السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا شاب أبلغ من العمر 26سنة، وأعمل بوظيفة محترمة ولله الحمد والمنة،
بدأت القصة منذ عام، حينما تعرَّفت إلى سيدة في نفس عمري، مطلَّقة مرتين ولها ولدان؛ واحد من كل زوج.
كانت هذه السيدة في بداية عملها معنا غير ملتزمة من ناحية الملبس وطريقة التعامل، ثم بدأ بعض أخواتنا الكرام عظم الله أجورهن بتوعيتها دينياً، ووضعها على الطريق الصحيح، وكنت في هذه الفترة لا أحاول حتى مجرد رد السلام عليها، إلا في أضيق الحدود، وبمرور الوقت بدأت الأخت في سماع كلام أخواتها، وبدأت في الالتزام بطريقة ملحوظة، والحمد لله.
ومن بعد هذا الالتزام أيقنت أن حكمي عليها كان خاطئاً؛ فبَدَأت بالتقرب؛ من أجل زيادة التوعية الدينية، وكنت أراعي إقلال الاحتكاك وعدم كثرة الكلام، إلى آخر هذه الطرق التي يقف إبليس على ناصيتها.
ولكن؛ حدث ما لم يكن في الحسبان؛ وجدت بعد فترة أني متعلق بها إلى حد كبير، ليس هذا هو المهم، ولكني وجدتها بالفعل بدأت بالالتزام بشدة، بل وأظهرت فرحهاً لعودتها إلى الله قبل فوات الأوان، والحمد لله.
ما حدث هو أن والدي وأهلي رفضوا زواجي منها نهائياً، وطلبوا مني قطع كل صلة بها.
لا أدري ماذا أفعل، أنا لا أستطيع أن أعاند أهلي، وفي نفس الوقت أخشى أن أتركها؛ فتعود إلى أسوأ مما كانت عليه.
ربما أفكر بعواطفي؛ لذلك أوجه إليكم السؤال؛ وأنتظر النصيحة والتوجيه
أستحلفكم بالله لا تتأخروا في الرد فأنا في حيرة من أمري.
وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الظاهر من حال هذه الفتاة الإيمان والتقوى والصلاح كما تقول، فحاول أن تبذل جهدك في إقناع والديك بزواجك منها، وذلك عن طريق التَّودُّد إليهما، وحسن التعامل معهما، واللين في القول لهما، والتذكير الدائم لهما بنصوص الشرع الحاثَّة على نكاح ذات الدين؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تَرِبَت يداك))؛ رواه البخاري ومسلم. ولتبين لهم أن الزواج بالمرأة المطلقة جائز شرعاً، ومطلوب واقعاً، لكثرة المطلقات، وقد تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بإحدى عشرة امرأة، لم يكن منهن بِكر غير عائشة، رضي الله عنها.
فإن لم تنجح في إقناعهما بذلك، فالأولى بك تركها التماساً لرضاهما؛ لأن رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي أخرجه الطبراني والبيهقي، وفي الترمذي أيضاً من حديث أبي الدرداء قال: ((سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: ((الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأَضِع ذلك الباب أو احفظه))؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه الحاكم عن عبد الرحمن السلمي: "أن رجلاً منا أَمَرَتهُ أُمُّه أن يتزوج، فلما تزوج، أمرته أن يفارقها؛ فارتحل إلى أبي الدرداء؛ فسأله عن ذلك؛ فقال: ما أنا بالذي أمرك أن تطلق وما أنا بالذي أمرك أن تمسك، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: فذكره، فاحفظ ذلك الباب أو ضيعه. ( قال: فرجع وقد فارقها)".
وإذا تركت الزواج من هذه المرأة ابتغاء مرضاة أبويك، التي أمر الله بها؛ فإن الله سيعوضك خيراً منها؛ ثواباً لك على طاعة والديك؛ والتزامك بالآداب الشرعية معهما.
وذلك لأنهما لم يأمراك بإثم، ولا قطيعة رحم، ولا بفعل منكر نهى الله تعالى عنه، بل غاية أمرهما لك ترك الزواج بامرأة معينة، والزواج بامرأة معينة غير واجب قطعاً، وطاعة الوالدين في المعروف واجبة قطعاً، والواجب مقدم على غير الواجب، هذا إذا كان الزواج بها مُباحاً أو مستحباً، فمن البر الواجب أن يترك المرء المستحب براً بأبويه، كما في قصة جُرَيج العابد الذي نادته أمه وهو في الصلاة فقال: "اللهم أمي وصلاتي فقالت: "اللهم لا يموت حتى ينظر في وجه الْمُومِسَاتِ"، (المومِس الفاجرة بالزنا)؛ فاستجاب الله دعاءها.
ولتعلم أن مخالفة أبويك وإغضابهما فيما لا يضرك، من أعظم الذنوب التي توجب غضب الله عز وجل، وهو ما لا يمكن التعويض عنه، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته التي يحبها لأن أباه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لا يرضاها زوجة له، وكان يأمره بطلاقها، فمن باب أولى أن تطيع والديك في التخلي عن هذه الفتاة التي لم تصبح زوجة لك بعد، ولتبحث عن زوجة أخرى يرضيانها، ولا مانع مع هذا أن تسعى لتزويج هذه المرأة بمن يليق بها ديناً وخلقاً، فتكون قد حصلت الخيرين معاً، طاعة والديك وإعفافها.
أما إن خشيت على نفسك الفتنة بهذه الفتاة، وعدم الصبر، ففي هذه الحالة يختلف الحكم؛ لأن زواجك بها ينقلب من مباح أو مستحب إلى واجب؛ لأن الحرام لا يندفع عنك إلا بفعله، فيكون أمر والديك لك بترك الزواج منها غير داخل في طاعتهما الواجبة؛ لأنها ليست من المعروف في حقك والحال كذلك.
وننبه الأخ السائل إلى أنه لا يجوز لك التقرب إلى هذه المرأة من أجل زيادة التوعية الدينية – كما تقول - فربما يؤدي اختلاطك بها إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها وقد روى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))، فهذه أولى خطوات الشيطان، التي نهانا الله عن إتباعها، كما أن للشيطان مداخل وحيل في هذا الباب قلَّ من ينتبه لها، ولا يسلم منها إلا من أوْصَد الباب وسد الذرائع.
أما خوفك على تلك المرأة أن تفتن في حال عدم الزواج بها، فتوكل على الله، وادع الله لها بالثبات. والظاهر مما قلته أن تلك المرأة تابت توبة صحيحة، ويحيط بها بعض الأخوات بالنصح والرعاية، فكل هذا مما يعين على الثبات؛ كما يمكنك أن تحضر لها بعض الكتيبات والأشرطة الدعوية المتنوعة، دون التحدث معها بصورة مباشرة، وفي هذا سلامة لك ولها، وتحقيق لواجب النصح والموالاة للمؤمنين مع اتقاء الشر.
والله نسأل أن يلهمك رشدك ويعيذك من شر نفسك،، والله أعلم.