؛ اقتصاديات ذات مصادر إيرادية متنوعة، واقتصاديات ذات مصدر إيرادي أحادي «اقتصاديات السلة الواحدة»، وما بينهما القسم الثالث. ويقع العراق ضمن المجموعة الثانية، إذ يُعدُّ العراق من الدول الريعية، وذلك لاعتماده شبه الكلي على الإيرادات المتأتية من بيع النفط الخام، إذ تشكل الإيرادات النفطية نحو أكثر من «90 في المائة» من إجمالي إيرادات الموازنة العامة، كما تُسهم بنحو «45 - 60 في المائة» من تكوين الناتج المحلي الإجمالي.

وهذا أدَّى إلى اختلال هيكلي كبير في مصادر تمويل الموازنة العامة، ونتيجة للسياسات غير الحكيمة، وما شهده العراق من ظروف صعبة، تعمَّق هذا الاختلال؛ لينسحب على مجمل المؤشرات الاقتصادية، حتى أصبحت إيرادات النفط الخام دالة على مستوى الإيرادات العامة للدولة، وبصورة أعم دالة على مستوى نشاط الاقتصاد الوطني.

وتُعدُّ الموارد الطبيعية التي تتصف بالنضوب سلاحاً ذا حدين؛ لأنَّه يعتمد على طبيعة إدارة هذه الموارد واستخدامها، فقد تظهر هذه الموارد في دولة ذات فكر اقتصادي سليم فتستخدم كقاعدة أساس للنهوض وتنمية اقتصادها الوطني واستدامة ماليتها، التي تقتضي تخصيص الفائض أو نسبة معينة من إيرادات هذه الموارد في تطوير القطاعات الاقتصادية الأخرى وتنميتها من خلال صندوق الثروة السيادية، وقد تكون هذه الموارد نفسها متوفرة لدى دولة غير قادرة على تبنِّي وتطبيق فكر اقتصادي يساعدها في استغلال هذه الموارد بطريقة تمكنها من تطوير قطاعاتها الاقتصادية واستدامة ماليتها وإيراداتها، ما يؤدي إلى تبذير هذه الموارد. ومع الإيرادات الضخمة التي أدرَّها النفط الخام على العراق بعد عام 2003، فهذه الإيرادات لم تُستغل استغلالاً صحيحاً، ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من تطوير مصادر إيراداتها العامة وتنويعها، وبقيت تعتمد على إيراد ريعي ناضب.

لذا أدركت بعض الدول النفطية مثل السعودية والإمارات والكويت وقطر ما قد يواجهها من خطر كبير إذا لم تتمكن من تنويع مصادر إيراداتها العامة، ونظراً لاعتبار النفط سلعة ناضبة، وتحقيقاً لمبدأ الاستغلال الأمثل للموارد، اتجهت معظم الدول إلى ابتكار أسلوب في إدارة الإيرادات النفطية، وذلك عبر تأسيس صناديق سيادية لتحقيق أهداف وطنية؛ والمموَّلة إمَّا باحتياطات الصرف الأجنبي، أو صادرات الموارد الطبيعية، أو فائض الإيرادات العامة للدولة.

وتجدر الإشارة إلى أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي صعد للمركز السادس عالمياً بين صناديق الثروة السيادية، وفقاً لأحدث إحصائية من 2023 «SWF Institute»، وشهدت أصول الصندوق ارتفاعاً من 690 مليار دولار إلى 776.7 مليار دولار. ويذكر أن صندوق الثروة النرويجي يتربع على عرش الصناديق السيادية مع إجمالي أصول بلغ 1.47 تريليون دولار، يليه صندوق الاستثمار التعاوني الصيني، إذ يبلغ إجمالي أصوله 1.35 تريليون دولار، وفي المركز الثالث عالمياً جاء صندوق الثروة السيادي الصيني «SAFE» بصافي أصول 1.019 تريليون دولار، بينما كان صندوق سلطة الاستثمار في أبوظبي الرابع عالمياً والأول عربياً، مع أصول بلغت 853 مليار دولار، يليه صندوق الثروة الكويتي بصافي أصول 803 مليارات دولار، ثم صندوق سلطة الاستثمار القطري بواقع 475 مليار دولار.

وتكمُن أهمية هذه الصناديق في عدِّها أداة من أدوات السياسة المالية لتحقيق الاستقرار المالي، وتقليل احتمالية اللجوء إلى الاقتراض، كما تُعدُّ أداة مهمة في استثمار الفوائض المالية للدولة، فضلاً عن عدِّها أداة تحوطية من الآثار الناتجة عن تقلبات سوق النفط العالمية، والحفاظ على مستقبل الأجيال القادمة. وتبعاً لذلك، وانطلاقاً من وجوب استخدام موارد البلد بالطريقة المثلى، لذا حان الوقت لتأسيس صندوق العراق السيادي، أو تفعيل البدائل التي قد تؤدي نفس الدور، للاستفادة من الفائض المالي الحاصل في أسعار النفط، الذي يتوقع أن يوفر فائضاً مالياً كبيراً.