«الصحة العالمية» ومواد التحلية الصناعية

منذ 1 سنة 196

أوصت منظمة الصحة العالمية مؤخراً الناس بتجنب استخدام مواد التحلية الصناعية المخصصة لفقدان الوزن أو للحد من المخاطر المتعلقة بالصحة، مثل أمراض القلب ومرض السكري. استند هذا الرأي إلى مراجعة أجرتها المنظمة للأبحاث المتاحة عن مواد التحلية الصناعية التي ظهرت حتى هذه اللحظة.

للأسف، لا يمكن للناس الثقة بتلك النتائج؛ وذلك لأن الدراسات المتوفرة الخاصة بمواد التحلية الصناعية متخمة بالمشكلات المنهجية. رغم علم منظمة الصحة العالمية بهذا؛ إذ إنها قد وصفت درجة تأكدها من الأدلة المتاحة بالـ«منخفضة»، ربما يكون صحيحاً أن مواد التحلية الصناعية لا تساعد في فقدان الوزن، لكننا لسنا على يقين من هذا الأمر.

ليست هذه مشكلة مقتصرة على مواد التحلية الصناعية فحسب، فالأبحاث المتعلقة بالتغذية قليلة، وتتمحور المشكلات الواردة في الكثير من الأبحاث الخاصة بالمزاعم المتعلقة بالتغذية ونمط الحياة حول أشياء مثل القهوة والنبيذ والشيكولاتة الداكنة والأنظمة الغذائية المبتدعة ومقدار التمارين الرياضية. ويفسر ذلك جزئياً تغير وتبدل الآراء المتعلقة بما إذا كان تناول مقدار معتدل من الشيء «جيد» بالنسبة إليك، حيث أشارت مراجعة تم إجراؤها مؤخراً إلى أن الطرق البحثية المستخدمة في كثير من الدراسات السابقة الخاصة بفوائد تناول الكحول معيبة.

من الواضح أن النظام الغذائي وممارسة التمارين الرياضية يمثلان جزءاً مهماً من أي نمط حياة صحي، لكن يمثل تقدير أثر أي تغيير بشكل محدد ودقيق استناداً إلى طريقة إجراء أكثر الأبحاث الخاصة بالتغذية ونمط الحياة حالياً تحدياً كبيراً. إذا ما نظرنا في حالة مواد التحلية الصناعية، تعدّ الدراسات العشوائية، التي يتناول فيها أشخاص بشكل عشوائي علاجاً أو آخر لضمان عدم تدخل عوامل أخرى، المعيار المثالي. مع ذلك كثيراً ما تكون التجارب العشوائية المتعلقة بمواد التحلية الصناعية محدودة وقصيرة الأمد، وهو ما يجعل من الصعب التوصل إلى استنتاجات يمكن التعويل عليها فيما يتعلق بالآثار طويلة الأمد. كذلك كثيراً ما تكون الطريقة، التي يتم بها دراسة مواد التحلية الصناعية في التجارب، مختلفة كثيراً عن الطريقة التي يستخدم بها الناس تلك المواد في العالم الحقيقي.

على سبيل المثال، تناول المشاركون في بعض التجارب مواد تحلية صناعية إضافة إلى أنظمتهم الغذائية المعتادة، لا كبديل للسكر الحقيقي، وهو التدخل الذي يهتم به الباحثون كثيراً خلال بضعة أشهر في أكثر الأحوال.

لا يتم كثير من الدراسات الخاصة بمواد التحلية الصناعية، وغيرها من السلوكيات الغذائية والمتعلقة بنمط الحياة، بشكل عشوائي. على سبيل المثال، تتابع عدة دراسات خاصة بمواد التحلية الصناعية أشخاصاً خلال فترة زمنية بعد استخدامهم لمواد التحلية الصناعية، وتنظر في أثرها على الصحة مثل مستوى السكري أو الأزمات القلبية. وتتضمن تلك الدراسات مشاكل، حيث يتسم كثير منها بالجدية إلى درجة تجعل من الصعب التعامل معها بجدية. وأهم تلك المشكلات معروفة، وهي أن الارتباط لا يقتضي ضمناً السببية. إذا كان الأشخاص، الذين يتناولون كمية أكبر من مواد التحلية الصناعية أكثر عرضة للإصابة بداء السكري من النوع الثاني، فهل مواد التحلية الصناعية مسببة لمرض السكري؟ أو هل الأشخاص الذين يستخدمون كمية أكبر من مواد التحلية الصناعية أكثر عرضة حقاً للإصابة بداء السكري نتيجة جوانب أخرى من نظامهم الغذائي أو صحتهم؟ يمكن للباحثين محاولة تفسير الاختلافات الواضحة بين المجموعات، لكن من المستحيل تفسير وتوضيح كل شيء.

