استشارات متعلقة
تاريخ الإضافة: 12/10/2024 ميلادي - 9/4/1446 هجري
الزيارات: 19
♦ الملخص:
طبيبة عاشت حياتها راضية بقضاء الله، تؤدي حقَّ الله والناس ما استطاعت، حياتها مليئة بالكفاح والسعي، شاكرة ربها على ما أعطاها، ومع ذلك فإن النعم كثيرًا ما تزول عنها، وتشعُر أن ذلك علامة لغضب الله عليها، وهي تريد ثبات تلك النعم، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم، أنا طبيبة في منتصف الأربعينيات، مررت بأحداث كثيرة صعبة في حياتي، وكنت في كل مرة راضيةً تمام الرضا، لا أشعر بالحرج من قضاء الله، ولا أجد فيه إلا الرحمة مهما كان عصيبًا، فكنت أمُرُّ على الأحداث بثبات وعزيمة، أتجاوزها بالإيمان بالله واليقين فيما عنده، أعيش حياة مليئة بالكفاح والسعي، في كل مرة أفْقِدُ فيها شيئًا، أُبادر بالشكر لله والعمل والسعي حتى أُدرِكَ ما فقدتُ، أصلي الفروض والنوافل قدر استطاعتي، وأساعد الناس قدر استطاعتي أيضًا، أشعر أن حبي لله تعالى أكبر من الأحداث، ولكنَّ الحياة صعبة، ومع كل ابتلاء أبحث في قلبي كثيرًا، وأتفقَّد نفسي وإخلاصي؛ خشيةَ أن يكون الرب غاضبًا مني، أشعر بالإرهاق كثيرًا، أحاول شكر النعم جاهدة، قلبًا وقالبًا، لكنها لا تدوم طويلًا، فكيف السبيل إلى رضا الله وثبوت النِّعَمِ؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ هو:
1- أنكِ تحاولين دائمًا التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، وتساعدين الناس قدر استطاعتكِ، لكن رابكِ أمْرٌ غريب؛ وهو كثرة الابتلاءات عليكِ، التي جعلتكِ تخشَين من أن تكون علامةً على عدم رضا الله عنكِ.
2- وتقولين: إنكِ تحاولين مجاهدة نفسكِ على الصبر والرضا بالقضاء، وشكر الله سبحانه، لكن ذلك لا يتأتى لكِ دائمًا، خاصة مع قوة الابتلاءات وترادفها.
3- وتقولين: إن الحياة صعبة، وإنكِ مع كل ابتلاء تتفقدين قلبكِ وإخلاصكِ؛ خشية أن الرب سبحانه غاضب عليكِ.
4- وأخيرًا تسألين: كيف السبيل إلى رضا الله سبحانه؟
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: ينبغي للمؤمن أن ينظر للابتلاءات نظرةً شرعية صحيحة، لا نظرة تشاؤمية، تجعله يحتقر نفسه، وتصُدُّه عن معالي الأمور ومن النظرة الشرعية العلمُ الجازم بأن ما يُصيب المؤمن من مصائبَ هو لأحد الأسباب الآتية أو لبعضها؛ وهي:
1- مجرد ابتلاء لتقوية الإيمان ورفع الدرجات في الجنة، وهذا هو الذي حصل للأنبياء عليهم السلام، وعلى رأسهم رسول الله محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
فالأنبياء لم يُبتَلُوا لأنهم غير مخلصين، أو لأنهم عصَوا الله، حاشاهم، ولكن الله سبحانه ابتلاهم لقوة إيمانهم، ولرفع درجاتهم، وهكذا يُبتلَى كثير من المؤمنين العلماء وغيرهم لهذا السبب، ويدل لذلك أدلة كثيرة من القرآن والسُّنَّة، والصبرُ صفة الأنبياء والمرسلين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [الأنعام: 34]، وقال تعالى: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنبياء: 85].
• ومن الأدلة الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يُرِدِ الله به خيرًا يُصِب منه))؛ [رواه البخاري].
والحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُوعَك، فمَسِسْتُه، فقلت: إنك لَتُوعَكُ وَعْكًا شديدًا، فقال: أجل، إني أُوعَكُ كما يوعكُ رجلان منكم))؛ [متفق عليه].
2- قد يُبتلَى المؤمن لتكفير خطاياه، ورفع درجاته، وليس لأن الله غاضب عليه؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
ثانيًا: مما يسليكِ أن تعلمي أن كل ما قد أصابكِ هو بقدر سابقٍ لِحِكَمٍ يعلمها الله سبحانه؛ لقوله عز وجل: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، ولقوله سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]، وقوله سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]؛ قال علقمة رحمه الله: "هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من الله، فيصبر ويحتسب"، وقوله: "الرجل" تعم الرجل والمرأة.
ثالثًا: لا تنسَي الأسباب الشرعية المهمة جدًّا لتيسير الأمور، وصرف الشرور؛ وهي:
الدعاء، وهو مهم جدًّا؛ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
الاستغفار؛ لأننا أحيانًا نُبتلى بسب معاصينا، ولأن الله سبحانه جعل الاستغفار سببًا عظيمًا لتفريج الكرب؛ كما قال سبحانه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12].
الاسترجاع.
الصدقة.
أذكار الصباح والمساء.
رابعًا: أوصيكِ بقوة الثقة بالله سبحانه، وبعدم اليأس من رحمته؛ قال سبحانه: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، وقوله عز وجل: ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56].
حفظكِ الله، وفرَّج كربتكِ، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.