مع ذلك هناك طرق أخرى لدراسة العلاقة بين السبب والنتيجة فيما يتعلق بالسلوكيات الغذائية والخاصة بنمط الحياة، وذلك بتحديد المواقف التي يتعرض فيها الأشخاص إلى تلك السلوكيات، ليس على أيدي الباحثين الذين يدرسون الأمر بعشوائية، ولكن بطريق المصادفة. ما يُطلق عليها التجارب الطبيعية، والتي كثيراً ما تستخدم في علم الاقتصاد، قوية بشكل استثنائي، لكن يتم استخدامها بشكل محدود جداً في الأبحاث الطبية. على سبيل المثال، في عام 1953 ألغت بريطانيا نهج تقنين وترشيد السكر ومواد التحلية الذي كان مطبقاً وسارياً منذ الحرب العالمية الثانية. لاحظ كل من بول غيرتلر وتاديجا غراكنر، الخبيران في الاقتصاد المهتمان بدراسة أثر تناول السكر في مرحلة الطفولة، أن الأطفال الذين ولدوا خلال السنوات السابقة لإلغاء نهج التقنين، قضوا فترة طفولتهم المبكرة من دون استهلاك كبير للسكر في أنظمتهم الغذائية بسبب نهج التقنين المذكور. وكان مقدار السكر الذي تناوله الأطفال الذين ولدوا بعد ذلك بسنوات قليلة أكبر في أنظمتهم الغذائية، وعندما أصبح أولئك الأطفال كباراً ظل مقدار ما يتناولونه من السكر في أنظمتهم الغذائية أعلى من مقدار السكر الذي يتناوله البالغون الذين ولدوا أثناء فترة تنفيذ نهج تقنين السكر. وبقياس صحة المجموعتين طوال فترة تزيد على 50 عاماً، أي أطول من المدة التي تابعت فيها أي تجربة سريرية أخرى الأشخاص، اكتشف الباحثان أن تناول مقدار أكبر من السكر قد أدى إلى ارتفاع معدلات الإصابة بداء السكري، وارتفاع مستوى الكوليسترول، والتهاب المفاصل، وغيرها من آثار الالتهاب المزمن الأخرى.

كما تشير بعض الأبحاث، التي تستخدم تلك الطرق، إلى أن حتى تناول كميات صغيرة من الكحول قد يؤدي إلى ارتفاع مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية والسرطان.يمكن للمرء دراسة تلك الأسر ومقارنة النتائج طويلة الأمد على الصحة بين الطفل الأول والثالث اللذين تعرضا لبيئات مختلفة، فيما يتعلق بما يتناولنه الثلاثة من سكر. مع ذلك ليست هذه دراسة مثالية نظراً لعدم نشأة أولئك الأشقاء في بيئات متماثلة، لكنها أفضل من الدراسات الرصدية البسيطة؛ لأنها تستفيد من الطبيعة العشوائية لترتيب ميلاد الأشقاء.

رغم تزايد استفادة الباحثين في المجال الطبي من التجارب الطبيعية، بفضل زيادة البيانات الرقمية خلال السنوات القليلة الماضية، تظل تلك الطرق محدودة الاستخدام ولا يتم تدريسها على نطاق واسع، خاصة حين يتعلق الأمر بالنظام الغذائي. ويحتاج هذا البحث المهم إلى ثورة مصداقية وثقة قائمة بذاتها.

خدمة «نيويورك تايمز»